يبدو أن الدستور التونسي لن يكمل عامه الثالث قبل أن يتم تعديله، فبعض الأحزاب التي شاركت في تأسيسه ووضعه وتلك التي أمسكت زمام الحكم إثر استحقاقي الانتخابات التشريعية والرئاسية في الفترة الأخيرة، زادت من انتقادها للنص الدستوري، وكان آخرها على لسان رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي في حوار له مع إذاعات محلية، أعلن فيه أنه لا يرى مانعاً من تعديل الدستور بهدف اعتماد شكل جديد لنظام الحكم في البلاد وأنه لن يكون ضد أي مبادرة في هذا الاتجاه، معتبراً أن أغلبية الشعب التونسي مع النظام الرئاسي، وأن الوضع العام في البلاد يمكن أن يتحسن مع تعديل الدستور واعتماد نظام سياسي جديد. وانطلقت بعض الأحزاب في إعداد العدة لتقوية السلطة التنفيذية وسحب البساط من البرلمان، صاحب السلطة وفق الدستور الحالي.
وكانت تونس شهدت نقاشات معمّقة واستشارات تخللها جدال وصل إلى حد العراك في لجنة النظام السياسي في المجلس الوطني التأسيسي، الذي سنّ دستور البلاد حول طبيعة النظام السياسي، دفعت خلاله حركة "النهضة" وجناحا الترويكا (المؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات) لاعتماد النظام البرلماني المعدّل، الذي منح البرلمان صلاحيات التشريع والرقابة ومنح الثقة للحكومة وسحبها منها والرقابة على عملها، وأسند لرئاسة الحكومة أغلب الصلاحيات التنفيذية، في حين بقي رئيس الجمهورية ذو صلاحيات محدودة في مجالي الدفاع والسياسة الخارجية.
ولم يمض إلا عام وبضعة أشهر على تولي السبسي رئاسة الجمهورية، ونيل حزب "نداء تونس" الأغلبية البرلمانية حينها، حتى بدأت تبرز انتقادات للنظام السياسي الحالي، وأخذت في مجملها منحى سلبياً ينتقد تهميش مؤسسة رئاسة الجمهورية وتقوية البرلمان على حسابها. وعلى الرغم من أن النظام الرئاسي في تونس كان محل رفض من التونسيين إبان الثورة لارتباطه في مخيّلتهم بالاستبداد والقمع والانفراد بالسلطة، إلا أن الأصوات أخذت في التصاعد لإعادته ودرء المخاوف من الاستبداد من دون تقديم ضمانات لذلك.
يقول النائب الأول لرئيس البرلمان التونسي ونائب رئيس حركة "النهضة" عبد الفتاح مورو، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه يجهل السبب الذي قد يدفع البعض للدعوة لتعديل الدستور، مشدداً على أن النص الدستوري ليس من العيب تنقيحه، ولكن وجب على الداعين لذلك توضيح المحتوى الذي يُراد تنقيحه وفحوى التعديل. ويوضح مورو أن التنقيح يجب أن يضمن بقاء التوازن بين السلطات.
ويدافع مورو عن السلطة التشريعية التي يترأسها كنائب أول لرئيسها، قائلاً إن التذرّع بضعف البرلمان لتنقيح الدستور غير منطقي، خصوصاً بالنظر إلى أن البرلمان يشكو ضحالة في إمكانياته، ويعاني تراكم مشاريع القوانين، علاوة على أن الأطراف الموجودة داخله لم تعتد بعد على العمل معاً، ولذلك لا يمكن الحكم عليه وإلصاق تهمة الفشل به وتعطيل عجلة الحكم.
اقــرأ أيضاً
من جهتها، تقول النائبة عن حركة "النهضة"، يمينة الزغلامي، لـ"العربي الجديد"، إن النواب المؤسسين لم يصادروا حق الأجيال المقبلة في تنقيح الدستور، وفي حين نأوا ببعض الفصول فيه عن التعديل (الفصل الأول، مدنية الدولة والنظام الجمهوري)، لكن ما عدا ذلك يمكن تعديله، موضحة أن الحركة لم تناقش في مؤسساتها هذه المسألة وإن كانت في السابق قد دافعت عن خيار النظام البرلماني المعدل، فإنها اليوم في إطار التفاعل مع الدستور عند تطبيقه، برزت آراء من بعض قيادييها تدعو لمراجعته، لكن ذلك لن يكون قراراً نهائياً لأن التجربة قصيرة، إضافة إلى وجوب النقاش داخل الأحزاب وأخذ آراء الخبراء.
في المقابل، ترفض كتلة "الحرة" تعديل الدستور وتعتبر كل محاولة للعودة نحو النظام الرئاسي لا جدوى منها. ويقول النائب عنها ورئيس لجنة الحقوق والحريات والعلاقات الخارجية عبادة الكافي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن هناك أموراً أكثر إلحاحاً من تعديل الدستور، وإن "ما قد يبرر تعديل الدستور هو صعوبة العمل وهذا غير موجود، فالصلاحيات موزعة بوضوح بين السلطة التشريعية ورأس السلطة التنفيذية، إلا أن الأمر العاجل في البرلمان هو تنقيح نظامه الداخلي لا تنقيح الدستور"، معتبراً أن طرح الموضوع هو بحد ذاته "ترف" لا حاجة للبلاد إليه، بالإضافة إلى أن فتح باب تعديل الدستور سيشعل صراعاً كبيراً.
