دوران في حلقة مفرغة

01 فبراير 2017
هناك حرب مستعرة (أشرف شاذلي/ فرانس برس)
+ الخط -
انفرط عقد الدولة في السودان وانفصل جنوبه عنه، وهناك حرب مستعرة في العديد من المناطق من جرّاء انفجار الخلافات ذات الجذور الاجتماعيّة والقبليّة والثقافيّة. وفي دول عربيّة عدّة، تنزع أقليّات نحو بناء ما يشبه كيانات خاصّة، أو تعمل لتأبيد سيطرتها على الحكم وبطريقة عسكرية ميليشياوية سافرة. في حال نزع الغطاء الإيديولوجي السائد الآن، نتقدّم خطوة إلى الأمام في التعرّف على طابع العنف المركّب الذي تعيشه المنطقة العربيّة بعدما فشلت السلطات العربيّة في تحقيق دمج، الأمر الذي جعل المجتمعات عبارة عن قوى تتنازع على فرض هويّاتها من المنظار الديني أو الثقافي، وهو ما يؤشّر إلى فقدان الهويّة الجامعة التي تلاشت تباعاً.

يعزو البعض هذه الظاهرة إلى التنوّع، علماً أنّ لا دولة في الكرة الأرضيّة تقوم على مبدأ التجانس أو الصفاء العرقي أو الديني. ينسحب الوضع على الشرق والغرب على حدّ سواء. الولايات المتّحدة الأميركيّة من أكثر الدول التي تعرف تنوّعاً في الأعراق. الهنود الحمر هم الأقدمون، ثمّ جاء الرجل الأبيض من أوروبا وجلب الأفارقة مع سفن النخاسة، ليتكون مجتمعان لا يلتقيان. أحدهما يحمل صفة السيّد والثاني صفة الرقيق الذي يتعرّض للتمييز بكلّ أشكاله.

ومع الطفرة الاقتصاديّة، قصدها الإسبانيّون والإيطاليّون واليونانيّون والعرب والمتحدّرون من أصول هنديّة من أبناء أميركا الوسطى والجنوبيّة. كلّ هذا جعل المجتمع الأميركي نموذجيّاً لناحية تعدّد الأعراق والعقائد. مع ذلك، انفجرت منطقة الشرق الأوسط دون سواها، من جرّاء عدم الاعتراف بأقلياتها. مثلاً، ثمّة 25 مليون كردي تقريباً يتوزّعون على العراق وسورية وتركيا وإيران، وثمّة أقباط في مصر يتجاوز عددهم 12 مليوناً. البربر في المغرب العربي (ليبيا وتونس والجزائر والمغرب) الذين يطالبون باللّغة الأمازيغيّة، يصل عددهم إلى أكثر من عشرين مليون نسمة بحسب بعض الإحصاءات.

خلال فترات النهوض، تراجعت إلى حدّ ما حمّى الأقليات، لكنّ فشل الدول القومية والوطنية منذ أواسط الستينيّات (هزيمة المشروع العربي في عام 1967) انسحب فشلاً في مختلف المجالات، الأمر الذي أعاد بعث مشكلات هذه الجماعات سياسياً واجتماعياً ولغوياً ودينياً وثقافياً. والحقيقة أنّ السلطات العربية لم تجترح الحلول الملائمة لها، بل على العكس، عملت على وضع هذه الجماعات في قفص الاتّهام بالتآمر على القضيّتين الوطنية والقومية والتعامل مع القوى الاستعمارية. أكثر من ذلك، عمدت الدول إلى قهر هذه الجماعات بأشكال تراوحت بين فرض الاندماج القسري ورفض الاعتراف بها وبأهلية أبنائها لإشغال وظائف رئيسية في المؤسسات والأجهزة السياسية التشريعية والتنفيذية والقضائية.

(أستاذ جامعي)

دلالات
المساهمون