انطلقت في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، اليوم السبت، فعاليات الاجتماع الفني الـ18 للجنة سد النهضة بحضور وزراء المياه في مصر والسودان وإثيوبيا، وسط غضب مصري مكتوم بسبب ما يصفه دبلوماسيون ومراقبون مصريون بالمراوغة من جانب إثيوبيا.
وقال المتحدث باسم وزارة الري المصرية، حسام الإمام، إن اليوم شهد انطلاق الاجتماع الفني لسد النهضة، بحضور الثلاثة، مشيراً إلى أن الاجتماع "محاولة لتحريك المياه الراكدة، ودفع خطى المسار الفني الذي شهد تعثراً".
في المقابل، رأى وزير ري مصري سابق، تحفظ عن ذكر اسمه لـ"العربي الجديد"، الاجتماع الذي دعت له أديس أبابا، كبديل عن الاجتماع التساعي الذي انعقدت أولى جولاته، يومي 4 و 5 إبريل/نيسان الماضي، "كنوع من المراوغة لامتصاص الغضب المصري، وتجميد أي خطوات تصعيدية دولية في الوقت الراهن على الأقل، خاصة بعدما رفضت إثيوبيا تلبية دعوة مصرية للاجتماع في القاهرة في 20 إبريل الماضي، على مستوى وزراء الخارجية والري ومديري المخابرات".
وأوضح الوزير السابق أنّ "إثيوبيا تريد القفز على الدراسات الفنية للسد، والتي تؤكد تضرر مصر من الشكل الحالي للسد الذي تبنيه، وانتهت من 66 بالمائة من إنشاءاته، لذلك ترغب في إحياء مسار المفاوضات الفنية بعيداً عن تقرير المكاتب الاستشارية الفرنسية".
وأضاف: "نظراً للموقف الضعيف الذي يتواجد به المفاوض المصري فلا يملك إلا أن يقبل بتلبية دعوة الاجتماع، على أمل التوصل لحل من خلال الجلوس على مائدة واحدة بين الأطراف الثلاثة".
وكانت الجولة الـ17 من المشاورات الفنية قد انعقدت في القاهرة في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، على مستوى وزراء المياه الثلاثة، حيث بحثت التقرير الاستهلالي، تمهيداً لبدء الدراسات الفعلية الفنية للسد.
وفشلت وقتها تلك الجولة بعدما أعلنت كل من السودان وإثيوبيا رفضها التوقيع بالموافقة على التقرير، ليخرج الوزير المصري وقتها معلناً فشل تلك الجولة.
وينص المبدأ الخامس، في اتفاق المبادئ الموقع بين زعماء الدول الثلاث في مارس/آذار 2015 بالخرطوم، على ضرورة إجراء الدراسات الفنية الخاصة بتوضيح الآثار المترتبة على بناء سد النهضة على مصر وبعدها يتم ملء خزان السد لتشغيله"، إلا أن إثيوبيا بحسب الوزير المصري السابق، تحاول التملص من ذلك البند، بالتأكيد على أن عملية الملء ستبدأ بشكل تجريبي فقط في الوقت الراهن، وأنه لا يوجد في اتفاق المبادئ أي بند ملزم يربط بين الملء التجريبي للسد، وانتظار تقرير الآثار الناجمة عن السد.
ويأتي اجتماع وزراء المياه الثلاثة في إثيوبيا اليوم، بعد يومين من اجتماع رئيس السودان عمر البشير برئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد، حيث أكد البشير على أن بلاده تتفق تماماً مع إثيوبيا فيما يتعلق بسد النهضة، وأن حصة مصر من مياه نهر النيل لن تتأثر بإنشائه، فيما قال رئيس وزراء إثيوبيا، إن بلاده تعمل على خفض الجوانب السلبية لسد النهضة في محاولة لعدم الإضرار بمصالح الدول الصديقة.
وأضاف أبي أحمد، خلال مؤتمر أعقب اجتماعه مع الرئيس السوداني، الخميس الماضي، في الخرطوم، "الأمر الأكثر أهمية هو خفض الجانب السلبي للمشروع، ونحن نعمل على ذلك لحماية مصالح الدول الصديقة"، متابعاً "ليس لدينا أي نية للإضرار بالسودان أو مصر".
بينما أكّد البشير أن بلاده تتفق تماماً مع إثيوبيا فيما يتعلق بسد النهضة، قائلاً "نحن متوافقون تماما مع إثيوبيا منذ أن كان سد النهضة فكرة، وتبين لنا أن آثار السد الموجبة أكثر من السالبة".
يأتي هذا في الوقت الذي قال فيه مسؤول دبلوماسي مصري مطلع على ملف أزمة السد في وزارة الخارجية المصرية، إنّ "إثيوبيا بدأت مرحلة جديدة من المراوغة تسعى خلالها، لتحويل كافة النقاط الملزمة سواء في الاتفاقات الجديدة أو الاتفقيات التاريخية إلى مجرد نصوص توافقية وتقديرية دون الالتزام الكتابي".
وأكّد المسؤول عينه، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "خلال الاجتماعات الأخيرة يؤكد الجانب الإثيوبي أنه لن يقبل بأن تتضرر مصر من جراء السد، وفي الوقت نفسه لا يرغب في انتظار الدراسات الفنية للآثار السلبية، كما أنه في المحادثات يؤكد أنه لن تتأثر تدفقات المياه القادمة لمصر من النيل، في حين يرفض الاعتراف بحصة مصر التاريخية من النهر بدعوى عدم اعترافه باتفاقية 1959".
واستطرد المسؤول الدبلوماسي، قائلاً إنه "في نوفمبر الماضي رفضت إثيوبيا المفاوضات الفنية بين وزراء المياه، واليوم هي نفسها التي عادت للمطالبة بعقد اجتماع فني، بعدما طالبت مصر بمفاوضات فنية دبلوماسية سياسية"، مبيناً أنّ "القاهرة تدرك جيداً أن تحركات أديس أبابا تأتي في سياق كسب الوقت والمماطلة لحين الانتهاء من البناء".
وكشف المصدر المصري أن "هناك نقطة محددة وتوقيتا محددا بالنسبة لنا في مصر إذا وصلنا لهما دون أن نكون توصلنا لحل يرضي كافة الأطراف وقتها ستلجأ القاهرة للخطة البديلة التي لن يكون بعدها مفاوضات".
يذكر أنه في مايو/أيار 2013، أوصت أول لجنة دولية لدراسة آثار بناء السد، بإجراء دراسات هندسية تتعلق بارتفاع السد وسعة تخزينه، ومائية تتعلق بنسب التسرب. وبدأت الخطوات الفعلية لإجراء الدراسات في أغسطس/آب 2014.