01 أكتوبر 2022
دروس التاريخ.. التجربة الجزائرية نموذجاً
لا أحد ينكر أهمية التعلم من دروس التاريخ، خصوصا القريب منها، ولكن تستمر أمراض الاختزال، والإسقاطات في غير موضعها، في إحباط التعامل الجاد.
شهدنا أخيرا جدلاً بين معارضين مصريين حول تجربة العشرية السوداء في الجزائر، بإسقاطاتها على الوضع المصري. كتب محسوبون على الإخوان المسلمين تحذيرات من دعم "العلمانيين" انقلابا يجهض اختيار الشعب، فسلوكهم هذا في كل الدول العربية "ملّة واحدة". الإشكالية الرئيسة هنا أن معلوماتٍ أساسيةً تغيّب ما يفرغ النقاش من محتواه، في مقدمتها أن "الإخوان" تحديداً كانوا جزءاً من انقلاب الجزائر، فقد أيدته حركة مجتمع السلم بزعامة الشيخ محفوظ نحناح، وشاركت به بفاعلية في أسوأ أوقات الحرب الأهلية. وشاركت الحركة بأربعة أعضاء في المجلس الوطني الانتقالي عام 1994، ثم بوزيرين في حكومة 1996، بالإضافة إلى مشاركتها في انتخابات برلمان 1997، حيث حلت في المرتبة الثالثة في البرلمان.
لماذا اختارت جماعة الإخوان الجزائرية ذلك؟ الإجابة أن الجبهة الإسلامية للإنقاذ، الفائزة في الانتخابات، احتوت تياراً سلفياً جهادياً بارزاً. يمكن أن نقرأ من موقع "إخوان ويكي"، وهو موقع رسمي يتبع الجماعة في مصر، روايتهم الرسمية:
"وعندما دعت حركة مجتمع السلم إلى التحالف مع الوطنيين والنزهاء، كُفّرت وأُخرجت من المِلة بأساليب مختلفة؛ منها ما هو متعلق بمفهوم التيار السلفي الذي قاده الشيخ علي بلحاج، أو التيار التكفيري الذي قاده الهاشمي سحنوني، أو مختلف المفاهيم السطحية لسياسات الدعوة الإسلامية، فعندما تحدثت الحركة عن الديمقراطية، قالوا: الديمقراطية كفر، وعندما دعت الحركة إلى الحوار والتعايش، قالوا: الحركة عميلة للنظام، وعندما دعت الحركة إلى التحالفات، قالوا:لا حلف في الإسلام".
يلقي "الإخوان" اللوم على "تعنت" قيادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وعلى تدهور الوضع بسبب "بروز النظرة الصدامية والرؤى التكفيرية للنظام والمجتمع من الذين لم ينتموا إلى الجبهة، مع تكوّن بعض الجماعات الجهادية في حضن الجبهة الإسلامية، وتكوين الشرطة الإسلامية في البلديات، وبروز مظاهر عنف رفضها المجتمع في تسيير البلديات. وفي هذا الظرف وجدت الحركة نفسها في مربع مسؤولية تاريخية أمام الأمة..".
وللمفارقة هنا تقترب هذه الرواية الإخوانية من رواية أبو مصعب السوري، المنظر البارز في تنظيم القاعدة، والذي ذكر، في كتابه "شهادتي على الجهاد بالجزائر"، أن جبهة الإنقاذ كانت تصرّح، على لسان الشيخ علي بلحاج، بكفر الديمقراطية، بل كتب عن ذلك بحثاً فقهياً مشهوراً، مؤكّداً أنه بمجرد فوزهم سيطرحون إلغاء الديمقراطية والحكم بالشريعة. وعلى الرغم من إشادة أبو مصعب بهذا الطرح الذي وصفه بالمتميز والصريح، إلا أنه يعترف بأنه "أعطى الذرائع القوية لمن عصف بتجربتهم".
