مع اقتراب امتحانات نهاية الفصل الدراسي الأوّل في الجامعات المصرية في أوائل يناير/ كانون الثاني المقبل، وتحديد بعض الجامعات جداولها، راحت تنتشر عشرات مراكز الدروس الخصوصية في محيط عدد من الجامعات الحكومية والخاصة. وعمدت مكتبات عدّة بالتعاون مع أساتذة جامعيين، إلى بيع مذكرات (ملخصات المواد) خاصة في خطوة يرى البعض أنّها تحوّلت إلى ظاهرة سنويّة تستغلّ الطلاب وأولياء الأمور. ويتوافد مئات الطلاب إلى المكتبات يومياً، ما يشير إلى أنّها تحقق أرباحاً بملايين الجنيهات المصرية.
تُعَدّ كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان والهندسة والألسنيات والحقوق والتجارة، من أبرز الكليات حيث تنتشر عادة الدروس الخصوصية بين طلابها، من دون رقيب أو حسيب. ويتولى التدريس في المراكز القريبة من تلك الكليات، معيدون وأساتذة مساعدون إلى جانب بعض أعضاء هيئة التدريس. والطلاب يقبلون على شراء المذكرات للمراجعة، قبيل امتحانات الفصلَين الدراسيَّين الأوّل والثاني، على الرغم من أنّ قانون تنظيم الجامعات "يجرّم" ذلك. أمّا بدل الحصة الواحدة لكلّ طالب فتتراوح بين 50 جنيهاً مصرياً و200 (ما بين ثلاثة دولارات أميركية و11 تقريباً)، وهي تختلف من اختصاص إلى آخر، بينما يبدأ ثمن المذكرة الواحدة ونماذج الامتحانات من 60 جنيهاً (نحو 3.5 دولارات). لكنّ كثيرين هم الطلاب الذين لا يرون مشكلة في ذلك، إذ إنّ المذكرات والدروس تخلّصهم من الكتب الدراسية الضخمة. وتختلف التكاليف ما بين الطلاب المصريّين وزملائهم العرب الذين يتابعون دراستهم في عدد من الجامعات المصرية، فالأسعار ترتفع أكثر من ضعفَين بالنسبة إلى الطلاب الوافدين من الخارج.
تُعَدّ منطقتا صفط اللبن وبولاق الدكرور مركزاً لتجمّع عدد من طلاب جامعة القاهرة، في شقق خاصة. أمّا منطقة بين السرايات، فهي الأشهر لناحية انتشار المكتبات بكلّ أنواعها والتي تبيع المذكرات ومراجعة الامتحانات للطلاب. وينادي أصحابها من الصباح حتى آخر النهار على الطلاب من أجل شراء المذكرات والتفوّق في المواد. تجدر الإشارة إلى أنّ المكتبات تعلن عن جداول المحاضرات الخصوصية لمراجعة المناهج الدراسية.
وفي منطقة منشية الصدر القريبة من جامعة عين شمس، وضعت المكتبات ومراكز التدريس لوحات إعلانية على جدرانها تتضمّن مواعيد المحاضرات الخاصة لشرح المناهج، مع الاستعانة بأساتذة متخصصين من الخارج، خصوصاً لطلاب كلية التجارة. ويتكرر الأمر في جامعة حلوان، فتنتشر في مناطق وادي حوف وعين حلوان والمعادي مراكز التدريس والمكتبات التي تبيع المذكرات. ولا تختلف الحال كثيراً في جامعة بنها التي تُعدّ الجامعة الحكومية الرابعة على مستوى القاهرة الكبرى.
يقول حسام السيد الذي يتابع دراسته في الصيدلة، إنّ "أساتذة الكلية لا يقدّمون شرحاً وافياً للمقررات الدراسية، ويكتفون غالباً بقراءة العناوين الرئيسية التي يتضمنها المقرر الدراسي، وهو ما يضطرني إلى الدروس الخصوصية". يضيف أنّ "الإقبال يتزايد على مراكز الدروس الخصوصية مع اقتراب الامتحانات". أمّا فاطمة م. وهي طالبة في كلية الصيدلة، فتقول إنّ "الدروس الخصوصية تكثر في بعض المواد في الكلية، مثل مادتَي علم الكيمياء الحيوية وعلم الأدوية، لدرجة أنّ الأمر وصل إلى إعطاء دروس في داخل الكلية نفسها". من جهته، يعبّر محمد عبد الراضي الطالب في كليّة طب الأسنان، عن غضبه إزاء "طريقة شرح الأساتذة لبعض المواد، الأمر الذي يجبر الطلاب على التوجه إلى المكتبات والمراكز التي تؤمّن الدروس الخصوصية، مع غياب أيّ رقابة رسمية". أمّا محمود عبد الكريم الطالب في كلية الهندسة، فيرى أنّ "الدروس والمذكرات هي الطريق الأسرع والأسهل إلى النجاح"، مشيراً إلى أنّ "وسائل الاتفاق على الدروس الخصوصية تتعدّد، من بينها الاتفاق مع أحد المعيدين وإبلاغ باقي الطلاب بموعد محدد ومكان وتكلفة المحاضرة".
في السياق، يدافع صاحب مكتبة فضّل عدم الكشف عن هويته، عن "أهمية دور المكتبات من أجل مساعدة الطلاب على النجاح، فعدد كبير من الطلاب يراجعون الدروس خلال هذه الأيام فقط". يضيف: "نحن كأصحاب مكتبات نعدّ مذكرات لكل مادة بأسلوب سهل ومبسّط يساعد الطلاب على النجاح"، مشيراً إلى أنّ "الخبرة تساهم في معرفة أسئلة الامتحانات". ويرى نفسه "عنصراً أساسياً في تحويل الكتب الضخمة للطلاب إلى مذكرات جاهزة"، علماً أنّ أحد المعيدين يشرف عليها لضمان دقّة المعلومات وشمولها المنهاج بنسبة مائة في المائة.
من جهته، يقول الخبير التربوي كمال مغيث إنّ "انتشار الدروس الخصوصية في الجامعات المصرية يتشابه مع تلك التي تنتشر في المرحلة ما قبل الجامعية"، موضحاً أنّ "أسلوب التلقين الذي تعتمده الجامعات حالياً مرفوض، كون الطالب الجامعي بات باحثاً علمياً". ويشير مغيث إلى "أهميّة دور المكتبة التي يغفل عنها الجميع، بمن فيهم الطلاب. كذلك فإنّ تلقين الطالب المعلومات في المحاضرة يتنافى مع أهداف التعليم الجامعي، ولم يعد للطالب هدف سوى تفريغ ما لديه من معلومات في ورقة الإجابة". ويؤكد مغيث أنّ "المذكرات التي تباع حالياً في المكتبات تتضمّن أخطاء كثيرة، بينما تُحذف أجزاء من المنهاج فيها، ما يجعل إجابات الطلاب خاطئة أحياناً".