ديربي الميرسيسايد..سيقولون ها نحن أبناء عم(ديربيات 1)

19 يوليو 2014
ديربي الميرسيسايد من أعنف ديربيات إنجلترا (getty)
+ الخط -

لافتة على الطريق السريع، خط أحمر يقودك من وسط الأراضي الإنجليزية إلى أعالي بلاد الإمبراطورية التي كانت لا تغيب عنها الشمس، تنتهي من المشوار الطويل لتجد نفسك على مشارف الشمال الغربي حيث أحد أشهر الموانئ التجارية في أوروبا، في حضرة نهر الميرسي، وبين جانبيه، تتواجد مقاطعة ميرسيسايد بأحيائها الخمسة التي تضم المدينة الرياضية الشهيرة التي تدين لها كرة القدم بالكثير، ليفربول.

في مدرجات الأنفيلد رود، يأتي زئير الجماهير من أقصى المدرجات بهتاف واحد، أبداً لن تسير وحدك. وداخل المدينة البحرية، لا يوجد ناد الليفر فقط، بل أيضاً هناك إيفرتون، الشريك الرسمي للمدينة والمنافس التقليدي للفريق الأحمر على مقعد الزعامة الكروية. ومن يظن أن كرة القدم مجرد لعبة فهو مخطئ بكل تأكيد بل واهم، فلولا الساحرة المستديرة، لم نكن أبداً قريبين من معرفة أدق أسرار وتفاصيل بلاد تبعد عنا بمئات الأميال، إنها الكرة، وسرها الباتع.

سر المنافسة
بعيداً عن أجواء الصراع السياسي، الديني، الجماهيري خلال الديربيات، فإن ديربي مدينة ليفربول له جانب آخر من الصراع، والسبب ملعب خاص بلعب كرة القدم، إنه الأنفيلد الذي لعب فيه إيفرتون منذ فترة تأسيسه قبل أن يحدث خلاف بين إدارة "التوفيز" ومالك أرض الأنفيلد جون هولدينج ويترك النادي الملعب، ليخطفه ليفربول بعد تأسيسه مباشرة ويصبح في ما بعد ملعبه الرسمي الذي تنطلق فيه كل مباراياته.

وحتى عام 1974، لم تكن مقاطعة ميرسيسايد بهذا الاتساع، حتى تجمعت أحياء عديدة، سانت هيلين، سيفتون، نوزلي، ومدينة ليفربول في خط واحد بشبكة مترو تجعل الاتصال بينهم سهلاً وبسيطاً. ثلاث فرق ضمن المقاطعة، ناد يلعب بالدرجة الثالثة، والثنائي ليفربول وإيفرتون، مع جمهور يُعرف عنه الصوت العالي واللهجة القاسية، والفخر بأنفسهم وبأنديتهم.

اتسم الديربي بالهدوء خلال بداياته، لكن مع كثرة وتوالي المباريات مع ارتفاع مستوى الفريقين، خصوصاً ليفربول خلال فترة الثمانينيات، أصبحت المواجهة تأخذ منعرجاً آخر، منافسة أكبر، ومدرجات مشتعلة بين الجمهورين. ومع بداية البريميير ليج الجديدة في بداية التسعينيات، زاد العنف بين الجانبين لتكون مباراة ليفربول - إيفرتون الأكثر شهرة مع كثرة البطاقات التي جعلت الديربي تنافسياً داخل المستطيل وخارجه.

