قبل تولي الحكومة التونسية الجديدة برئاسة الحبيب الجملي، مهامها الشهر المقبل، أطلق برلمانيون دعوات من أجل التحقيق في أوجه صرف القروض الكبيرة التي حصلت عليها الحكومات المتعاقبة بعد اندلاع الثورة عام 2011.
ونشطت نقابات وأحزاب ممثلة في البرلمان، خلال الفترة الأخيرة، من أجل استصدار قرار يسمح بإجراء تدقيق شامل في القروض التي حصلت عليها الدولة في السنوات الثماني الماضية للتثبت من سلامة صرف هذه القروض التي رفعت الدين الخارجي للبلاد إلى أكثر من 75 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي.
وقال عضو البرلمان هشام العجبوني، لـ"العربي الجديد" أن برلمانيين يدعمون فكرة التدقيق الشامل في التصرف في القروض، مشيراً إلى أن هذا التدقيق سيمكن كل طرف من تحمّل مسؤولياته، كما يضفي الشفافية اللازمة على العمل الحكومي.
وأضاف العجبوني أن هناك اتفاقاً بين العديد من البرلمانيين على ضرورة إجراء تحقيق شامل في المالية العمومية والقروض ولا سيما منها التي كانت موجهة لإنجاز مشاريع تنمية عمومية.
وبيّن العجبوني أن العديد من الأرقام وردت مبهمة في قانون المالية التكميلي الذي صادق عليه البرلمان مؤخراً، لافتاً إلى أن المصادقة تمت تحت ضغط اعتبارات اجتماعية تتعلّق أساساً بصرف أجور الموظفين، وفق قوله.
ويتفق برلمانيون مع الاتحاد العام التونسي للشغل في طلب جرد مفصّل للدين الخارجي للبلاد وكشف مآل مختلف القروض والاتفاقيات المالية التي وقعت عليها تونس منذ عام 2011، بعد تلميح الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي إلى سوء تصرف حكومي في القروض والهبات التي مُنحت لتونس بغاية مساعدة اقتصادها على استعادة عافيته.
وقال الاتحاد العام التونسي للشغل إنه سيتقدم بطلب للنفاذ إلى المعلومة حول مآل صرف القروض التي تحصلت عليها تونس بعد الثورة.
وأكّد الأمين العام المساعد للاتحاد، بوعلي المباركي، في تصريح، مؤخراً، لوكالة الأنباء الرسمية "وات" أن منظمته تستعد لتقديم طلب رسمي لهيئة النفاذ للمعلومة من أجل الحصول على الوثائق اللازمة التي تقيّم الشفافية في كيفية تصرف السلطات الحاكمة في القروض التي منحتها مؤسسات القرض الأجنبية لتونس.
كما شكك عدد من أعضاء البرلمان التونسي في صحة وشفافية الأرقام التي ضمنتها الحكومة في مشروع قانون المالية لسنة 2019، حيث اعتبر عدد من النواب أن هناك تلاعباً بالأرقام التي قدمتها حكومة يوسف الشاهد، بالإضافة إلى ضبابية على مستوى الالتزامات المالية للدولة التي لم يقع الإيفاء بها في آجالها المحددة.
وطالب عدد من أعضاء اللجنة البرلمانية المؤقتة للمالية بإجراء تدقيق مالي معمق وشامل لكل القروض والهبات المالية التي تحصلت عليها تونس خلال السنوات لسابقة، بالإضافة إلى حصر دقيق للديون بذمة الدولة والتي يستوجب عليها تسديدها.
واعتبر ممثل البنك الدولي بتونس، توني فارهايجن، في تصريح لموقع "بيزنس نيوز" الثلاثاء الماضي، أنّ البنك منح تونس 15 مليار دينار (حوالي 5 مليارات دولار) منذ 2011، مشيرًا الى أن علاقة البنك بتونس غير عادية باعتبار أن حجم التمويلات التي وضعها البنك لفائدة تونس على امتداد السنوات الثماني الماضية فاق ما يسند عادة الى بلد في حجمها من الناحية الاقتصادية.
وأضاف فارهايجن أنّ الحكومة التونسية عاجزة عن إنجاز المشاريع الممولة من البنك الدولي رغم توافر الأموال، لافتًا إلى أن الموازنات المخصصة لمساندة إصلاح المؤسسات العمومية لم تحقق النجاح المأمول وأنّ الوضعية الحالية أقرب إلى "وضعية فشل تقريبًا"، بحسب تعبيره.
وفي شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي قال سفير الاتحاد الأوروبي بتونس، باتريس برغاميني، إن مساعدات بلدان الاتحاد الأوروبي لتونس منذ الثورة بلغت أكثر من 10 مليارات يورو، مضيفاً أن هذا المبلغ كبير جداً، وأن تونس هي الاستثناء الوحيد في العالم التي تحصلت على مثل هذا المبلغ.
وقال الخبير المالي، وليد بن صالح، إن التدقيق في حسابات الدولة يجرى حالياً من قبل محكمة المحاسبات عند إعداد تقارير ختم الموازنات، مشيراً إلى أن المحكمة (هيئة رقابة مالية حكومية عليا) لا تذكر في تقريرها تفاصيل صرف القروض التي تحصل عليها الدولة.
وأضاف بن صالح في تصريح لـ"العربي الجديد" أن البنك المركزي أوقف منذ عام 2012 نشرة كان يصدرها تتضمن كل المعطيات حول الدين العام للبلاد، مشيراً إلى أن عملية التدقيق يمكن أن توكل إلى هيئة مستقلة على غرار ما هو معمول به في عدة بلدان أخرى.
وأفاد أنه من حق التونسيين والبرلمان المطالبة بالتدقيق اللازم، لافتاً إلى أن صندوق النقد الدولي دعا الحكومة التونسية في تقرير له عام 2017 إلى إصدار تقارير قبلية وبعدية في طرق التصرف في الموازنات وإجراء تدقيق سنوي شامل في نفقات الدولة.
وحسب تقارير رسمية، ستكون جملة هذه الديون في 2020 نحو 94 مليار دينار أي نحو 32 مليار دولار، أي ما يعادل 75.1 بالمائة من الناتج المحلي الاجمالي، مقابل 86 مليار دينار في 2019 ، أي نحو 30 مليار دولار.