دروس من الفيروس

12 ابريل 2020
+ الخط -
رغم الكثير من التداعيات السلبية التي خلفها تفشّي فيروس كورونا الجديد في العالم، وفي مقدمتها العدد الكبير من الوفيات والإصابات بسبب هذا المرض، إلا أنه يمكن الخروج بجوانب إيجابية نتجت من الإجراءات الدولية لمكافحة الجائحة، سيما تعليق الأعمال وحظر التجوال ووقف رحلات الطائرات، التي كانت سمة عامة في كل القرارات التي اتخذتها الحكومات. 
إجراءات وقرارات سمحت لكوكب الأرض بالتنفس من جديد، ومعالجة نفسه، بعدما شدّد البشر الخناق على مائه وهوائه، إذ أظهرت الدراسات أن نسبة التلوث في العالم انخفضت في الأيام الماضية بما يعادل 48% عن النسب المسجلة سابقاً، وانخفضت انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري تزامناً مع إغلاق المصانع وشبكات النقل والشركات.
بالتأكيد، لم تكن البيئة هدفاً من كل الإجراءات الدولية، غير أنها كانت المستفيد الأول منها. غير أن الاستفادة قد لا تدوم طويلاً، خصوصاً أنّ من غير المرجّح أن تكون البشرية قد تعلمت من رسائل الطبيعة التي حملها معه فيروس كورونا. ولن يطول الوقت قبل أن تعود عجلة التلويث إلى الدوران، مع بدء الرفع الجزئي للإغلاق، والمتوقع في الأسابيع القليلة المقبلة، واستئناف المصانع نشاطها والطائرات رحلاتها ووسائل النقل حركتها، خصوصاً أن التداعيات الاقتصادية لم تعد محتملة بالنسبة إلى معظم الدول.
لكن لا بد من أن تخلّف الجائحة بعض الدروس والعبر للبناء عليها في حياة ما بعد كورونا، لعل أهمها أخذ الرسائل التي نقلها الفيروس على محمل الجد، وخصوصاً ما يتعلق بقدرات الطبيعة التي لا يزال الإنسان عاجزاً عن مواجهتها، وكيف استطاع عدو خفي إغلاق الدول، وتهديد النظام العالمي الذي عليه اليوم أن يتعامل مع معطياتٍ جديدةٍ لم تكن حاضرةً قبل انتشار كورونا. رسائل أيضاً تشير إلى ضرورة التعامل مع الطبيعة من منطق الشراكة، لا الاستعباد، ومحاولة العمل على تجنب "انتفاضة فيروسية" أخرى، تعيد إلى الكوكب توازنه.
إضافة إلى ذلك، من الجوانب الإيجابية لانتشار الفيروس، فضح حجم الإهمال الذي يعاني منه القطاع الطبي الرسمي، ليس فقط في دول العالم الثالث، بل حتى في الدول المتقدّمة التي دأبت على اقتطاع مخصصات هذا القطاع، باعتباره عبئاً على الموازنة العامة، وها هي اليوم ترى فيه المنقذ الوحيد لملايين البشر من الموت في مواجهة كورونا. أيضاً لا بد من الرهان على المضي في الاستفادة من هذا الدرس الذي قدّمه كورونا، وإيلاء هذا القطاع، والموظفين العاملين فيه، الأهمية التي يستحقونها. وعلى الرغم من أهمية التحيات والتصفيقات التي باتت معتمدة في غالبية الدول لإظهار الامتنان للعاملين في القطاع الصحي، إلا أن هذا لن يكون كافياً في المستقبل، إذا بقي هذا القطاع عرضة للإهمال.
ويمكن إدراج الحاجة إلى التواصل الاجتماعي من ضمن الدروس التي حملها الفيروس، إذ إن سياسة العزل في المنازل فتحت الباب أمام تعارفٍ من نوع آخر، وخصوصاً في الدول الأوروبية، حيث يختفي مفهوم الجوار بين سكان المبنى الواحد. فخلال الإقامة في أي دولة أوروبية، يمكن أن تقضي سنوات من دون أن ترى جاراً لك أو تتكلم معه وأن تعرف شيئاً عنه. الأمر اختلف الآن، فالمشاهد المصورة التي تُبَث للغناء من الشرفات أو للخروج الجماعي إلى الطرقات، مع الحفاظ على "مسافة التباعد الشرعية"، لممارسة طقس التصفيق للطواقم الطبية، سمحت بالاختلاط والتعارف، باعتباره حاجةً إنسانيةً كاسرة للعزل الإجباري، وهو ما يمكن أن يخلق نمطاً من الحياة الاجتماعية لاحقاً مغايراً لما كان عليه قبل كورونا، وهو الأمر الذي سينسحب على كل مناحي الحياة.
حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".