دراما للبيع: 5 مسلسلات سورية في أبوظبي... ومقصّ الرقيب حاضرٌ

08 مارس 2019
باسل خياط في مسلسل "العراب تحت الحزام" (فيسبوك)
+ الخط -
يشكّل التمويل العربي عنصراً بارزاً في مسيرة الدراما السورية، منذ انتشار هذه الدراما خارج الحدود المحلية وعرضها على القنوات الفضائية، حتى ضخ حكومات عربية، ولا سيما خليجية، الأموال لإنتاج مسلسلات سورية. جاءت هذه الأعمال أبعد عن واقع الشارع وأقرب إلى فكر الممول وما يريده من هذه المرحلة أو تلك. فإذا ما تبدّل الواقع السياسي، تأثرت الدراما بذلك، ودخلت في صلب عملياتها التسويقية مفاهيم سياسية، كالمقاطعة والالتفاف والتطبيع، وهذا واضح بعودة "مؤسسة أبوظبي للإعلام" للإنتاج في سورية تزامناً مع إعادة افتتاح سفارة أبوظبي وبداية توجه دول خليجية لتطبيع العلاقة مع نظام بشّار الأسد. هنا، نتساءل: ماذا عن المحتوى المنتظر في خمسة أعمال سورية تتبناها المؤسسة دفعة واحدة؟


دراما التصّوف

بعدما أنجز تلفزيون قطر على مدى عامين مسلسل "الإمام" بإمكانات إنتاجية عالية، وسبق ذلك تبنيه للدراما التاريخية منذ سنوات، قررت مؤسسة أبوظبي الاستفادة من السوق السورية لإنجاز دراما تاريخية أقرب إلى الدينية، وفعلت ذلك في عام 2018 من خلال مسلسل "المهلب". وعليه أعدّت العدّة لضرب علاقتها بسلطنة عمان من خلال اعتبار أن أصول الملهب بن أبي صفرة تعود للإمارات، وبعثت برسائل سياسية على مدار ثلاثين حلقة تكرّس وجهة نظر الإمارات في فهمها للاعتدال، على حد وصفها، وكيفية ممارسة الدين الصحيح.

وضمن خطة الإنتاج لعام 2019، ثمّة عملان تاريخيان على قائمة أبوظبي، كلاهما يرصد مراحل زمنية من بروز المذاهب الإسلامية، ولو اختلفت مناطق الحدث التاريخي بين سيرة "الحلّاج" و"ابن عربي"، عبر شركتين منتجتين؛ الأولى تعود ملكيتها لياسر الخزوز وياسر فهمي؛ إذ تعمل على إنتاج مسلسل "الحلاج" مع المخرج علي علي والكاتب أحمد المغربي. الثانية، للمنتج مفيد الرفاعي لإنتاج مسلسل "مقامات العشق" مع المخرج أحمد إبراهيم أحمد والكاتب محمد البطوش. ورغم ضخامة الميزانية المرصودة للعملين، إلا أن حالة تخبط يشهدها تنفيذ المسلسلين من ناحية تنفيذ العقود، بحسب مصادر أكدت لـ"العربي الجديد"، عدم اكتمال إرسال الحلقات وتنسيق المواعيد، وفي الوقت عينه يبزر التوجه السياسي الواضح في إنجاز عملين عن مذاهب التصوف في موسم واحد ومن قبل المموّل ذاته.


عن النظام ومعه
لا شك أن أبوظبي كانت من أكثر العواصم الخليجية الحريصة على إبقاء العلاقات مع النظام السوري منذ انطلاق الثورة، خاصة مع إنجاز عدة أعمال سورية على أراضي الإمارات، إلا أن ذلك حمل في الواجهة مقاطعة للنظام في رفض أبوظبي شراء أعمال منجزة في الداخل أو ظهور أسماء على شاشتها لعدم إغضاب المزاج العام وسط حجم الدمار الذي تعرضت له سورية، ومجازر النظام بحق البشر والحجر.

ومع ذلك، تمكنت عدة أعمال من النفاذ إلى أبوظبي، كمسلسل "حدث في دمشق" و"حارة المشرقة" و"دامسكو"، التي ساعدت في تسويقها العلاقة الوثيقة بين ديانا جبور، المديرة السابقة لمديرية الإنتاج التلفزيوني، والمنتج إياد النجار، المدلل لدى مؤسسة أبوظبي.
وبعدما غامرت المؤسسة في تمويل مسلسل "أوركيديا"، جاءت النتيجة مخيبة بعد اكتشافها فساداً هائلاً من قبل أشخاص في العمل وفواتير غير صحيحة، أدت إلى تغيير هيكلية العمل وتوقف أبوظبي عن الإنتاج المباشر، لتعود في العام الفائت عبر دعم شركة Iseemedia كوليد جديد للعمل داخل سورية انطلاقاً من بوابة الدراما التاريخية.

