تمخّضت دروس عديدة عن نتائج الدور الثاني من انتخابات مجالس المناطق الفرنسية، يوم الأحد، بعد فوز حزب "الجمهوريون" بسبع مناطق مقابل خمس للحزب الاشتراكي الحاكم، وعجز حزب "الجبهة الوطنية" اليميني المتطرف، عن الفوز بأي منطقة، على الرغم من تحقيقه اختراقاً تاريخياً في الدور الأول.
يكمن الدرس الأول في ترسيخ "الجبهة الوطنية" مكانته في المشهد الانتخابي، وتحوّله من حزب هامشي إلى قوة سياسية وازنة. وقد حصل الحزب على أصوات 6.8 ملايين ناخب من مجموع الأصوات. ومع أنه لم يفز برئاسة أي منطقة، إلا أن "الجبهة" ممثل في كل مجالس المناطق وبنسب مهمة. ونال الحزب 358 مقعداً في مجالس المناطق، في مقابل 118 مقعداً في انتخابات 2010، أي أن عدد مقاعده تضاعف ثلاث مرات دفعة واحدة، وهو ما يعكس وتيرة تصاعدية في شعبية الحزب اليميني المتطرف ودينامية مختلفة في المشهد السياسي الفرنسي.
ونجح الحزب اليميني المتطرف في فرض نفسه كأول حزب معارض، وثالث قوة سياسية، كاسراً بذلك الثنائية الكلاسيكية، التي كانت تميز الخارطة السياسية الفرنسية، وتحصرها بين قطبين أساسيين: اليسار الاشتراكي واليمين التقليدي. ومن الآن فصاعداً، بات المشهد السياسي الفرنسي ثلاثي الأبعاد. وهذا المعطى الجديد سيؤثر بشكل كبير على الانتخابات الرئاسية عام 2017 ومن المرجّح جداً أن تشهد هذه الانتخابات تكرار سيناريو رئاسيات 2002، حين تم إقصاء المرشح الاشتراكي ليونيل جوسبان في الدور الأول، على يد مرشح "الجبهة الوطنية"، جان ماري لوبان، الذي عبر إلى الدور الثاني ليواجه مرشح اليمين جاك شيراك. تحالف شيراك مع اليسار مؤمناً فوزاً ساحقاً على لوبان.
الدرس الثاني من انتخابات مجالس المناطق يتمثل في فشل النخبة السياسية التقليدية في الحزبين الاشتراكي والجمهوري في تجديد نفسها وإقناع المواطنين بجدوى الانخراط السياسي، وهو ما يصبّ في النهاية في مصلحة "الجبهة الوطنية"، الذي، وبغضّ النظر عن تطرفه السياسي، قدّم وجوهاً جديدة وشابة للفرنسيين، بينما قدّم الاشتراكيون واليمينيون نفس الوجوه والشخصيات، التي تحتل الواجهة السياسية والإعلامية منذ عقدين على الأقل.
اقرأ أيضاً: الصحف الفرنسية مرتاحة لنتائج انتخابات المناطق.. لكنها غير مطمئنة
عند اليمين، لم تتغير الوجوه، فهناك الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، رئيس الوزراء السابق آلان جوبيه، ووزير العمل السابق كزافييه برتران، ووزير الزراعة السابق كريستيان إيستروزي. الملاحظة نفسها تنطبق على الحزب الاشتراكي الحاكم، الذي تخلّص في الآونة الأخيرة من الوجوه الشابة، التي تمثل الجناح اليساري، مثل بنوا آمان، وآرنو مونبورغ، وأوريلي فيليبتي، وتمّ إعفاؤهم من مهامهم الوزارية واستبدالهم بشخصيات من التيار الليبرالي ممثلاً برئيس الوزراء مانويل فالس.
أما الدرس الثالث فيتمثل في مخاطر اللجوء إلى سياسة "الجبهة الجمهورية"، لقطع الطريق على "الجبهة الوطنية". وهذه السياسة هي التي نجحت في إسقاط مارين لوبان، وابنة أختها ماريون ماريشال ـ لوبان، في منطقتين مهمتين، لها حدودها وآثارها الجانبية والسلبية.
ذلك لأن اتحاد اليمين واليسار في مواجهة اليمين المتطرف، يُفرغ العملية الانتخابية من محتواها الديمقراطي والتمثيلي، فحزب "الجبهة الوطنية"، كان الحزب الفرنسي الأول في الدور الأول من الانتخابات، وتصدّر في ست مناطق، ونال أصوات ملايين الناخبين، وفي النهاية خرج الحزب خاوي الوفاض، من دون أن يفوز بأي منطقة. وهذه النتيجة تجعل ملايين الناخبين يشعرون بأن ثمة خللا في العملية الديمقراطية، وأن سياسة "الجبهة الجمهورية" تخلّ بالروح الديمقراطية للاقتراع.
وتؤثر هذه السياسة أيضاً على صورة الاشتراكيين واليمينيين في أوساط الرأي العام، تحديداً شريحة الشباب، لأنها تظهر الحزبين بمظهر انتهازي صرف، ومن دون فروق ايديولوجية واضحة. ماذا يعني في النهاية أن تفوز شخصية يمينية من حجم كزافييه برتران بأصوات ناخبي اليسار، والجميع يعرف أنه لو تقدّم بمفرده فإن مارين لوبان كانت ستهزمه؟
أما الدرس الأخير من نتائج انتخابات مجالس المناطق، فهو الحظوظ المتزايدة لمارين لوبان في سباق الانتخابات الرئاسية لعام 2017. تضع مارين لوبان نصب عينيها قصر الإليزيه منذ سنوات، وستحاول استثمار تصاعد شعبية حزبها لاستمالة أعداد إضافية من الناخبين، خصوصاً أن الأسباب التي تُفسّر هذا الصعود ما تزال قائمة، مثل استفحال ظاهرة البطالة وتصاعد مشاعر الكراهية تجاه الأجانب والتطرف الديني في الضواحي والهجرة وغيره. وإذا كان المراقبون يُرجّحون نجاح لوبان في التأهل للدور الثاني من الرئاسيات على حساب مرشح الاشتراكيين أو اليمينيين، فهناك من يتخوف من قدرتها على حسم المعركة الرئاسية لصالحها، لتصير بذلك أول رئيسة في تاريخ الجمهورية الفرنسية وأول زعيم لحزب يميني متطرف يصل إلى سدة الحكم.
اقرأ أيضاً: فرنسا تنحاز لساركوزي وتخرج اليمين المتطرف بانتخابات مجالس المناطق