ديزموند توتو.. مع فلسطين دوماً
ما قد أضيفه، اليوم، من خيبات جديدة في الموقف العربي الأخير من أحداث غزة هو خيبتان، الأولى، في تلك الأصوات والأقلام العربية "المتصهينة"، التي خرجت من جحورها أثناء العدوان الصهيوني على غزة، وأخذت تنفث سمومها تجاه المقاومة وأهالي غزة الأبطال الشرفاء. أما الخيبة الثانية، وهي أدهى وأمر، ففي تفوق أشكال الدعم الشعبي الغربي على الدعم الشعبي العربي، وذلك الذي من خارج "البيت العربي" أكثر من الذي من داخله، تجاه نصرة غزة وأهلها، عبر مسيرات ومظاهراتٍ كبيرة شهدتها مدن وعواصم أوروبية وأميركية وفي باقي أنحاء العالم، والتي تم وصفها بأنها أكبر مظاهرات شعبية مؤيدة لقضية ما، شهدها التاريخ البشري. مثل هذه المظاهرات أتت رسالةً تخاطب أمثال الذين لم يزالوا متمترسين خلف "القومية العربية"، ومضمونها أن العالم أصبح، اليوم، وبفضل غزة، قرية إنسانية صغيرة!
الدعم الإنساني العالمي لم يقف عند حد المظاهرات فقط، بل تجاوزها عبر حملات مقاطعة للشركات الإسرائيلية، أو التي تستثمر في إسرائيل، وهذه الحملات تدفع إلى الحديث عن أحد أشهر داعميها وداعمي النضال الفلسطيني ضد المحتل، وهو كبير أساقفة جنوب إفريقيا السابق، والحائز على جائزة نوبل للسلام ورفيق نضال نيلسون مانديلا، رمز الحرية، ديزموند توتو، الذي تفرد بدعم هذه الحملات بشجاعة فكرية منقطعة النظير، بنشره مقالاً مطوّلاً، قبل أيام، في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية بعنوان "ندائي إلى شعب إسرائيل: حرروا أنفسكم بتحريركم فلسطين".
ولكم أن تدركوا مدى الثقل الدولي الذي يتمتع به توتو، والذي أرغم أهم صحيفة إسرائيلية على نشر مثل المقال، وهو أقل ما أصفه به "الهجوم الفكري الكاسح" ضد الطغيان الإسرائيلي. حيث جاء في مقاله: "شاركت، قبل أكثر من ربع قرن، في عدة مظاهرات وفعاليات مؤيدة للقضية الفلسطينية، ومنددة بالاحتلال الإسرائيلي وسياساته القائمة على الفصل العنصري والإرهاب والقتل تجاه الفلسطينيين، ولم أكن أتوقع أن تقام مظاهرات بذاك الحجم والعدد مجدداً، ولكن، بالأمس القريب، شهدت مدينة كيب تاون مظاهرة تُعد الأكبر في تاريخ جنوب إفريقيا، وشارك فيها جنباً إلى جنب، شباب، كبار السن، مسلمون، مسيحيون، يهود، بوذيون، هندوس، ملاحدة، سود، بيض، حمر...، وقد طلبت منهم في أثنائها أن نهتف بصوت واحد: نحن ضد الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين.. نحن ضد الظلم والعنصرية والإرهاب الإسرائيلي ضد الفلسطينيين. ولكننا لسنا ضد اليهود".
وأضاف "نريد أن نكرر في فلسطين ما قمنا به في جنوب إفريقيا، جنباً بجنب مع نيلسون مانديلا، عندما أرغمنا الحكومة العنصرية، آنذاك، على أن تخضع لمطالبنا، ولم تكن حركتنا حينها لتنجح لولا الدعم الجماهيري الكبير في جنوب إفريقيا وخارجها، عبر حملات مقاطعة النظام العنصري، وفرض العقوبات وسحب الاستثمارات".
وفي ختام مقاله قال: "أختم مقالي بمقولة مانديلا الشهيرة: لن يشعر الجنوب إفريقيون بالحرية حتى ينعم بها الفلسطينيون...".
وأختم هذه السطور، بتحية شكر وتقدير ومحبة لهذا الصوت الإفريقي الإنساني الشجاع الحُر، الذي، وللمفارقة، أجد لموقفه من غزة والقضية الفلسطينية مُورداً كريماً عند الله في قوله سبحانه، "ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى، ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون". بينما "إخواننا في الله"، ومن هم أولى الناس بنصرة غزة والقضية الفلسطينية كالجماعة الإفريقية "بوكو حرام"، وباقي "مجاهدي الغفلة"، "هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزاً، سوى في إرهاب وقتل الأبرياء وتشويه الإسلام.