السؤال التقليدي
حينما تزور مدينة ليفربول وبعد نهاية رحلتك، وقبل أن تأخذ التاكسي لكي تذهب إلى المطار عائداً إلى بلادك، سيبادر السائق بسؤالك عن ميولك السياسية، مذاهبك الاقتصادية، ما أعجبك وما أزعجك، ومع دفعك للأجرة وعزمك على النزول، سيودعك بكلمات دافئة طالباً منك زيارة جديدة، ويقول لك السؤال الأشهر على الإطلاق، هل أنت أحمر أم أزرق؟ وفي رواية أوضح، هل أنت من مشجعي الليفر أم إيفرتون؟

وأثناء تجولك داخل المقاطعة، ستجد الألوان الحمراء الخاصة بالليفر طاغية، مع تحليق مستمر لطائر "الريدز" بشعاره الوفي، لتشعر وكأن المدينة خاصة فقط بفريق جيرارد. جمهور إيفرتون متواجد لكن ليس بكثرة منافسه، والسر في ابتعاد فريقهم كثيراً عن أجواء البطولات خلال السنوات الكثيرة الماضية، لدرجة تشبيه البعض لمدينة ليفربول بديربي لعبة البيسبول الشهير بين اليانكيس والميتس، جمهور يانكيس هو الأكثر في المدينة لأن فريقهم يحصل على بطولات عديدة مؤخراً، بينما حين تقابل أحد الميتس، سيحكي لك بشيء من الفخر الممزوج بالحسرة عن الأيام الخوالي والبطولات القديمة لناديه ونجومه.

على خطى أندية عربية
مشجع ريفر بلات لا يستطيع السير بجوار مدرجات البومبونيرا، أما عاشق البوكا فمن المستحيل أن يرفع ألوان الأزرق والأصفر أمام المونيمنتال. لكن في مدينة ليفربول، الأجواء أسرية إلى حد كبير، في مشهد يُذكرنا بالملاعب العربية، من الممكن أن ترى مشجعاً أهلاوياً له أخ زملكاوي، وأب يحب كرة الإسماعيلي، وهكذا، في الملعب هناك تنافس يصل إلى حد العداوة لكن بعد المباراة، لا يوجد غير المودة والصداقة.

"المباريات بين ليفربول وإيفرتون تكون إثنتين فقط طوال العام في الغالب، نحزن ونغضب ونتفاعل مع اللقاء لكن في النهاية، يوجد روابط بيننا، أسرية أو صداقة أو حب في بعض الأحيان، لذلك خارج الملعب، تندمج الألوان الحمراء والزرقاء في قالب واحد. نحن مدينة واحدة بخلاف مانشستر يونايتد حينما يأتي إلينا". تصريح شهير لأحد مشجعي الريدز.

تاتشر..العدو المشترك
لقد كذبت كثيراً، ونحن نكرهك حتى الموت. هكذا يقول جمهور ليفربول عن مارجريت تاتشر، رئيسة وزراء إنجلترا السابقة خلال فترة الثمانينيات من القرن الماضي. جمهور الليفر لا يحب تاتشر بشكل خاص بسبب ما حدث في ليلة هيلزبره السوداء. موت المشجعين وتستر الشرطة وجهات الأمن، مع غياب اهتمام الحكومة من وجهة نظر عشاق كرة القدم.

جمهور إيفرتون أيضاً يكره المرأة الحديدية بشكل كبير، والسبب تهميشها الشديد لكرة القدم خلال سنوات حكمها وجعل اللعبة خاصة فقط للأغنياء القادرين على دفع أموال مقابل التدريب في المدارس الخاصة. وتضم المدينة البحرية عدداً كبيراً من العاملين والكادحين الذين يتجهون إلى الأعمال الصناعية والتجارية في الميناء، لا دخل أسطورياً ولا رفاهية مطلقة، لذلك رأسمالية تاتشر المتوحشة وقفت كالند أمام كفاح كرة القدم في الملعب الإنجليزي.

كلاسيكيات
قبل أي ديربي، من يستمتع دون خوف أو قلق، فإما أن يكون بلا إحساس، أو واثقاً بشكل أقرب للغرور. الميرسيسايد له قواعد أخرى، ومهما كانت أهمية المباراة فإن جميع اللاعبين يهتمون بمجريات اللعب طوال التسعين دقيقة. يقول لاعب ليفربول السابق دافيد فيركيلوف هذه التصريحات عن القمة الكروية المعروفة.