ويرى النائب عن كتلة "الحرة" أن كلام السبسي عن تعديل الدستور ليس من قبيل حبه السلطة بل بحثاً عن النجاعة، معتبراً أن "العودة للوراء غير ممكنة ولا يستطيع رئيس أن يحكم التونسيين كما كان يفعل الرؤساء قبل الثورة، لأن التونسيين تغيّروا والرأي العام تغيّر ولن يقبل أن يتم حكمه بالشكل الذي كان عليه سابقاً".
وفيما أثارت المسألة تململاً داخل البرلمان التونسي، فإن المعارضة كانت الأوضح في ردها على مبادرة رئيس الجمهورية المتعلقة بتعديل الدستور. ويعرب النائب عن حزب "التيار الديمقراطي" وأمينه العام غازي الشواشي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، عن استغرابه من مطالبة الرئيس التونسي المتكررة بتعديل الدستور، مشيراً إلى أن دوره هو الحرص على وحدة التونسيين والتقريب بين أحزاب الحكم والمعارضة لا التهجّم على طيف منهم (في إشارة لتصريح السبسي بأن المعارضة تمارس الإرهاب السياسي). ويعتبر الشواشي أن الموجودين في الحكم فشلوا في إدارة شؤون البلاد، وبدل إصلاح أخطائهم أرادوا إلهاء التونسيين والساحة السياسية بتغيير النظام السياسي.
اقــرأ أيضاً
وكانت تونس شهدت نقاشات معمّقة واستشارات تخللها جدال وصل إلى حد العراك في لجنة النظام السياسي في المجلس الوطني التأسيسي، الذي سنّ دستور البلاد حول طبيعة النظام السياسي، دفعت خلاله حركة "النهضة" وجناحا الترويكا (المؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات) لاعتماد النظام البرلماني المعدّل، الذي منح البرلمان صلاحيات التشريع والرقابة ومنح الثقة للحكومة وسحبها منها والرقابة على عملها، وأسند لرئاسة الحكومة أغلب الصلاحيات التنفيذية، في حين بقي رئيس الجمهورية ذو صلاحيات محدودة في مجالي الدفاع والسياسة الخارجية.
ولم يمض إلا عام وبضعة أشهر على تولي السبسي رئاسة الجمهورية، ونيل حزب "نداء تونس" الأغلبية البرلمانية حينها، حتى بدأت تبرز انتقادات للنظام السياسي الحالي، وأخذت في مجملها منحى سلبياً ينتقد تهميش مؤسسة رئاسة الجمهورية وتقوية البرلمان على حسابها. وعلى الرغم من أن النظام الرئاسي في تونس كان محل رفض من التونسيين إبان الثورة لارتباطه في مخيّلتهم بالاستبداد والقمع والانفراد بالسلطة، إلا أن الأصوات أخذت في التصاعد لإعادته ودرء المخاوف من الاستبداد من دون تقديم ضمانات لذلك.
ويدافع مورو عن السلطة التشريعية التي يترأسها كنائب أول لرئيسها، قائلاً إن التذرّع بضعف البرلمان لتنقيح الدستور غير منطقي، خصوصاً بالنظر إلى أن البرلمان يشكو ضحالة في إمكانياته، ويعاني تراكم مشاريع القوانين، علاوة على أن الأطراف الموجودة داخله لم تعتد بعد على العمل معاً، ولذلك لا يمكن الحكم عليه وإلصاق تهمة الفشل به وتعطيل عجلة الحكم.
في المقابل، ترفض كتلة "الحرة" تعديل الدستور وتعتبر كل محاولة للعودة نحو النظام الرئاسي لا جدوى منها. ويقول النائب عنها ورئيس لجنة الحقوق والحريات والعلاقات الخارجية عبادة الكافي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن هناك أموراً أكثر إلحاحاً من تعديل الدستور، وإن "ما قد يبرر تعديل الدستور هو صعوبة العمل وهذا غير موجود، فالصلاحيات موزعة بوضوح بين السلطة التشريعية ورأس السلطة التنفيذية، إلا أن الأمر العاجل في البرلمان هو تنقيح نظامه الداخلي لا تنقيح الدستور"، معتبراً أن طرح الموضوع هو بحد ذاته "ترف" لا حاجة للبلاد إليه، بالإضافة إلى أن فتح باب تعديل الدستور سيشعل صراعاً كبيراً.
وفيما أثارت المسألة تململاً داخل البرلمان التونسي، فإن المعارضة كانت الأوضح في ردها على مبادرة رئيس الجمهورية المتعلقة بتعديل الدستور. ويعرب النائب عن حزب "التيار الديمقراطي" وأمينه العام غازي الشواشي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، عن استغرابه من مطالبة الرئيس التونسي المتكررة بتعديل الدستور، مشيراً إلى أن دوره هو الحرص على وحدة التونسيين والتقريب بين أحزاب الحكم والمعارضة لا التهجّم على طيف منهم (في إشارة لتصريح السبسي بأن المعارضة تمارس الإرهاب السياسي). ويعتبر الشواشي أن الموجودين في الحكم فشلوا في إدارة شؤون البلاد، وبدل إصلاح أخطائهم أرادوا إلهاء التونسيين والساحة السياسية بتغيير النظام السياسي.