باعتبار أن الإنسان بتشكّلاته الثقافية هو موضوعها، كانت الأنثروبولوجيا دائماً ميداناً معرفياً يتيح إمكانيات موسّعة لبروز الجانب الذاتي، فالأنثروبولوجي وهو يرصد ثقافة يعيش مغامرة لا يمكن أن تنطلق إلا من تجاربه الذاتية وثقافته الأصلية.
إلى جانب تخصّصه في دراسة الجسد كظاهرة ثقافية، يعدّ الأنثروبولوجي الفرنسي دافيد لو بروتون (1953) أحد أكثر الباحثين في هذا المجال كشفاً لتجربته الشخصية حيث يمزج دراساته ببعد شخصيّ، بل إنه يدخل أحياناً في ما يشبه السيرة الذاتية وهو يمارس نشاطه الأنثروبولوجي.
بداية من اليوم يزور لو بروتون المغرب حيث ألقى محاضرتين، الأولى في "كلية الآداب والعلوم الإنسانية" في الرباط والتي تتقاطع مع الجانب السِيري بقوة، حيث تحمل المحاضرة عنوان "أنثروبولوجيا الجسد: مسار باحث".
كما قدّم الباحث الفرنسي قبلها محاضرة أخرى "المعهد الجامعي للبحث العلمي" بعنوان "تجربة الألم: مقاربة أنثروبولوجية"، علماً أنه قدّم في السنة المنقضية سلسلة محاضرات في المغرب بعنوان "سياسات الجسد".
خلال مسيرته العلمية، قدّم لو بروتون أكثر من 25 مؤلّفاً كان أوّلها كتابه "الجسد والمجتمع" (1985) قبل أن يقحم البحث الأنثربولوجي في زوايا لم يتطرّق لها من قبل مثل أعمال حول علاقة الإنسان بالمخاطر أو تلك التي يخصّصها إلى ثقوب الجسد، وأعمال أخرى تتناول المشي أو الموت في حوادث الطرقات.