يسرد بعدها أبو مصعب تفاصيل مطولة عن الحرب وجرائم حلفاء "الإنقاذ" من قتل المدنيين واغتصاب نسائهم، وكيف كان شاهداً بنفسه في أثناء شراكته في تحرير "مجلة الأنصار" على فتاوى أبو قتادة الفلسطيني بتحليل سبي نساء العاملين مع الدولة، أو كيف امتدح فعل رجلٍ قتل أمه وأباه، ووصفه بأنه "من فعل الصحابة الأطهار"! كما توثق بنفسه من قتل التنظيم غيلة الشيخ محمد السعيد ورفاقه، تحت زعم أنهم "كانوا بصدد الاتصال مع الحكومة للعودة للمسار الديمقراطي".
وعلى الرغم من الانتشار البالغ الذي حظيت به لاحقاً رواية الضابط المنشق، حبيب سويدية، عن تورط الجيش بتدبير بعض الهجمات، فإن أبو مصعب السوري يؤكد أن القصة لم تكن هكذا فقط برؤيته: "كانت قيادة الجماعة المسلحة في الجزائر مجموعة من المنحرفين بذاتهم، وتولت الاستخبارات الجزائرية إكمال الانحراف وتوظيفه".
في النهاية، لم تخمد الحرب تماماً إلا بحل سياسي، فأقرّ الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ميثاق "السلم والمصالحة". وبموجبه تم العفو عن الملاحقين بتهم الإرهاب وحمل السلاح، وإسقاط الأحكام الغيابية، وصرف تعويضاتٍ للمفقودين. وفي المقابل، إلغاء أي ملاحقة قضائية لكل العسكريين.
هكذا تمنحنا المعلومات، والعودة إلى المصادر الأولية، نظرة بالغة التركيب والتعقيد، تتداخل فيها الأدوار. ويمكن حينها طرح الأسئلة الصحيحة من دون إجابات سهلة أو منحازة: ماذا حدث؟ لماذا حدث؟ ما الذي كان يمكن أن يغير المسار إلى سيناريو مختلف؟ كيف يمكننا أن نتجنّب تكرار ما حدث؟
شهدنا أخيرا جدلاً بين معارضين مصريين حول تجربة العشرية السوداء في الجزائر، بإسقاطاتها على الوضع المصري. كتب محسوبون على الإخوان المسلمين تحذيرات من دعم "العلمانيين" انقلابا يجهض اختيار الشعب، فسلوكهم هذا في كل الدول العربية "ملّة واحدة". الإشكالية الرئيسة هنا أن معلوماتٍ أساسيةً تغيّب ما يفرغ النقاش من محتواه، في مقدمتها أن "الإخوان" تحديداً كانوا جزءاً من انقلاب الجزائر، فقد أيدته حركة مجتمع السلم بزعامة الشيخ محفوظ نحناح، وشاركت به بفاعلية في أسوأ أوقات الحرب الأهلية. وشاركت الحركة بأربعة أعضاء في المجلس الوطني الانتقالي عام 1994، ثم بوزيرين في حكومة 1996، بالإضافة إلى مشاركتها في انتخابات برلمان 1997، حيث حلت في المرتبة الثالثة في البرلمان.
لماذا اختارت جماعة الإخوان الجزائرية ذلك؟ الإجابة أن الجبهة الإسلامية للإنقاذ، الفائزة في الانتخابات، احتوت تياراً سلفياً جهادياً بارزاً. يمكن أن نقرأ من موقع "إخوان ويكي"، وهو موقع رسمي يتبع الجماعة في مصر، روايتهم الرسمية:
"وعندما دعت حركة مجتمع السلم إلى التحالف مع الوطنيين والنزهاء، كُفّرت وأُخرجت من المِلة بأساليب مختلفة؛ منها ما هو متعلق بمفهوم التيار السلفي الذي قاده الشيخ علي بلحاج، أو التيار التكفيري الذي قاده الهاشمي سحنوني، أو مختلف المفاهيم السطحية لسياسات الدعوة الإسلامية، فعندما تحدثت الحركة عن الديمقراطية، قالوا: الديمقراطية كفر، وعندما دعت الحركة إلى الحوار والتعايش، قالوا: الحركة عميلة للنظام، وعندما دعت الحركة إلى التحالفات، قالوا:لا حلف في الإسلام".
