دعاية "داعش" في العراق: استغلال الإخفاق الحكومي وانتهاكات المليشيات

11 اغسطس 2020
الحكومة لم تقدّم الشيء الكثير للمناطق المنكوبة (زيد العبيدي/فرانس برس)
+ الخط -

على الرغم من طيّ العراقيين عامهم الثالث منذ استعادة السيطرة على آخر المدن التي احتلها تنظيم "داعش"، شمال وغربي البلاد، إلا أن التنظيم الذي تحوّل إلى خلايا وجيوب متناثرة تتوزع في ست محافظات، تشكل ما مساحته نحو 50 في المائة من إجمالي مساحة العراق، وهي الأنبار ونينوى وديالى وصلاح الدين وكركوك وحزام بغداد، ما زال يضرب بين يوم وآخر، مستهدفاً مواقع عسكرية وأمنية وأخرى تابعة لفصائل "الحشد الشعبي"، أو أهدافاً مدنية، غالبيتها للعشائر المناهضة للتنظيم في تلك المناطق.
ويقول خبراء ومختصون في شؤون الجماعات الإرهابية، فضلاً عن أعضاء في البرلمان العراقي، إن التنظيم بات يركز في خطابه الموجّه للعراقيين، من أبناء تلك المناطق، على ملفات وقضايا يعتبرها حجة وذريعة لمواصلة هجماته، وكذلك في آلة التجنيد الخاصة به لكسب عناصر جدد، والتي تأثرت كثيراً وباتت في أدنى مستوياتها. وأبرز تلك القضايا ملف آلاف المختطفين والمغيبين، واستمرار احتلال مليشيات مسلحة لعدد غير قليل من البلدات والمدن، مثل جرف الصخر والعويسات ويثرب وعزيز بلد، وطرد أهلها منها، فضلاً عن الاعتقالات العشوائية وانتهاكات المليشيات، وتنصل الحكومة من وعود تعويض ضحايا الإرهاب والأخطاء العسكرية أو إعمار المدن.

الخطاب الأخير لتنظيم "داعش" يلعب من خلاله على وتر الإخفاق الحكومي في العراق

وكان آخر إصدار مرئي نشره تنظيم "داعش" في العراق بعنوان "فضرب الرقاب"، الذي امتد لتسع وأربعين دقيقة، في مايو/ أيار الماضي، أكد فيه زيادة هجماته بشكل ملحوظ، موجها سيلاً من التهديدات، فيما وجّه خطابه إلى العرب السنّة ما بين تذكيرهم بأوضاعهم الحالية المتردية من جهة، والتوعد بالقصاص من الرافضين لـ"الخلافة" وفقاً للتنظيم، من جهة أخرى.
وتحدث مسؤولان في مستشارية الأمن الوطني العراقي المرتبطة برئاسة الوزراء، لـ"العربي الجديد"، عن رصد خطاب ودعاية متصاعدة لتنظيم "داعش"، مستغلاً جملة من الأوضاع الراهنة في المدن الشمالية والغربية، من بينها الإخفاق الحكومي في إعادة النازحين إلى مدنهم المحررة وإعادة إعمارها ولو بالحد الأدنى، عدا عن ملف الانتهاكات والتسلط لفصائل مسلحة، أبرزها "حزب الله" و"النجباء" وجماعات أخرى مرتبطة بإيران، إضافة إلى أخطاء ترتكب باجتهادات غالبيتها شخصية في تلك المناطق. وأقر أحد المسؤولين الأمنيين البارزين في بغداد، بأن قضية النازحين وانتهاكات المليشيات والاعتقالات العشوائية والمدن التي تستولي عليها الفصائل المسلحة كلها أعمدة خطاب "داعش" الجديد، الموجه للسكان في تبرير عملياته والتوعد بقتل مخالفيه.
من جهته، أكد المتحدث العسكري باسم الحكومة العراقية العميد يحيى رسول، لـ"العربي الجديد"، أنه "لا يمكن إنكار تربص داعش بالعراق والعراقيين، لأن هذه العصابة لم تنته بعد". واعتبر أن "الخطاب الإعلامي لداعش ليس أكثر من أنفاس أخيرة، يسعى من خلالها إلى ترهيب العراقيين أو الحصول على أي تأييد أو تعاطف، وهذا ما لن يجده، نظراً لما حدث في حرب السنوات الماضية من دمار للبنى التحتية وخسائر بالأرواح".

