دير الزور: "داعش" يشقّ صفوف العشائر

07 أكتوبر 2014
مبايعة بعض العشائر لـ"داعش" تهدد بحرب طاحنة(أحمد عبود/فرانس برس)
+ الخط -

يعتمد تنظيم "الدولة الإسلامية"(داعش)، خلال توسّعه في سورية، على بعض السوريين الذين بايعوه، ممن يُطلق عليهم وصف "الأنصار"، وانضووا في صفوفه كمقاتلين وقادة ميدانيين، على غرار ما شهدته محافظة دير الزور، شرق البلاد، حيث يغلب الطابع العشائري.
ولم يتردّد تنظيم "داعش" في استغلال هذا الطابع، من خلال تعمّده استمالة بعض أفراد هذه العشائر وتعيينهم أمراء لديه، واستخدامهم لشقّ صفّ العشيرة، انطلاقاً من أنّ كل من سيقاتل إلى جانبه، سيبدو وكأنّه يحارب أبناء عشيرته.

وفي معاركه التي سعى من خلالها الى السيطرة على ريف دير الزور الشرقي، اعتمد التنظيم على بعض عشائر المنطقة ممن بايعوه، وارتكب طيلة ستة أشهر، مجازر كبيرة ضد العشائر التي رفضت مبايعته، ما خلق حالة من العداء الخفي بين العشائر، إلى حدّ يتوقّع فيه أحد ضبّاط "الجيش الحر" من أبناء المنطقة، وبعض وجهاء العشائر، نشوب حرب عشائريّة، في دير الزور، في حال انسحاب التنظيم منها. 

إبادة جماعيّة

بعد سيطرة تنظيم "داعش" على ريف دير الزور الشرقي، كانت عشيرة الشعيطات آخر من صمد في وجهه، وخاضت ضده معارك شرسة مدة 6 أشهر، انتهت بإخضاع العشيرة. وما أن سيطر التنظيم على قرى الشعيطات الأربع (الكشكية، وأبو حمام، وغرانيج والبحرة)، حتى عادت العشيرة وانتفضت في وجهه، نتيجة إقدامه على اعتقال ثلاثة من أبنائها، ما أدى إلى نشوب اشتباكات بين الطرفين، انتهت بمقتل عناصر من التنظيم، وطرده من قرى عدة واقعة بين مدينتي البوكمال والميادين، قبل أن يشنّ "داعش" حملة عسكرية كبيرة على المنطقة، ويرتكب مجزرة بقتله كلّ من يحمل السلاح. وتمّ توثيق أسماء 850 شخصاً، ممن أُعدموا ميدانياً.

ولا يحمّل أبناء عشيرة الشعيطات، الذين تفرقوا بين المحافظات السورية، ولجأ بعضهم إلى تركيا، المسؤولية للتنظيم وحده، وإنما لبعض العشائر الأخرى التي بايعته، وساهمت في قتل أبنائهم، على حدّ وصفهم. أبو صالح، أحد القادة الميدانيين ضمن كتائب الشعيطات، وممن واجهوا تنظيم "الدولة"، يقول لـ"العربي الجديد": "ليس لدينا مشكلة مع النظام فهو مجرم منذ البداية، وتنظيم الدولة كذلك، لكنّ مواجهتنا الأساسية ستكون ضد العشائر التي ساعدت التنظيم في قتلنا". ويضيف: "لم يكتفوا بقتل أبنائنا، بل سرقوا المنازل والمواشي، وتمّ بيعها في الأسواق أمام أعين الجميع، وتمّ تهجير النساء والأطفال إلى البادية، حتى استشهد أغلبهم عطشاً. لقد تعرّضنا لإبادة جماعيّة على يدّ التنظيم وأبناء عمومتنا ممن بايعوه". ويعتبر أنّ الكلّ غضّ الطرف عما حدث، حتى المجتمع الدولي لم يتعامل معنا كما الأيزيديين في جبل سنجار في العراق، على الرغم من أننا تعرضنا لإبادة وليس للتهجير فقط".

يتابع القيادي العشائري حديثه بانفعال شديد: "ربّما نسي الجميع ما حدث، لكنّ أبناء الشعيطات لن ينسوا ما داموا أحياء، ربّما خسرنا عدداً كبيراً من شباب العشيرة، لكن ما يزال لدينا شباب مغتربون". ويذهب إلى حدّ القول: "سنتزوج أكثر مما يسمح به الشرع، لنعيد ترتيب العشيرة"، مؤكداً أنّه "لن ننسى ما حدث، ما حيينا".

وحول إمكانية المصالحة، يقول أبو صالح: "المصالحة تتم بين طرفين أخطآ في حق بعضهما بعضاً، نحن لم نتعد على أحد، وإنما قاتلنا النظام وداعش على حد سواء، لتأتي بعض العشائر وتعلن البيعة للتنظيم، بل وتساعده وتستقوي به على إخوتهم وهؤلاء لا مجال للصلح معهم أبداً، لن يدوم التنظيم لهم الى الأبد، فاليوم سيحميهم، أما غداً لن يبقى لهم أحد".

