دول الحصار وقطر... مستوى جديد من التصعيد

16 يناير 2018
الدوحة نفت اعتراض طائرات مدنية إماراتية (Getty)
+ الخط -

منذ أن اخترقت أبوظبي موقع وكالة الأنباء القطرية ليلة 23 مايو/أيار الماضي، لم يعد يستغرب المرء شيئاً من مواقفها وسياساتها وتصرفاتها التي تزيد في كل يوم تهوراً، ذلك أن من قام بقرصنة وكالة أنباء بلد جار وشقيق، ووضع عليه خطاباً مزيفاً على لسان أمير هذا البلد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، لن يتوانى عن القيام بأي عمل آخر، بما في ذلك الخيار العسكري، وهذا أمر كشفه أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، الذي توسط من أجل تطويق الأزمة بين دول الحصار والدوحة، ولكن العاصمة الإماراتية، وحليفاتها الثلاث، الرياض  والمنامة والقاهرة، لم تحترم مساعيه.

كان واضحاً منذ اليوم الأول للأزمة أن أبوظبي هي رأس الحربة للدول التي فرضت الحصار ضد قطر في الخامس من يونيو/حزيران الماضي، وهذا لا يقلل من الأدوار التي لعبها بقية الشركاء، السعودية والبحرين ومصر، بدرجات متفاوتة، وكل حسب طاقته. وتبقى الرياض هي الذراع اليمنى لأبوظبي التي اعتمدت عليها للضغط المباشر ومن أجل تجييش موقف دولي ضد الدوحة.

لا يبدو أن أبوظبي والرياض في وارد التوقف عند حد، أو القيام بمراجعة للنفس انطلاقاً من واقع فشل مخططاتهما، ضد الدوحة، الواحد تلو الآخر، بل على العكس، كلما وصل مخطط إلى طريق مسدود لجأتا إلى لعبة جديدة من أجل إبقاء الأزمة عند النقطة التي وصلتها في درجة عالية من التوتر، وصارت كل جهودهما منصبة على عدم ترك الأزمة تبرد أو تأخذ استراحة، وكلما لاحت في الأفق بادرة تهدئة نسفتاها، وأعادتا الموقف إلى ما دون الصفر، وكأنه ليس هناك على جدول أعمال ولي عهد أبوظبي وولي عهد السعودية محمد بن سلمان، غير قطر التي رفضت التنازل عن قرارها السيادي.

حين فشلت عملية تركيع قطر، جرى الانتقال إلى طور عزلها دولياً وإقليمياً من أجل الاستفراد بها، قامت دول الحصار باستخدام أسلحة خاصة، أبرزها ضرب الاقتصاد القطري، ومن ذلك التلاعب بالعملة القطرية، وتقويض سمعة قطر على المستوى الاقتصادي، إلا أن هذا السلاح لم يكن له مفعول كبير مثله مثل وقف توريد المواد الأولية من السعودية إلى قطر في شهر رمضان، بفضل الخيارات البديلة المتاحة.

كلما بطلت معزوفة، تم اختراع واحدة جديدة. وقد عاشت أبوظبي والرياض في أشهر الأزمة الأولى على مسألة الإرهاب، وحاولتا بكل السبل تلبيس قطر تهمة دعم وتمويل الإرهاب، ولكنهما فشلتا لأن المجتمع الدولي يعرف بدقة هذا الملف ومسؤولية كل طرف فيه، وخصوصاً الإمارات والسعودية كطرفين أساسيين في أحداث 11 سبتمبر.

لا شك أن أكثر ما أزعج دول الحصار هو رباطة جأش قطر، وتعاملها مع هذا الهجوم متعدد الأطراف ضدها ببرود شديد، واستطاعت الدوحة، بسرعة، امتصاص الموجات الأولى، وهذا جعل دول الحصار تفكر في تجريب سلاح الاستفزاز العسكري في الشهر الأخير من السنة الماضية وفي بداية هذا الشهر، عندما بدأ طيران أبوظبي الحربي القيام بعمليات اختراق محدودة للأجواء القطرية لا تتجاوز الدقائق، والهدف، على ما يبدو، استدراج قطر إلى اشتباك عسكري، يكون مدخلاً لإعلان حرب ضدها.

تعاملت قطر مع الحادثين بحكمة أيضاً، وردت بالطرق الدبلوماسية من خلال تقديم شكوى إلى مجلس الأمن موثقة بالأدلة، الأمر الذي دفع أبوظبي للذهاب بالتصعيد نحو مستوى آخر من خلال اتهام سلاح الجو القطري باعتراض طائرتين إماراتيتين مدنيتين كانتا في طريقهما إلى البحرين، وهو ما نفته قطر والقاعدة العسكرية الأميركية في العديد التي ترصد حركة الطيران من باكستان إلى المغرب، وحسب "فايننشال تايمز" فإن شركات مثل "الاتحاد" التي تتبع أبوظبي و"العربية" (الشارقة) و"فلاي دبي" نفت هي الأخرى تعرضها لأي اعتراض من قبل مقاتلات قطرية. والجدير بالملاحظة هنا أن طيران الإمارات والسعودية والبحرين ومصر المدني، لا يزال يعبر الأجواء القطرية، ولم تعامله الدوحة بالمثل بعد أن منعت دول الحصار طيران قطر من عبور أجوائها منذ الأسبوع الأول للأزمة.

يتأكد مرة أخرى أن أبوظبي ماضية في توتير الأجواء والتصعيد، وها هي تلوح بتفجير الموقف ونقل الأزمة إلى مستوى خطير، رغم أن المجتمع الدولي، حذر بصراحة من الذهاب في هذا المنحى. 


المساهمون