يلقي "الإخوان" اللوم على "تعنت" قيادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وعلى تدهور الوضع بسبب "بروز النظرة الصدامية والرؤى التكفيرية للنظام والمجتمع من الذين لم ينتموا إلى الجبهة، مع تكوّن بعض الجماعات الجهادية في حضن الجبهة الإسلامية، وتكوين الشرطة الإسلامية في البلديات، وبروز مظاهر عنف رفضها المجتمع في تسيير البلديات. وفي هذا الظرف وجدت الحركة نفسها في مربع مسؤولية تاريخية أمام الأمة..".
وللمفارقة هنا تقترب هذه الرواية الإخوانية من رواية أبو مصعب السوري، المنظر البارز في تنظيم القاعدة، والذي ذكر، في كتابه "شهادتي على الجهاد بالجزائر"، أن جبهة الإنقاذ كانت تصرّح، على لسان الشيخ علي بلحاج، بكفر الديمقراطية، بل كتب عن ذلك بحثاً فقهياً مشهوراً، مؤكّداً أنه بمجرد فوزهم سيطرحون إلغاء الديمقراطية والحكم بالشريعة. وعلى الرغم من إشادة أبو مصعب بهذا الطرح الذي وصفه بالمتميز والصريح، إلا أنه يعترف بأنه "أعطى الذرائع القوية لمن عصف بتجربتهم".
يسرد بعدها أبو مصعب تفاصيل مطولة عن الحرب وجرائم حلفاء "الإنقاذ" من قتل المدنيين واغتصاب نسائهم، وكيف كان شاهداً بنفسه في أثناء شراكته في تحرير "مجلة الأنصار" على فتاوى أبو قتادة الفلسطيني بتحليل سبي نساء العاملين مع الدولة، أو كيف امتدح فعل رجلٍ قتل أمه وأباه، ووصفه بأنه "من فعل الصحابة الأطهار"! كما توثق بنفسه من قتل التنظيم غيلة الشيخ محمد السعيد ورفاقه، تحت زعم أنهم "كانوا بصدد الاتصال مع الحكومة للعودة للمسار الديمقراطي".
وعلى الرغم من الانتشار البالغ الذي حظيت به لاحقاً رواية الضابط المنشق، حبيب سويدية، عن تورط الجيش بتدبير بعض الهجمات، فإن أبو مصعب السوري يؤكد أن القصة لم تكن هكذا فقط برؤيته: "كانت قيادة الجماعة المسلحة في الجزائر مجموعة من المنحرفين بذاتهم، وتولت الاستخبارات الجزائرية إكمال الانحراف وتوظيفه".
في النهاية، لم تخمد الحرب تماماً إلا بحل سياسي، فأقرّ الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ميثاق "السلم والمصالحة". وبموجبه تم العفو عن الملاحقين بتهم الإرهاب وحمل السلاح، وإسقاط الأحكام الغيابية، وصرف تعويضاتٍ للمفقودين. وفي المقابل، إلغاء أي ملاحقة قضائية لكل العسكريين.
هكذا تمنحنا المعلومات، والعودة إلى المصادر الأولية، نظرة بالغة التركيب والتعقيد، تتداخل فيها الأدوار. ويمكن حينها طرح الأسئلة الصحيحة من دون إجابات سهلة أو منحازة: ماذا حدث؟ لماذا حدث؟ ما الذي كان يمكن أن يغير المسار إلى سيناريو مختلف؟ كيف يمكننا أن نتجنّب تكرار ما حدث؟