تحت الرماد

لم تقتصر المجازر التي ارتكبها التنظيم بمساعدة بعض العشائر على عشيرة الشعيطات، فقد كانت قرية الشحيل من أبرز القرى التي واجهت التنظيم، وكانت تُعدّ معقلاً لـ"جبهة النصرة" في دير الزور، لتجبر في النهاية على مبايعته مرغمة. فبعد أن انسحبت "النصرة" إلى جبال القلمون ودرعا، دخلت القرية الصغيرة، التي كبّدت التنظيم خسائر كبيرة، في مبايعة كانت هي الخاسر الأكبر فيها، بعد أن أخلّ "داعش" بتنفيذها. مع دخوله للقرية بعد إعلانها مبايعة زعيم التنظيم، أبو بكر البغدادي، نفّذ التنظيم إعدامات ميدانية وفجّر أغلب منازلها، على الرغم من أنّ بنود الاتفاقية نصّت على عدم المساس بالمدنيين.

من جهته، يشرح الملازم أول، أبو رائد، الذي خرج وكتيبته من دير الزور بعد دخول التنظيم، لـ"العربي الجديد"، كيف سقطت قرى عدّة كأحجار الدومينو، بعد سقوط بلدة الشحيل. ويقول: "بعد سقوط الشحيل تبعتها قرى عدة: الميادين، والعشارة، والصور والقورية، لأنّ الشحيل كانت تمثل ثقلاً عسكريّاً ومعنويّاً في وجه داعش".

يعتبر أبو رائد أنّه "ما كان للقرية أن تسقط لولا تخاذل الجميع من حولنا، وبسبب قلّة السلاح، ومساعدة بعض العشائر للتنظيم". ويلفت إلى أنّ "تلك العشائر التي نعرفها ونحفظها بمقاتليها وضباطها ومجالسها العسكريّة، تستقوي اليوم بالتنظيم، ولا تعلم أنّ الحرب سجال".

يرفض أبو رائد فكرة أن بعض العشائر بايعت "داعش" مرغمة، ويقول في هذا الإطار: "هناك العديد من مقاتلي العشائر بايعوا مرغمين، لكنّ أحداً لم يجبرهم على قتل إخوانهم، ومجرد البيعة هي تسهيل للتنظيم، بل وسكوت عما يحدث من مجازر".

في المقابل، يرى الملازم أول، عبد الرحمن، وهو ممن بايعوا التنظيم، أنّه "لم يكن ثمّة خيار إلا البيعة، فالدخول في حرب كان يعني مجازر، وسط نقص السلاح والذخيرة والتسليح، في وقت جاء التنظيم بأسلحة من العراق"، داعياً "عشائر الشعيطات وأهالي الشحيل إلى التمييز بين من بايع مرغماً، ومن اشترك في الجريمة".

خطوات استباقية

مما لا شكّ فيه أن تنظيم "داعش"، حاول اللعب على الوتر العشائري، واستمالة العديد من العشائر ضد أخرى. ويبدو أن تلك السياسية نجحت إلى حدّ كبير، إذ أن انسحاب "داعش" اليوم بات أخطر من بقائه في دير الزور، إذ يُنذر بحرب عشائرية طاحنة قد تشهدها المحافظة.

يثير أحد وجهاء العشائر في دير الزور، مفضلاً عدم الكشف عن اسمه، لـ"العربي الجديد"، هذه المسألة: "ربّما من المبكر الحديث عن انسحاب "داعش" من دير الزور، لكنّ حصول ذلك، وفق كل المؤشرات، يؤشّر إلى احتمال اندلاع حرب عشائرية لا تُحمد عقباها". ويرى أنّ "طبيعة المنطقة العشائريّة وما حدث فيها من انقسامات ومجازر تؤكد ذلك، ما يفرض على الجميع التوجّه والاستعداد لدرء أيّ فتنة يمكن أن تحدث، لأنّ الجميع في المنطقة بات مسلحاً بعد أربع سنوات من الثورة، إضافة للاستعداد النفسي للعشائر التي وقع عليها الظلم، فلا بدّ من تحرك جدي لاحتواء هذا الاحتمال".

ويتّفق قائد المنطقة الشرقية السابق المقدم، محمد العبود، مع كلام الوجيه العشائري، بإشارته الى أنّ "الموضوع أخذ حيّزاً كبيراً من نقاشات جرت في الأردن، ونحاول وضع خطة لملء الفراغ والحدّ من الأحداث التي يتوقّع نشوبها، ومن الاقتراحات تشكيل قوّة تضمّ في تشكيلها أفراداً من العشائر كافة والبطون فضلاً عن تشكيل هيئة صلح".