ديفيد أوين: سندروم الغطرسة في مئة عام

22 اغسطس 2016
"موت الملك آرثر"، إدوارد كولي بيرن - جونز، 1889
+ الخط -
اختار السياسي البريطاني، ديفيد أوين (1938)، فكرة طريفة على أهمّيتها في كتابه "في المرض وفي السلطة"، الصادرة ترجمته حديثاً بعنوان "في المرض وفي القوّة" عن دار "جداول"، بترجمة يوسف الصمعان.

أوين، وزير الخارجية البريطاني بين عامي 1977 و 1979، وأحد "عصابة الأربعة"، الذين تركوا "حزب العمل" لتأسيس "الحزب الديمقراطي الاشتراكي" عام 1981، هو طبيب أيضاً. من هنا، يعود إلى السجلّات الطبّية لبعض الرؤساء والمسؤولين ليتناول، من خلالها، سلوكهم حين يكونون مرضى وفي موقع السلطة. ويحاول، من دون أن ينجح في كثير من الأحيان وفقاً لمراجعات سابقة نُشرت في الصحافة البريطانية، استكشاف العلاقة بين النظام، سواء أكان ديمقراطياً أو ديكتاتورياً، وطبيعة السلوك الإنساني للقادة في الحالتين؛ وقد اختار كعيّنة لهذه الدراسة قادة ورؤساء حكموا ما بين 1901 و2007.

في أحد فصول الكتاب، الذي صدر بنسخته الإنكليزية في 2008، يُقدّم أوين أمثلة من التاريخ، فيدرس السجلّات الطبّية لـ جون كينيدي الذي كان مدمناً على السترويد والحقن والحبوب المنشّطة، وكذلك شاه إيران الذي كان يعاني من سرطان الغدد الليمفاوية آخر سنواته، والذي نجح في أن يُبقي على مرضه سرّاً، حيث كان يعالجه طبيب فرنسي يسافر إلى طهران كل أسبوع. من هنا، ينطلق أوين إلى فكرة الهوس بالسرّية لدى الملوك والرؤساء والخوف من إعلان المرض أو الاعتراف به، فقد كان الطبيب الفرنسي ينقل معه ميكروسكوب محمولاً مع شرائح وعيّنات رغم أن عملية النقل هذه كانت تؤخّر العلاج، لكن السرّية كانت أهم من الشفاء.

في فصل بعنوان "نشوة السلطة"، يُفرد أوين تحليلاً معمّقاً لحالتي بوش وبلير في فترة غزوهما العراق وأفغانستان، فيتحدّث عمّا يطلق عليه "متلازمة الغطرسة"، ويغرق في هذه الصفحات في التاريخ السياسي وتحليله أكثر من تحليل أسباب هذا السندروم، الذي يقدّم له حالتين أُخريين من التاريخ؛ هما السياسي البريطاني اليميني أنتوني إيدن، الذي كان رئيساً للوزراء في 1955، إذ يدرس الكاتب بالتحديد تمظهرات متلازمة الغطرسة لديه خلال أزمة قناة السويس في 1956، كما يعود إلى فرانسوا ميتران (رئيس فرنسا بين 1981 و1995) الذي كان مصاباً أيضاً بسرطان البروستات.

يتطرّق الكاتب، أيضاً، إلى الأسباب التي تجعل رؤساء يصابون بـ "متلازمة الغطرسة" وآخرين لا، ليخلص إلى أن جميع من يصل إلى السلطة يُصاب بها، ولكن بدرجات مختلفة تتناسب طردياً مع حجم السلطة والصلاحيات التي تُمنح للمسؤول.

بالنسبة إلى القارئ العربي، قد يبدو كتاب أوين ناقصاً بعض الفصول، التي ربّما لو حاول كتابتها فإنه لن يستطيع نظراً لصعوبة الحصول على المعلومات، فمع أمثلة رؤساء طاعنين في السن كما في الجزائر وتونس، تُنكر بطانتهم عجزهم، ومع نماذج من التاريخ رأينا فيها رؤساء يموتون فجأة وتعرف شعوبهم عن أمراضهم تالياً، أو حتى من إشاعات تُطلق هنا وهناك ويتهامس الناس حولها دون أن تثبت صحّتها أو كذبها، يبدو أن ثمّة الكثير ليكتشف في هذه المنطقة حول هذا الموضوع.


المساهمون