دمشق في زمن كورونا: المصائب لا تأتي فرادى

26 ابريل 2020
حركة خفيفة في شوارع دمشق (لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -
لم يكن ينقص أهالي العاصمة السورية دمشق سوى وباء كورونا حتى يزيد الضغوط عليهم، أكان من قبل العناصر الأمنية التابعة للنظام التي تستغل هذه الأزمة لابتزاز الناس وفرض المزيد من الإتاوات عليهم، أم عبر توقف الأعمال وما يترتب على ذلك من تداعيات على الأهالي ولا سيما العمال المياومين. الصورة في أحياء دمشق القديمة لم تعد كما كانت، فلا حياة حتى في أسواقها الشعبية المعروفة، والتي كانت تضج بالحياة، فسوق الحميدية قرب الجامع الأموي خالٍ من المارة وحتى الباعة، بعد أن أغلقت محاله كلها، وهذا يندرج على أسواق الحريقة والحمر والصالحية وسط العاصمة التاريخية. وبعد اتخاذ سلطات النظام إجراءات في مواجهة تفشي وباء كورونا، باتت الحركة التجارية في العاصمة تقتصر على بعض محال المواد الغذائية التي يقصدها الناس لتلبية حاجاتهم بتردد وضمن الحدود الدنيا، في ظل الارتفاع الجنوني للأسعار، والذي تضاعف عما كان عليه قبل أزمة كورونا، علاوة عن الارتفاع الهائل قبل ذلك.

توقُف وسائل النقل الداخلي في دمشق، أو وسائل النقل العامة من المدينة وإليها، غيّبَ مشهد الازدحام المروري المعتاد في الشوارع الرئيسية، إذ تقتصر الحركة في النهار على بعض المارة الذين يحاولون تأمين احتياجاتهم على وجه السرعة، معتمدين على السير رغم بُعد المسافات، فيما لجأ البعض إلى الدراجات الهوائية التي باتت تظهر بوضوح داخل دمشق، في محاولة لتقليص الوقت المفترض استهلاكه مشياً على الأقدام في التنقل بين منطقة وأخرى، بعد قرار وقف وسائل النقل الداخلي.

وغالباً ما تقتصر حركة الدمشقيين أو القاطنين في الأحياء المحيطة بالعاصمة، على أحيائهم وحسب. وفي هذه الأحياء، يبدو المشهد مأساوياً، أمام معتمدي توزيع مادة الخبز بعد قرار إغلاق الأفران، وتحديد آلية جديدة من قبل حكومة النظام لتوزيع الخبز من خلال المعتمدين بكميات محدودة وعبر بطاقة "ذكية". إلا أن المشهد أمام محال وأكشاك المعتمدين يُظهر أن هذا القرار تسبّب بازدحام قد يُضاعف من انتشار الوباء عوضاً عن مكافحته، كذلك يبدو الحال أمام فروع "المؤسسة السورية للتجارة"، المسؤولة عن توزيع بعض المواد التموينية والغذائية للمواطنين، ضمن حصص ضئيلة وآلية معقدة ومذلّة.
بعد الساعة السادسة مساءً، وهو الموعد الرسمي لتطبيق حظر التجول حتى الساعة السادسة صباحاً، يتعرض المخالفون للحظر للتوقيف من قبل دوريات الشرطة ومن ثم العرض على القضاء ليواجهوا عقوبة بالسجن تتراوح بين ستة أشهر وثلاث سنوات، مع غرامة مالية تتراوح بين 50 و500 ألف ليرة سورية (لليرة السورية اليوم سعران، رسمي بنحو 440 مقابل الدولار، وسعر في السوق يقارب 1300). ويواجه الموقوفون تعاملاً أمنياً قمعياً، كما المعتاد داخل أقسام الشرطة والأفرع الأمنية في سورية عموماً، وسط أنباء عن لجوء عناصر الدوريات لقبض رشى مالية، مقابل عدم تحويل المخالفين إلى التوقيف من ثم إلى القضاء. يشار إلى أن عمل القضاء والمحاكم معلقٌ في الفترة الحالية لأجل غير مسمى، ما يجعل الموقوفين رهن الابتزاز أو التعامل التعسفي داخل مراكز الاحتجاز والتوقيف.

وبالنسبة للمداخل المحيطة بالعاصمة فلم يختلف المشهد كثيراً لجهة انتشار الحواجز الأمنية وتلك التابعة للجيش أو المليشيات، إلا أن تلك الحواجز وجدت بقرار وقف التنقل بين المحافظات فرصة لفرض إتاوات جديدة على السيارات المحمّلة بالبضائع والخضار المتوجّهة للعاصمة بـ25 ألف ليرة على كل سيارة، فيما تبلغ قيمة الرشاوى لعبور الأشخاص من وإلى دمشق أقل من ذلك، بحسب تسعيرة كل حاجز.

ومع تفشي كورونا، تفاقمت الأزمة المعيشية في دمشق، لا سيما بالنسبة للعمال المياومين الذين توقفت أعمالهم بسبب إغلاق الورش والمحال التجارية والأسواق، ورغم أن المداخيل المادية كانت بسيطة ولا تلبي بالشكل الكافي الحاجة، مع تدني سعر صرف الليرة مقابل الدولار في أوقات سابقة، إلا أن الأزمة الأخيرة زادت من معاناة الناس مع تقدّم أيامها بشكل متصاعد. ويتعرض أهالي دمشق لاستغلال جراء الإجراءات التي فرضتها السلطات، مع إغماض النظام عينه عن كل الممارسات التي أثقلت كاهل سكان دمشق بشكل خاص، وسكان المناطق المسيطر عليها من قبل النظام عموماً، ليصبح السوريون في مناطق النظام عالقين بين تداعيات الأزمة الحالية، والاستغلال والقمع الممنهج من قبل النظام.
المساهمون