وعن ذلك، قال عضو البرلمان العراقي رعد الدهلكي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "الحكومة العراقية لم تقدّم الشيء الكثير للمناطق المحررة، ولا سيما المنكوبة، حتى أن المتضررين ممن تهدمت منازلهم بسبب الحرب على التنظيم الإرهابي، لم يحصلوا على التعويضات، إضافة إلى آلاف المغيبين في سجون سرية لا أحد يعرف عنها شيئاً، وبالتالي فإن مثل هذه الممارسات الحكومية يستغلها تنظيم داعش في خطبه واستفزاز الأهالي". وأوضح أن "الحكومة كان عليها أن تحفظ كرامة أبناء المناطق المحررة وتعيد إليهم الحياة، وتحقق بشكل حقيقي بشأن المغيبين، لمنع أي حملة إعلامية تقودها العصابات الإرهابية التابعة لداعش".

المنظومة الإعلامية لتنظيم داعش ليست هيّنة، وهي لا تعتمد على خبرات محلية إنما على أجنبية ومن كل دول العالم

من جهته، قال السياسي العراقي ناجح الميزان إن الخطاب الأخير لتنظيم "داعش" يلعب من خلاله على وتر الإخفاق الحكومي في العراق، من عدم إعمار المناطق المحررة وبقاء النازحين في المخيمات، إضافة إلى التذكير بالمغيبين في السجون السرية في البلاد، ومن خلال هذا الاستفزاز لمشاعر الأهالي يعمل على احتلال عواطف جديدة، مشيراً إلى أن ما قد يحصل في المستقبل تتحمل الحكومة العراقية مسؤوليته بالكامل. لكن الميزان أكد في الوقت ذاته، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "تنظيم داعش لم يعد بالقدرة التي كان عليها في السابق، فقد تحوّل من آلة تهدف لنيل الحكم والمزيد من الأراضي والسيطرة على مقدرات المناطق، إلى أداة تخريبية تهدف إلى الثأر، كما أنه يعتمد حالياً على المباغتات، بعد اكتشاف الثغرات الأمنية، ولا يمكن نكران أن بعض الثغرات الأمنية تكون متعمدة أو ناتجة عن قلة خبرة لدى الأجهزة الأمنية".
وتعليقاً على ذلك، أكد الخبير الأمني مؤيد الجحيشي، في اتصال مع "العربي الجديد"، أن "المنظومة الإعلامية لتنظيم داعش ليست هيّنة، وهي لا تعتمد على خبرات محلية إنما على أجنبية ومن كل دول العالم، وبالتالي فهي تدرس الوضع النفسي للأهالي في المناطق المحررة وتوجّه الخطاب إليهم. وبما أن الحكومة العراقية انشغلت بالمحاصصة الطائفية على المناطق والصفقات الفاسدة، ولم تحقق الوعود التي كانت تُطلق للمناطق المحررة المنكوبة، فقد وجد التنظيم فرصة من خلال استغلال هذا الإخفاق على مستوى الإعلام وممارسة الهجمات عبر الثغرات التي تركتها قوات الأمن من جهة أخرى". وأضاف أن "داعش لديه القدرة على مواصلة الحرب الإعلامية، لأنه ماهر فيها وينتج القصص المرعبة. وعلى الرغم من أن نشاطه الإعلامي بات قليلاً، إلا أن الإصدارات والبيانات التي يصدرها بين فترة وأخرى تترك رسائل خطيرة".

المساهمون