وأوضحت الدراسة أن نظام الحكم في الرياض بات يرى في إسرائيل "اللاعب الإقليمي الأبرز" القادر على مساعدتها في مواجهة إيران "بسبب تراجع دور الولايات المتحدة وتوجه الإدارات الأميركية المتعاقبة لتجنب التورط في صراعات المنطقة الدامية". وأشارت إلى أن السعوديين معنيون ليس فقط بالاستفادة من القدرات الاستخبارية والاستراتيجية لتل أبيب، بل يراهنون على التقنيات المتقدمة التي تنتجها إسرائيل في تحسين قدرة الرياض على تحقيق رؤية بن سلمان القائمة على التوقف عن الاعتماد على النفط كعصب للاقتصاد السعودي.
ورأت الدراسة أن التحالف والتطبيع مع السعودية ينطويان على فرص استراتيجية هائلة لإسرائيل، مشيرة إلى أن تل أبيب بإمكانها أن تعتمد على الرياض في تحسين قدرتها على مواجهة إيران، مضيفة أن الموقع الجغرافي الفريد والمكانة الدينية للسعودية يزيدان من قيمة الشراكة بينها وبين إسرائيل في مواجهة إيران. ولفتت الأنظار إلى أن توجه السعودية للتعاون أمنياً مع إسرائيل سيشجع دولاً عربية أخرى على التعاون مع تل أبيب.
واستدركت الباحثة الإسرائيلية بأن الشراكة مع السعودية في مواجهة إيران وتعاظم التعاون معها في المجالات الاستراتيجية والاستخبارية يجب ألا يمثل مسوغاً لتوقف تل أبيب عن مراقبة صفقات السلاح التي تتوصل إليها الرياض مع واشنطن والتي بإمكانها أن تهدد ميزان القوى الاستراتيجي. تضاف إلى ذلك ضرورة العمل على منع السعودية من الحصول على سلاح نووي كرد على قيام إيران بتطويره.
وأشارت الباحثة إلى أن إسرائيل بإمكانها أن تعتمد على السعودية في احتواء تفجر بعض الأحداث الحساسة، لا سيما في كل ما يتعلق بردة الفعل الفلسطينية على ما تقوم به إسرائيل في المسجد الأقصى. كما أن هذا التعاون يمكن أن يمهد الطريق أمام تطوير مشاريع اقتصادية مشتركة، ولا سيما في مجال الطاقة والزراعة، على أن يمتد هذا التعاون إلى دول عربية أخرى.
ووفقاً للدراسة، فإن السعودية تؤدي حالياً دوراً مهماً في ممارسة الضغوط على القيادة الفلسطينية لإرغامها على خفض سقف توقعاتها ومطالبها في أية تسوية للصراع مع إسرائيل.
وأشارت الدراسة إلى بعض التحولات الرئيسة في موقف السعودية من القضية الفلسطينية، موضحةً أن السعودية لم تعد تطالب بحل "عادل" للقضية الفلسطينية وباتت تنادي بحل "منطقي". كما أشارت إلى أن الرياض لم تعد تؤيد حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة "بل تدعو لحل يكون مقبولاً لدى الفلسطينيين وإسرائيل". ولفتت إلى أن السعودية لم تعد تربط تطبيع العلاقات مع إسرائيل بحل القضية الفلسطينية، بل "بحدوث انطلاقة في المفاوضات الهادفة لحل الصراع".
وأوضحت الدراسة أن السعودية تلمح لإسرائيل بأنه في حال قامت بإبداء بعض بوادر حسن النية تجاه الفلسطينيين، مثل تجميد جزئي للاستيطان، فإن الرياض بإمكانها أن تقدم على خطوات أخرى على صعيد تطوير التطبيع.
وأعادت الباحثة للأذهان ما قاله ولي العهد السعودي في اللقاء الذي جمعه بعدد من القادة اليهود الأميركيين خلال زيارته الأخيرة للولايات المتحدة، لا سيما اتهامه للقيادات الفلسطينية المتعاقبة "بإهدار فرص التوصل لتسوية للصراع وأنه آن الأوان أن يقبل القادة الفلسطينيون الاقتراحات التي تعرض عليهم أو أن يتوقفوا عن إبداء التذمر".
وأشارت إلى أن توجيه بن سلمان الانتقادات للفلسطينيين في وجود القيادات اليهودية "يعد سابقة"، على اعتبار أن السعوديين كانوا يحرصون على توجيه الانتقادات سراً.
وعلى الصعيد الاقتصادي، لفتت الدراسة إلى أن السعودية يمكن أن تسمح للمنتوجات والقوى العاملة الإسرائيلية بالانخراط في السوق السعودي، ما سيمثل إسهاماً هائلاً للاقتصاد الإسرائيلي، لا سيما في حال أقدمت دول أخرى على فتح أسواقها أمام المنتجات الإسرائيلية. ولفتت إلى أن أي توجه لتحسين العلاقة مع إسرائيل يتناقض مع توجهات قطاعات واسعة من السعوديين، الذين يرون في العلاقة بين تل أبيب والرياض "خيانة للقضية الفلسطينية وتسهم فقط بمنح أعداء النظام السعودي سلاحاً دعائياً ضد نظام الحكم".
وأشارت إلى أن العائلة المالكة في الرياض التي تعي توجهات الغالبية العظمى من السعوديين تحاول بين الفترة والأخرى أن تقنع السعوديين بأنها لا تريد "بيع الفلسطينيين من خلال دفع التطبيع مع إسرائيل قدماً".
وتجزم الدراسة بأن القضية الفلسطينية "لم تكن في يوم من الأيام على رأس أولويات السعودية، لكنها ظلت عنصراً يؤخذ بعين الاعتبار في كل ما يتعلق بتوجهات نظام الحكم لتعزيز علاقته بإسرائيل".
وحسب يعاري، فإن الكثير من نقاط التحول الفارقة في التاريخ الحديث قد شهدت التقاء مصالح بين السعودية وإسرائيل لكنها لم تسفر عن تحول كبير في طابع العلاقة الظاهرية بين الطرفين "وذلك بسبب مخاوف النظام من ردة فعل عربية تسهم بالمس بصورة العائلة المالكة وبمكانة السعودية الدينية كحارسة للأماكن الإسلامية المقدسة".
واستدركت الدراسة بأنه على الرغم من النوايا السعودية، إلا أن الرياض غير قادرة على إلزام أية قيادة فلسطينية بالتنازل عما تعتبره "حقوقاً تاريخية ووطنية" للشعب الفلسطيني. وأضافت أن ما يزيد الأمور تعقيداً أمام نظام الحكم في الرياض حقيقة أن حكومة اليمين المتطرف في تل أبيب لا تبدي استعداداً لتقديم بوادر حسن النية للفلسطينيين التي يمكن أن تساعد هذا النظام على تبرير تطبيع العلاقات مع تل أبيب.
وشددت على أن طابع الحكومة الإسرائيلية الحالية والتوجهات المتطرفة للأحزاب والحركات المشاركة فيها تجعل من المستحيل توفير بيئة سياسية تزيل الحرج عن السعودية وتسمح لها باستغلال الطاقة الكامنة في العلاقة مع تل أبيب. وحذرت من أن يخيّب نتنياهو آمال القيادة السعودية مجدداً ويحرجها من خلال الانسحاب من التعهدات التي يقدمها من وراء الكواليس بشأن استعداده للقيام بخطوات على صعيد حل الصراع مع الفلسطينيين.