11 نوفمبر 2024
دولة كردية بكفالة خارجية
يبدو أن الحلم الكردي العتيق بالانفصال عن الدولة العراقية صار في عيون رئيس إقليم كردستان، مسعود البرزاني، أقرب إلى الواقع من أي وقت مضى. فللمرة الرابعة في غضون أشهر، يجدّد مطلبه بإعلان انفصال الإقليم وإعلان دولة كردية. وبعد أن كان الأكراد يلمحون إلى فكرة الدولة من بعيد، أو في الغرف المغلقة، وجد البرزاني في المستجدّات المتلاحقة على المنطقة ما يغري بإعلان التمسك بالدولة الكردية وتأكيده، من دون حرج أو خشية من ردود الفعل أياً كان مصدرها. وفي هذا بحد ذاته إشارة إلى تغيرات جوهرية طرأت على معطيات الملف الكردي، خصوصاً في نطاق البيئة الإقليمية والدولية.
إما أن البرزاني أراد إحراج الأوروبيين والأطراف الدولية المعنية، أو أن تلك الأطراف لم تعد تمانع في انكشاف تأييدها دولة كردية، فقد أعلن رئيس إقليم كردستان أنه لا توجد معارضة من أية دولة أوروبية لاستقلال كردستان. وذكر في زيارته باريس أن الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، "أبدى دعمه مشروع الاستقلال". لهذه الثقة التي تحدّث بها البرزاني بشأن الموقف الفرنسي، والأوروبي بشكل عام، مبرراتها عنده. مبررات أوسع من أوروبية جغرافياً، وأعمق من إبداء الموافقة سياسياً، فالموقف الأوروبي وحده لا يمكنه تمرير مشروع دولة كردية، ولكن عندما يتحدّث الأكراد عن تأييد دولي، فلا بد أن ثمة ضوءاً أخضر أميركياً. ولهذا مؤشرات متواترة من واشنطن، فلدى كل من جو بايدن، نائب الرئيس، وويليام كيسي، مدير المخابرات المركزية سابقاً، وغيرهما، يمثل تقسيم العراق إلى ثلاثة أقاليم الخيار الأمثل لمستقبل هذا البلد. ومع ظهور "داعش" صارت مواجهته باباً واسعاً لكي تقبل واشنطن أو تمرّر سيناريوات مطروحة منذ عقود، منها فكرة الدولة الكردية المستقلة. وممن أكّدوا الارتباط بين ظهور داعش والخارطة الجديدة للعراق والمنطقة، سفير واشنطن لدى بغداد من 2005 إلى 2007، زلماي خليل زادة، والذي اعتبر أن الدولة غير المركزية هي الصيغة الأفضل للعراق، وإلا فالبديل حرب مذهبية بين السنة والشيعة، وعندها على واشنطن التعامل مع دولة كردية مستقلة.
إذن، لم يكن الرجل واهماً، عندما أكّد، قبل أيام، أنه واثق من نجاح تحركّه نحو تأسيس دولة، وإلا لما جازف. وهو هنا يقصد البيئة الخارجية ومواقف القوى الكبرى، التي لم تكن في الماضي تقبل إعلان دولة كردية.
على غير المتوقع، يبدو الداخل الكردي أقل جهوزية للمضي في مشروع الدولة، فردود الفعل على دعوات البرزاني، المتكرّرة منذ بداية العام الجاري، جاءت أقل من المتوقع، وتأثرت بالتباينات الحاصلة بين القوى السياسية وخلافاتها البينية من جهة، ومع سلطة الإقليم من جهة ثانية. ويبدو أن البرزاني يعوًل كثيراً على الخارج، ولا تمثل الاعتراضات الداخلية أهمية أو عقبة حقيقية في نظره، إلى حد تجاهل اعتراضات بعض الأحزاب الكردية على الانفصال، على الرغم من أن لبعض أسباب الاعتراض وجاهتها، خصوصاً في ما يتعلق بالوضع الاقتصادي والحاجة إلى استقرار سياسي داخلي.
