كان حضور دول حصار قطر، في الجمعية العامة للأمم المتحدة، باهتاً، وبعيداً عن الجو السياسي العام للمنظمة الدولية، وظهرت الرياض وأبوظبي والمنامة والقاهرة في صورة من جاء إلى هذا المحفل الدولي الكبير، والذي يجتمع مرة في العام، كي يتشكى ضد الدوحة، غير مكترثة بالمشاكل الكبيرة التي يواجهها العالم العربي، واضعة على الرف التحدّيات التي تطرح نفسها بقوة على منطقة الخليج، في ما يخصّ الأمن الجماعي والتنمية والعمالة وتراجع الإيرادات المالية بسبب هبوط أسعار النفط.
طغت على أعمال الدورة 72 للجمعية العامة هذا العام الأزمات الكبرى، من سورية إلى كوريا الشمالية وليبيا وإيران والمناخ، وجاءت كلمات اليوم الأول لتصب في هذا المجرى، لا سيما كلمتي الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، والرئيس الأميركي دونالد ترامب.
كان لافتاً أنّ الدول الأربع، السعودية، الإمارات، البحرين، ومصر، لم تكن معنية من هذا اللقاء الدولي الكبير إلا بما يمكن أن تجنيه من خلال التحريض على قطر، وحسبت أنّ هذه المهمة سهلة، ولذلك جهّزت ماكينة إعلامية كبيرة، وأوفدت جيشاً كبيراً من الصحافيين والخبراء، وأقامت حملة علاقات عامة، بدعم من اللوبيات الإعلامية والدبلوماسية التي تعمل بالإيجار لدى أبوظبي.
كرّست الدول الأربع، اتصالاتها كافة، ووضعت ثقلها الدبلوماسي والإعلامي، من أجل هدف عزل قطر، والتشويش على حضور أميرها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، والذي ذهب، كالعادة، إلى الجمعية العامة، وألقى كلمة تركت أصداء طيبة، ولقيت استجابة وتعاطفاً واسعين.
وعلى الرغم من ضخامة حملة التشويش، لم يتأثر حضور أمير قطر، وذهبت سدى التظاهرات مدفوعة الثمن التي نقلتها دول الحصار إلى نيويورك، ليس من داخل الولايات المتحدة فقط، بل من الإمارات وأوروبا أيضاً، ولم ينشغل بها الإعلام الأجنبي، وبقيت أصداؤها محصورةً في قناتي "سكاي نيوز عربية" و"العربية".
وباستثناء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، لم يحضر أعمال الجمعية العامة، من دول الحصار، سوى وزراء الخارجية، وغاب زعماء الصف الأول الذين أشعلوا فتيل الأزمة، ولم يكن حضور السيسي ذا مردود إيجابي، بل فضائحي وهزيل كالعادة، وتحوّلت صور لقائه برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إلى مادة للسخرية في الأوساط السياسية والإعلامية، حتى المصرية منها.
وعلى العموم، كانت مشاركة السيسي، وما رافقها من نشاطات للوفد المصري، تعبيراً صادقاً عن مأزق القاهرة، والوضع الصعب الذي تعيشه، إذ تبيّن بوضوح مدى الضعف والتراجع في دور مكانة مصر كقوة عربية وأفريقية، فهي في هذه السنة كانت كما لو أنّها غير موجودة إلا في التقارير التي تتحدّث عن انتهاكات النظام لحقوق الإنسان، وقد جرى تسريب بعض هذه التقارير، ومنها تقرير من الخارجية الأميركية، خلال وجود الوفد المصري في الجمعية العامة، الأمر الذي يحمل رسالة واضحة إلى نظام السيسي.
أما كلمات دول الحصار، أمام الجمعية العامة، فقد كانت بمثابة استعادة للأسطوانة المشروخة، والتي سئمتها آذان الناس لكثرة ما ردّدها وزير الخارجية السعودي عادل الجبير على المنابر الدولية على مدى ثلاثة أشهر، وهو يرافع ضد قطر، ويكرّر "موقفنا حازم ضد سياسات قطر المهددة لدول المنطقة"، وأنّ "ممارسات الدوحة تسبّبت في نشر الفوضى"، أو أنّ "قطر تنشر خطاب الكراهية".
الأمر المهم هو أنّ المرافعات ضد قطر لم تلق صدى في الجمعية العامة، والحملات ضد أميرها لم تترك أي مفعول عند أحد، والخلاصة التي ترسّخت لدى الأطراف الدولية، سواء الولايات المتحدة أو روسيا وأوروبا، هو أنّ دول الحصار مفلسة سياسياً، واستنفدت كل ما لديها من مخزون الافتراءات ضد الدوحة.
ولخّص مصدر دبلوماسي أوروبي، لـ"العربي الجديد"، حال دول الحصار، في الجمعية العامة للأمم المتحدة، بثلاث نقاط.
الأولى؛ أنّ دول الحصار لم تبد أيّ رغبة في حل الأزمة، على عكس قطر التي عبّر أميرها عن ذلك صراحة من على منبر الجمعية العامة، وخلال لقائه مع الرئيس الأميركي، والثانية؛ هي أنّ دول الحصار تقوم بحملات تصعيد من دون مبررات، في الوقت الذي لا يفوّت فيه الجانب القطري فرصة من أجل التهدئة.
أما النقطة الثالثة؛ فتتمثّل في أنّ تحرّكات دول الحصار كانت معزولة، ولم تجد سنداً حتى من جانب الرئيس ترامب، والذي كانت تراهن عليه شخصياً.
افتراءات دول الحصار آخذة في التساقط، كلما طال أمد الأزمة، وبينما تتآكل ذرائعها فإنّها تتحوّل إلى مجرد طابور، لا دور له سوى التحريض.