صدرت حديثاً ترجمة "مراسلات ديكارت وإليزابيث"، عن دار "الرافدين"، وقد نقلتها إلى العربية نوال طه ياسين وابتسام خضرة، وتتضمّن المراسلات التي تبادلها الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت (1596-1650) مع أميرة بوهيميا، إليزابيث (1618-1680).
تكاد تكون هذه المراسلات سبباً في شهرة هذه الأمير في حقل الفكر والفلسفة، وتشكّل أفكارها الفلسفية، وفيها تضغط بشكل كبير على ديكارت في نقاشها حول العلاقة بين مادتي العقل والجسد، وعلى وجه الخصوص إمكانية تفاعلهما السببي وطبيعة اتحادهما.
تتفق الأميرة مع ديكارت في طبيعة العواطف وتنظيمها وطبيعة حرية الإنسان في الإرادة وتوافقها مع الإصرار السببي، لكن ما يهم حقاً في هذه الرسائل ما يمكن معرفته عن وجهات نظر ديكارت في أمور مختلفة.
تبدأ مراسلة إليزابيث مع ديكارت بمبادرة منها عام 1643 وتستمر حتى وفاة ديكارت في أوائل عام 1650. ولا يبدو أن إليزابيث قد أنتجت أي عمل فلسفي منهجي، وتتألف كتاباتها الفلسفية الموجودة بشكل شبه كامل من مراسلاتها مع ديكارت.
في حين أن لدينا أعمال ديكارت، وقرون من التأويل لضبط جانبه من المراسلات وفهمه على نحو أعمق، فإننا لا نملك هذه الصورة الأكبر التي نضع فيها أفكار إليزابيث.
بالتالي ، فإن أي حساب لموقفها الفلسفي الصحيح سيكون صعباً، لكن يتضح من المراسلات أن لديها تفسيرات فلسفية خاصة بها حول مسائل تشمل طبيعة السببية وطبيعة العقل، وتفسيرات الظواهر الطبيعية، والفضيلة، والحكم الرشيد.
في حين أن العديد من رسائل ديكارت إلى إليزابيث نُشرت في مجلدات مراسلاته التي حرّرها كليرسلير بعد وفاته، رفضت إليزابيث طلب بيير تشانوت بنشر جانبها من التبادل. تم نشر جانب إليزابيث للمراسلات لأول مرة في مجلد بعد أن وجدها الكاتب والدبلوماسي الفرنسي فوشيه دو كاراي تباع عند بائع كتب قديمة.
تبدأ المراسلات بين إليزابيث وديكارت بمسألة العلاقة السببية بين العقل والجسد. وفي هذا الصدد، المهم أنها تطرح سؤالها حول قدرة العقل على العمل على الجسم، وليس قدرة الجسم تؤثر على العقل.
بينما ردّ ديكارت ليست سوى مراوغة يفتح قضايا أخرى أهم، ولا سيما حول ما إذا كان الاتحاد بين العقل والجسم ينتج عنه مادة ثالثة.
تضغط إليزابيث على ديكارت في مشكلة التفاعل بين العقل والجسم، وفي الحالات التي تؤثر فيها الحالة السيئة للجسم على القدرة على التفكير.
من المثير للاهتمام أيضاً أن إليزابيث تقدّم طبيعتها الخاصة كأنثى كشرط جسدي واحد يمكن أن يؤثر على العقل. بينما يعترف ديكارت بأن هناك عتبة معينة للصحة الجسدية ضرورية للحرية التي تميّز الفكر العقلاني، ويتجاهل التفاتة إليزابيث لمسألة الجسد المؤنث.