06 نوفمبر 2024
دورنا في تحولات النظام الدولي الخامس
تعيش الأكاديميا الغربية ودوائر السياسة أيضاً، خصوصاً في أوروبا، حالة من القلق والتوجس، مردّها أن العالم يمر اليوم بأوضاع شبيهةٍ بالتي سادت في ثلاثينات القرن الماضي، وهو من ثم قد يكون متجهاً نحو أزمة كبرى، تعصف بنظامه الدولي وتعيد تشكيله. فقبل أكثر من ثمانية عقود، شهد العالم صعود قوى غير ديمقراطية، في أوروبا (الفاشية والنازية) وشرق آسيا (العسكرتاريا اليابانية)، وساد عدم الاستقرار في أجزاء كبيرة من القارّتين الأوروبية والآسيوية، وتحولت الحرب الأهلية الإسبانية إلى أزمة دولية كبرى، استخدمتها القوى الأوروبية المتنافسة ساحة لعرض أفضل ما طوّرته من أسلحة في حرب وكالةٍ، انتهت بتثبيت أركان نظام سلطوي دموي (فرانكو).
في الوقت نفسه، كانت الديمقراطيات الغربية تعيش حالة من الشلل التام، الناجم عن رغبتها في تفادي المواجهة، والتصدّي للأيديولوجيات الفاشية المتنامية. وقد ترافق ذلك مع صعود النزعات الاقتصادية القومية والسياسات الحمائية بين ظهراني هذه الدول التي كانت تعاني أوضاعاً اقتصادية صعبة (خصوصاً الولايات المتحدة)، إثر انهيار "وول ستريت" واندلاع الأزمة المالية العالمية الكبرى عام 1929، والتي أدت إلى تقويض حرية التجارة الدولية، وتقليص فرص التعاون بين الديمقراطيات الغربية لمواجهة صعود القوى الفاشية.
ومع تزايد الشكوك الشعبية من وجود مؤامرةٍ تقودها "الاستبلشمت" التي تمثل مصالح نخب الساحلين الشرقي والغربي للولايات المتحدة، لدفع البلاد نحو التورّط في شؤون العالم وصراعاته، خدمةً لمصالحها الاقتصادية والسياسية، تنامت النزعات الشعبوية والانعزالية لدى الناخب الأميركي، وازداد رفضه أي محاولة لجر البلاد إلى لعب دور قيادي في الدفاع عن النظام الدولي الذي ظهر في مؤتمر فرساي، بعد الحرب العالمية الأولى.
تشبه هذه الصورة كثيراً، بحسب هؤلاء، ما يجري في العالم اليوم، فالمد الديمقراطي في أضعف حالاته منذ نهاية الحرب الباردة، ودول ديمقراطية عديدة، بما فيها الأكثر عراقة، تعيش حالة أزمة، تبدو معها هشّة، ضعيفة، ومنقسمة على ذاتها، حيث تتنامى في دواخلها النزعات اليمينية والشعبوية. أما الحرب الأهلية التي تقوم مقام الحرب الإسبانية، فتجري هذه المرة في سورية التي تحولت إلى ساحة تنافس دولي وإقليمي. ويجري ذلك كله فيما تتنامى الشكوك حول رغبة أميركا وقدرتها على القيام بدورها في الحفاظ على استقرار النظام الدولي، وردع الدول التي تحكمها قوى استبدادية من محاولات تغييره. الأسوأ هذه المرة أن السلطة في الولايات المتحدة تتركز بيد رئيس شعبوي، لديه هو نفسه ميول استبدادية، وتعاطفٌ مع القوى السلطوية في العالم، في الوقت الذي يعيش فيه المجتمع الأميركي حالة تمزّق وانقسام غير مسبوقة.
هل يوحي هذا أننا أمام حالة انهيار للنظام الدولي القائم تشبه ما حصل في نهاية عقد الثلاثينات من القرن الماضي؟ ربما، أو هذا ما يوحي به أصحاب هذه النظرية، في ضوء الضغوط الشديدة التي تمارسها الأنظمة غير الديمقراطية، لتغيير طبيعة النظام الدولي الذي أنشأته القوى الغربية المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، وتعديل موازين القوى التي مازالت تميل إلى غير صالحها، مع استمرار هيمنة مؤسسات النظام الدولي الغربية المالية والاقتصادية (مؤسسات بروتن وودز) والعسكرية (حلف الناتو).
خلال القرنيين الماضيين، تغير النظام الدولي كلياً في أربع مناسبات رئيسية. جاءت الأولى مع انتهاء الحروب النابليونية بهزيمة واترلو الشهيرة، وظهور ما أصبح يُعرف في الأدبيات السياسية الغربية بالكونسرت (التوافق) الأوروبي. كانت المرة الثانية بعد الحرب العالمية الأولى وصلح فرساي وظهور عصبة الأمم. والمرة الثالثة بعد الحرب العالمية الثانية، حيث اختفى كلياً نظام التعدّدية القطبية، وحل محله نظام ثنائي القطبية. وكانت المرة الأخيرة بعد نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفييتي، حيث سادت الأحادية القطبية ممثلةً بهيمنة القوة الأميركية. هذه المرحلة في طريقها إلى الأفول، بحسب المفكر والسياسي الأميركي المعروف، ريتشارد هاس. هل للعرب دور في التحول الجاري في النظام الدولي في طريقه إلى المرحلة الخامسة؟ نعم بالتأكيد، ودور كبير أيضاً، فقد انتزعت سورية من إسبانيا شرف التحول إلى الساحة التي تجري فيها التفاعلات والصراعات المؤدية إلى التغييرات العالمية الكبرى المرتقبة!
