01 أكتوبر 2022
ديمقراطية ولكن...
أفاد 76% من عينة ممثلة للجمهور العربي في 11 بلداً بأن نظام الديمقراطية التعدّدية ملائم لبلادهم. هذه البشرى زفّها لنا تقرير "المؤشر العربي" الصادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسات، نتيجة استطلاع شمل نحو 19 ألف مبحوث.
بالتأكيد، أمرٌ إيجابي للغاية أن تكون هذه هي النظرة العامة للشعوب العربية. ولكن أحسب أن على الديمقراطيين العرب الانتباه دائماً إلى فخ "نؤيد الديمقراطية الرائعة، ولكن..!".
أذكر جيداً ضمن سجالات ما بعد ثورة يناير في مصر اتفاق جميع الأطراف السياسية والشعبية حول الديمقراطية مبدأ، حتى أن مدرسة السلفية العلمية التي حرمتها عقودا أنشأت حزب النور. وفي التفاصيل، كان الخلاف حقاً على ما يعنيه المصطلح لكل منهم، وعلى ما يرى كل منهم أنه جانب ضروري للتقيد به، حتى أن المرء ليشعر أن الحديث بلغات مختلفة.
في واقعة شهيرة، تعرض الشيخ عبدالمنعم الشحات، الرمز البارز في حزب النور، لمواجهة إعلامية بمقطع فيديو قديم له، وهو يقول إن الديمقراطية حرام وكفر، حدث ذلك في أثناء ترشّحه شخصياً للانتخابات، فرد قائلاً إنه ما زال متمسكاً برأيه السابق، لكنه ينطبق على الديمقراطية بمفهومها الغربي، أما بمفهومنا المصري فهي حلال حلال! ويشمل هذا المفهوم أنه لم يتم الاستفتاء على ما يخالف شرع الله.
ولاحقا، خاض حزب النور والإخوان المسلمون المتحالفان وقتها معركةً لفرض مواد جدلية في الدستور، في مقدمتها المادة 219 "المفسّرة لمبادئ الشريعة"، أو مواد أخرى عن دور الدولة في حماية الأخلاق، وظهر فيديو للشيخ ياسر برهامي، يشرح لقواعده خطتهم لاستغلال هذه المواد مستقبلا!
على الجانب الآخر، كان من المعارك المبكّرة التي خاضها محسوبون على "التيار المدني" عام 2011 معركة فرض "مواد فوق دستورية"، لحماية الدولة المدنية بضمان القوات المسلحة.
لم يقرأ بعضهم في كتاب الديمقراطية إلا صفحة الانتخابات، وهو ما يحولها إلى "صندوقراطية" لا أكثر، بينما لم يقرأ آخرون في الكتاب إلا صفحة "الحريات الشخصية"، يدّعي كلاهما أن هذا هو المفهوم، بينما واقعياً كما أن الديمقراطية ليست صناديق اقتراع فقط، فبالتأكيد لا ديمقراطية بلا صناديق.
على جانب آخر، قدمت الأنظمة العربية الجمهورية منذ الأزل مشاريعها الخاصة. لو تم طرح استفتاء المؤشر العربي على صدّام والأسد ومبارك لأجابوا جميعاً: نعم نؤيد الديمقراطية، نعم هي النظام الأفضل لبلادنا.
منذ جيل الآباء المؤسسين، اتبع جمال عبد الناصر في مصر نموذج "الديمقراطية الديكورية"، هناك انتخابات وصناديق ونواب منتخبون، لأننا ديمقراطيون جداً، نقود نظاماً جمهورياً جداً، لكن كون النتائج تظهر بـ 99%، وكون المعارضين في السجون فهي تفاصيل لا أكثر، حتى أن صدّام فاز باستفتاء بنسبة 100% وبحضور 100% من الناخبين (!).
ويتوازى هذا النمط مع "الديمقراطية المؤجلة"، فحسني مبارك الذي كان يتفاخر دائماً بنظامه الديمقراطي، وبأنه العصر الذي "لم يُقصف فيه قلم"، حين حلت ثورة يناير، قال نائبه عمر سليمان رداً على سؤال أميركي بشأن إيمانه بالديمقراطية "الجميع يؤمن بالديمقراطية، ولكن متى؟" مشيراً إلى أن الشعب غير مؤهل لها حالياً. وهو ما كرّره عبد الفتاح السيسي لمجلة جون أفريك الفرنسية عام 2016: "الديمقراطية عملية طويلة ومستمرة، وسيتطلب تحقيقها في مصر فترة تتراوح من 20 إلى 25 عاماً".
بالطبع، يتجاهل أصحاب هذه النظرية، ومنهم مثقفون و"تنويريون"، دورهم الخاص لتعمد تدمير الديمقراطية على المستويين، الرسمي والشعبي، في بلادهم.
بينما واقعياً لم يحدث تطور الديمقراطية التاريخي في العالم أبداً بعد لحظة تنويرٍ سحريةٍ، تعلمت فيها الشعوب الغربية، بل جاءت نتاج صراع طويل مرير، وكانت بشكل أساسي تخصّ عوامل قوة للنخب الاقتصادية الصاعدة المطالبة بالتمثيل، والنخب الفكرية والسياسية المتوافقة على هذه الأرضية، أما "دمقرطة" الشعوب، فأتت بمرحلةٍ لاحقةٍ، وعبر الممارسة المستمرة.