بينما يؤكد بيل شانكلي صانع أمجاد الريدز القديمة بأن فريق كرة القدم أشبه بالبيانو، تحتاج إلى ثمانية كي يحملوا العمل، وثلاثة يضعون لمستهم الفنية في النهاية. ليرد عليه هدف إيفرتون التاريخي رالف دين بأن التوفيز هم أصل جمال مدينة ليفربول بينما الريدز أشبه بالجزارين في طريقة لعبهم . وحول زيادة جمهور ليفر مقارنة بإيفرتون، يشير بريان لابوني - توفيز - بأن مشجعاً واحداً من إيفرتون يساوي 20 ليفربولياً.

وكعادة الصراع بين أي فريقين، يأتي دور النجمين الكبيرين لكل جانب، كيني دالغليش ملك ليفربول، وهاورد كيندال أسطورة إيفرتون الخالدة، ثنائي رائع أعطى كل شيء ممكن للناديين ودفعوا أعمارهم من أجل جماهيرهم التي تعشقهم، وكما يتفاخر كل مشجع بالبطولات، فإن أسماء النجوم الكبيرة تظل محفورة في الذاكرة رغم مرور السنين.

لعبة تجمعنا
يأتي يوم 15 أبريل/نيسان كل عام لكي يتذكر جميع عشاق كرة القدم بصفة عامة ولاعبو الليفربول وجماهيره خصوصاً، تلك الحادثة المريرة التي راح ضحيتها العديد من مشجعي الفريق الأحمر، كابتن الريدز ستفين جيرارد يؤكد أنه لم ولن ينساهم أبدا ويذهب كل عام لكي يصلي لهم.

سنوات مرت على الحادثة وما زالت ردود الأفعال متواصلة، الغموض كان سمة تلك الواقعة الا أن أصابع الاتهام كانت دائماً تشير الي تورط أجهزة الشرطة الانجليزية في الموضوع حتي جاءت الأخبار الأخيرة التي أكدت تعمد الشرطة واعضاء التحقيق وقتها في الحادثة ومحاولتهم طمس واخفاء الأدلة بكل الطرق الممكنة، واتهامهم الصريح للجماهير بعدم الوعي وتناول أقراص مخدرة والافراط في الخمور.

الواقعة منذ البداية تحيط بها الشكوك، فالنهائي كان بين ليفربول ونوتنجهام فورست وجاء بعد كارثة هيسل الأوروبية الشهيرة بسنوات، وقامت اللجنة المنظمة للمباراة باعطاء جمهور الليفر 15 ألف تذكرة فقط علي الرغم من اعطائها لجمهور فورست أكثر من 21 ألف تذكرة! وهنا يأتي التساؤل، لماذا التفرقة في التعامل بين جمهور الفريقين؟ وكيف يخصص هذا العدد الهزيل من التذاكر لجمهور ليفربول المعروف بكثرة أعداده المهولة.

انتهت التحقيقات وقتها من دون الاشارة الي جاني حقيقي وملموس، وحصلت الخمور والأقراص المخدرة على نصيب الاسد من سير التحقيقات، لكن لم تقتنع الصحافة ولا عشاق كرة القدم بتلك الحجج الواهية حتى تسربت تقارير صحافية مؤخراً أشارت الى تورط أجهزة الشرطة في الحادث وبراءة جمهور ليفربول من التهم الموجهة لهم في أجواء هزت انجلترا بأسرها، ما استدعى تدخل ديفيد كاميرون شخصياً واعتذاره لأهالي الضحايا وأسرهم.

وخلال كل عام، يقف جمهورا ليفربول وإيفرتون جنباً إلى جنب تخليداً لذكرى الضحايا في لحظة بديعة تُلخّص أهمية وقيمة اللعبة الشعبية الأشهر في العالم، كرة القدم وسيلة تجمعنا، وغاية تؤكد عظمة الرياضة وقيمتها الرفيعة.

المساهمون