في الوقت نفسه، كانت الديمقراطيات الغربية تعيش حالة من الشلل التام، الناجم عن رغبتها في تفادي المواجهة، والتصدّي للأيديولوجيات الفاشية المتنامية. وقد ترافق ذلك مع صعود النزعات الاقتصادية القومية والسياسات الحمائية بين ظهراني هذه الدول التي كانت تعاني أوضاعاً اقتصادية صعبة (خصوصاً الولايات المتحدة)، إثر انهيار "وول ستريت" واندلاع الأزمة المالية العالمية الكبرى عام 1929، والتي أدت إلى تقويض حرية التجارة الدولية، وتقليص فرص التعاون بين الديمقراطيات الغربية لمواجهة صعود القوى الفاشية.
ومع تزايد الشكوك الشعبية من وجود مؤامرةٍ تقودها "الاستبلشمت" التي تمثل مصالح نخب الساحلين الشرقي والغربي للولايات المتحدة، لدفع البلاد نحو التورّط في شؤون العالم وصراعاته، خدمةً لمصالحها الاقتصادية والسياسية، تنامت النزعات الشعبوية والانعزالية لدى الناخب الأميركي، وازداد رفضه أي محاولة لجر البلاد إلى لعب دور قيادي في الدفاع عن النظام الدولي الذي ظهر في مؤتمر فرساي، بعد الحرب العالمية الأولى.
تشبه هذه الصورة كثيراً، بحسب هؤلاء، ما يجري في العالم اليوم، فالمد الديمقراطي في أضعف حالاته منذ نهاية الحرب الباردة، ودول ديمقراطية عديدة، بما فيها الأكثر عراقة، تعيش حالة أزمة، تبدو معها هشّة، ضعيفة، ومنقسمة على ذاتها، حيث تتنامى في دواخلها النزعات اليمينية والشعبوية. أما الحرب الأهلية التي تقوم مقام الحرب الإسبانية، فتجري هذه المرة في سورية التي تحولت إلى ساحة تنافس دولي وإقليمي. ويجري ذلك كله فيما تتنامى الشكوك حول رغبة أميركا وقدرتها على القيام بدورها في الحفاظ على استقرار النظام الدولي، وردع الدول التي تحكمها قوى استبدادية من محاولات تغييره. الأسوأ هذه المرة أن السلطة في الولايات المتحدة تتركز بيد رئيس شعبوي، لديه هو نفسه ميول استبدادية، وتعاطفٌ مع القوى السلطوية في العالم، في الوقت الذي يعيش فيه المجتمع الأميركي حالة تمزّق وانقسام غير مسبوقة.
هل يوحي هذا أننا أمام حالة انهيار للنظام الدولي القائم تشبه ما حصل في نهاية عقد الثلاثينات من القرن الماضي؟ ربما، أو هذا ما يوحي به أصحاب هذه النظرية، في ضوء الضغوط الشديدة التي تمارسها الأنظمة غير الديمقراطية، لتغيير طبيعة النظام الدولي الذي أنشأته القوى الغربية المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، وتعديل موازين القوى التي مازالت تميل إلى غير صالحها، مع استمرار هيمنة مؤسسات النظام الدولي الغربية المالية والاقتصادية (مؤسسات بروتن وودز) والعسكرية (حلف الناتو).
خلال القرنيين الماضيين، تغير النظام الدولي كلياً في أربع مناسبات رئيسية. جاءت الأولى مع انتهاء الحروب النابليونية بهزيمة واترلو الشهيرة، وظهور ما أصبح يُعرف في الأدبيات السياسية الغربية بالكونسرت (التوافق) الأوروبي. كانت المرة الثانية بعد الحرب العالمية الأولى وصلح فرساي وظهور عصبة الأمم. والمرة الثالثة بعد الحرب العالمية الثانية، حيث اختفى كلياً نظام التعدّدية القطبية، وحل محله نظام ثنائي القطبية. وكانت المرة الأخيرة بعد نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفييتي، حيث سادت الأحادية القطبية ممثلةً بهيمنة القوة الأميركية. هذه المرحلة في طريقها إلى الأفول، بحسب المفكر والسياسي الأميركي المعروف، ريتشارد هاس. هل للعرب دور في التحول الجاري في النظام الدولي في طريقه إلى المرحلة الخامسة؟ نعم بالتأكيد، ودور كبير أيضاً، فقد انتزعت سورية من إسبانيا شرف التحول إلى الساحة التي تجري فيها التفاعلات والصراعات المؤدية إلى التغييرات العالمية الكبرى المرتقبة!