تثير هذه المفارقة بين تحول موقف الخارج نحو قبول دولة كردية، وغياب الإجماع الداخلي بشأنها، التساؤل حول طبيعة الدولة الجديدة المحتملة وتوجهاتها، بل ومقومات نشوئها ثم استمرارها. فالاعتماد بشكل جوهري على الخارج، وتجاوز اختلافات الداخل من دون العمل على تجسيرها أولاً، من شأنه ربط تلك الدولة (وتحديداً سلطة الحكم فيها) بالقوى الخارجية التي وقفت وراءها. وبدلاً من تقديم نموذج مختلف للدولة والحكم عن السائد في المنطقة، يبدو أن دولةً جديدةً لا تزال محتملة؛ ستنضم، حتى قبل تأسيسها، إلى طابور دول وحكومات تدين ببقائها إلى الخارج.
إما أن البرزاني أراد إحراج الأوروبيين والأطراف الدولية المعنية، أو أن تلك الأطراف لم تعد تمانع في انكشاف تأييدها دولة كردية، فقد أعلن رئيس إقليم كردستان أنه لا توجد معارضة من أية دولة أوروبية لاستقلال كردستان. وذكر في زيارته باريس أن الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، "أبدى دعمه مشروع الاستقلال". لهذه الثقة التي تحدّث بها البرزاني بشأن الموقف الفرنسي، والأوروبي بشكل عام، مبرراتها عنده. مبررات أوسع من أوروبية جغرافياً، وأعمق من إبداء الموافقة سياسياً، فالموقف الأوروبي وحده لا يمكنه تمرير مشروع دولة كردية، ولكن عندما يتحدّث الأكراد عن تأييد دولي، فلا بد أن ثمة ضوءاً أخضر أميركياً. ولهذا مؤشرات متواترة من واشنطن، فلدى كل من جو بايدن، نائب الرئيس، وويليام كيسي، مدير المخابرات المركزية سابقاً، وغيرهما، يمثل تقسيم العراق إلى ثلاثة أقاليم الخيار الأمثل لمستقبل هذا البلد. ومع ظهور "داعش" صارت مواجهته باباً واسعاً لكي تقبل واشنطن أو تمرّر سيناريوات مطروحة منذ عقود، منها فكرة الدولة الكردية المستقلة. وممن أكّدوا الارتباط بين ظهور داعش والخارطة الجديدة للعراق والمنطقة، سفير واشنطن لدى بغداد من 2005 إلى 2007، زلماي خليل زادة، والذي اعتبر أن الدولة غير المركزية هي الصيغة الأفضل للعراق، وإلا فالبديل حرب مذهبية بين السنة والشيعة، وعندها على واشنطن التعامل مع دولة كردية مستقلة.
إذن، لم يكن الرجل واهماً، عندما أكّد، قبل أيام، أنه واثق من نجاح تحركّه نحو تأسيس دولة، وإلا لما جازف. وهو هنا يقصد البيئة الخارجية ومواقف القوى الكبرى، التي لم تكن في الماضي تقبل إعلان دولة كردية.
على غير المتوقع، يبدو الداخل الكردي أقل جهوزية للمضي في مشروع الدولة، فردود الفعل على دعوات البرزاني، المتكرّرة منذ بداية العام الجاري، جاءت أقل من المتوقع، وتأثرت بالتباينات الحاصلة بين القوى السياسية وخلافاتها البينية من جهة، ومع سلطة الإقليم من جهة ثانية. ويبدو أن البرزاني يعوًل كثيراً على الخارج، ولا تمثل الاعتراضات الداخلية أهمية أو عقبة حقيقية في نظره، إلى حد تجاهل اعتراضات بعض الأحزاب الكردية على الانفصال، على الرغم من أن لبعض أسباب الاعتراض وجاهتها، خصوصاً في ما يتعلق بالوضع الاقتصادي والحاجة إلى استقرار سياسي داخلي.
تثير هذه المفارقة بين تحول موقف الخارج نحو قبول دولة كردية، وغياب الإجماع الداخلي بشأنها، التساؤل حول طبيعة الدولة الجديدة المحتملة وتوجهاتها، بل ومقومات نشوئها ثم استمرارها. فالاعتماد بشكل جوهري على الخارج، وتجاوز اختلافات الداخل من دون العمل على تجسيرها أولاً، من شأنه ربط تلك الدولة (وتحديداً سلطة الحكم فيها) بالقوى الخارجية التي وقفت وراءها. وبدلاً من تقديم نموذج مختلف للدولة والحكم عن السائد في المنطقة، يبدو أن دولةً جديدةً لا تزال محتملة؛ ستنضم، حتى قبل تأسيسها، إلى طابور دول وحكومات تدين ببقائها إلى الخارج.