نتمنّى لبلادنا ديمقراطية بدون "ولكن...".
بالتأكيد، أمرٌ إيجابي للغاية أن تكون هذه هي النظرة العامة للشعوب العربية. ولكن أحسب أن على الديمقراطيين العرب الانتباه دائماً إلى فخ "نؤيد الديمقراطية الرائعة، ولكن..!".
أذكر جيداً ضمن سجالات ما بعد ثورة يناير في مصر اتفاق جميع الأطراف السياسية والشعبية حول الديمقراطية مبدأ، حتى أن مدرسة السلفية العلمية التي حرمتها عقودا أنشأت حزب النور. وفي التفاصيل، كان الخلاف حقاً على ما يعنيه المصطلح لكل منهم، وعلى ما يرى كل منهم أنه جانب ضروري للتقيد به، حتى أن المرء ليشعر أن الحديث بلغات مختلفة.
في واقعة شهيرة، تعرض الشيخ عبدالمنعم الشحات، الرمز البارز في حزب النور، لمواجهة إعلامية بمقطع فيديو قديم له، وهو يقول إن الديمقراطية حرام وكفر، حدث ذلك في أثناء ترشّحه شخصياً للانتخابات، فرد قائلاً إنه ما زال متمسكاً برأيه السابق، لكنه ينطبق على الديمقراطية بمفهومها الغربي، أما بمفهومنا المصري فهي حلال حلال! ويشمل هذا المفهوم أنه لم يتم الاستفتاء على ما يخالف شرع الله.
ولاحقا، خاض حزب النور والإخوان المسلمون المتحالفان وقتها معركةً لفرض مواد جدلية في الدستور، في مقدمتها المادة 219 "المفسّرة لمبادئ الشريعة"، أو مواد أخرى عن دور الدولة في حماية الأخلاق، وظهر فيديو للشيخ ياسر برهامي، يشرح لقواعده خطتهم لاستغلال هذه المواد مستقبلا!
على الجانب الآخر، كان من المعارك المبكّرة التي خاضها محسوبون على "التيار المدني" عام 2011 معركة فرض "مواد فوق دستورية"، لحماية الدولة المدنية بضمان القوات المسلحة.
لم يقرأ بعضهم في كتاب الديمقراطية إلا صفحة الانتخابات، وهو ما يحولها إلى "صندوقراطية" لا أكثر، بينما لم يقرأ آخرون في الكتاب إلا صفحة "الحريات الشخصية"، يدّعي كلاهما أن هذا هو المفهوم، بينما واقعياً كما أن الديمقراطية ليست صناديق اقتراع فقط، فبالتأكيد لا ديمقراطية بلا صناديق.
على جانب آخر، قدمت الأنظمة العربية الجمهورية منذ الأزل مشاريعها الخاصة. لو تم طرح استفتاء المؤشر العربي على صدّام والأسد ومبارك لأجابوا جميعاً: نعم نؤيد الديمقراطية، نعم هي النظام الأفضل لبلادنا.
منذ جيل الآباء المؤسسين، اتبع جمال عبد الناصر في مصر نموذج "الديمقراطية الديكورية"، هناك انتخابات وصناديق ونواب منتخبون، لأننا ديمقراطيون جداً، نقود نظاماً جمهورياً جداً، لكن كون النتائج تظهر بـ 99%، وكون المعارضين في السجون فهي تفاصيل لا أكثر، حتى أن صدّام فاز باستفتاء بنسبة 100% وبحضور 100% من الناخبين (!).
ويتوازى هذا النمط مع "الديمقراطية المؤجلة"، فحسني مبارك الذي كان يتفاخر دائماً بنظامه الديمقراطي، وبأنه العصر الذي "لم يُقصف فيه قلم"، حين حلت ثورة يناير، قال نائبه عمر سليمان رداً على سؤال أميركي بشأن إيمانه بالديمقراطية "الجميع يؤمن بالديمقراطية، ولكن متى؟" مشيراً إلى أن الشعب غير مؤهل لها حالياً. وهو ما كرّره عبد الفتاح السيسي لمجلة جون أفريك الفرنسية عام 2016: "الديمقراطية عملية طويلة ومستمرة، وسيتطلب تحقيقها في مصر فترة تتراوح من 20 إلى 25 عاماً".
بالطبع، يتجاهل أصحاب هذه النظرية، ومنهم مثقفون و"تنويريون"، دورهم الخاص لتعمد تدمير الديمقراطية على المستويين، الرسمي والشعبي، في بلادهم.
بينما واقعياً لم يحدث تطور الديمقراطية التاريخي في العالم أبداً بعد لحظة تنويرٍ سحريةٍ، تعلمت فيها الشعوب الغربية، بل جاءت نتاج صراع طويل مرير، وكانت بشكل أساسي تخصّ عوامل قوة للنخب الاقتصادية الصاعدة المطالبة بالتمثيل، والنخب الفكرية والسياسية المتوافقة على هذه الأرضية، أما "دمقرطة" الشعوب، فأتت بمرحلةٍ لاحقةٍ، وعبر الممارسة المستمرة.
نتمنّى لبلادنا ديمقراطية بدون "ولكن...".