الدراما تحتمل والجمهور يشاهد
في نظر القائمين على الإنتاج في أبوظبي، تشكل دمشق بيئة متوازنة للإنتاج، لقرب اللهجة السورية من كافة الدول العربية، وحضور الممثلين السوريين القوي؛ ما يعني الاستثمار في سوق غير مغلقة، على عكس السوق المصرية، وبالتالي لن تقابل عروض أبوظبي للإنتاج بالرفض طالما أن حركة الدراما في الداخل مقتصرة على شركات محلية لا تقدم عملا منافسا، ورؤية نظام متعنت لا يريد إطلاق مجال الحريات في الفن.
وبذلك تعمل على جذب مدراء الإنتاج لتبني مشاريع درامية تكتب وتنفذ وتنتج خلال أشهر عدة. آخرها كان مسلسلا "عندما تشيخ الذئاب" و"صانع الأحلام"، واللذان فاجآ الصحافة كما الجمهور بسرعة التحضير وانطلاق عمليات التصوير وغياب الترويج الإعلامي لهذه المشاريع منذ انتهاء الموسم الفائت.
لا عقود لدى أبوظبي لتنشر صورها على السوشيال ميديا، وليس المهم أن تعرف من الشركة ومتى تأسست، بل ما يعني المؤسسة الإماراتية حالة الترويج الإعلامي لأفكارها عبر الدراما كفن تضمن إنتاجه بسوية عالية داخل سورية. ولذا جاء الاختيار لرواية "عندما تشيخ الذئاب" للكاتب الفلسطيني جمال ناجي والصادرة عام 2008، وإيكال مهمة كتابة السيناريو للكاتب السوري حازم سليمان، ومنح المخرج عامر فهد فرصة إنجاز المسلسل مع شراكة في إنتاجه، وهكذا انطلق المسلسل ليروي مرحلة حساسة في التسعينيات شهدت تصادماً بين الجماعات الإسلامية والشيوعيين في محاولة إثبات أن التشدد الديني لا ينجب إلا الأسى ويعزز حالة الرعب التي تتبناها أبوظبي في روايتها للتسامح والإخاء الديني. أما المسلسل الثاني فهو "صانع الأحلام" المأخوذ عن رواية تسمى "قصة حلم" للكاتب السعودي هاني النقشبندي، والتي لا يوجد لها أثر في مواقع الإنترنت، اختارت أبوظبي إسناد المهمة للسيناريست بشار عباس والمخرج محمد عبد العزيز لتصوير المسلسل بين بيروت والقاهرة وأبوظبي. ورغم اتخاذ المسلسل لطابع الخيال العلمي، إلا أن متابعة بسيطة لأفكار النقشبندي وخطه الروائي يظهر حجم اللعب على الأوتار الدينية في ما يقدّمه.


العرض غير مهم
لا يعني أبوظبي بالمحصلة إذا بيعت الأعمال لغيرها أم لا، إلا أنها تحمل في مكاتبها مقص رقيب جزار سبق واغتال روح أعمال سورية عديدة عند العرض، دفعت ببعض كتابها لمناشدة الجمهور عدم مشاهدة الأعمال على أبوظبي، كما حدث مع الكاتب سامر رضوان في مسلسل "الولادة من الخاصرة"، ورافي وهبي في مسلسل "العراب"، رغم أن العملين أنتجا بموافقة مؤسسة أبوظبي واشترت الحقوق الحصرية لعرضهما في رمضان. حالة القص المتبعة من قبل الشبكة لا تقدم لها أي تبرير واضح ولم تعد تقنع الجمهور أن هدفها إفساح المجال للإعلانات، بل إن عملية "فتلرة" جديدة يخضع لها المسلسل عند العرض تمنع فيه أبوظبي من تمرير أي إدانة للنظام السوري، وهذا ظهر واضحاً في عرضها المجتزأ لمسلسل "غداً نلتقي".

دقيقة صمت
حين يتعامل المنتج مع السوق الدرامي بعقلية السياسي الموجه، ستخفق الدراما حقاً في استقاء أثر حقيقي، طالما عملية الإنتاج لا تتضمن تراتبية واضحة المعالم منذ البداية ولا تقوم على بناء متراكم يؤسس لهوية عمل درامي صرف انطلق من خيال الكاتب وطوّر ليغدو برؤية المخرج البصرية عملاً استثنائياً تتهافت القنوات على شرائه. فأبوظبي التي قررت أخيراً شراء مسلسل "دقيقة صمت"، قد تستنزف المسلسل المعدّل بصيغة لبنانية مرة أخرى وتفقده كامل الجوهر الحقيقي، ما يعني أن الشبكة أمام تحدٍّ كبير في اختيارها لخمسة مسلسلات ربما تفتح بابا تلو الآخر من النقد اللاذع لهذا النوع من المغامرات الدرامية؟!


المساهمون