يتحدث ضباط أمنيون، لـ"العربي الجديد"، عن كون تنظيم "داعش" انسحب من جردي عرسال والقلمون (السورية) نتيجة الكثير من العوامل، أبرزها الضغط العسكري الذي تقوم به وحدات الجيش اللبناني على المسلحين في الجرود، أو الأهم المتمثل بكل ما يشاع ويتم التسويق له عن اقتراب موعد انطلاق "معركة الربيع" بقيادة حزب الله لتحرير القلمون من المجموعات المسلحة. تترك هذه الرواية الأمنية الدولة اللبنانية وأجهزتها في حالة إرباك شديد حيال العسكريين المخطوفين ومصيرهم ومصير المفاوضات. فلا تزال الاستخبارات اللبنانية عاجزة عن تحديد ما حلّ بهم وما إذا كان "داعش" قد نقلهم معه إلى الداخل السوري أو مضى في خيار آخر. يمكن لرواية انسحاب المقاتلين أن تفسّر انقطاع التواصل بين الدولة والتنظيم، في حين تشير مصادر محلية في عرسال إلى أنّ "داعش كان يعاني في الأشهر الأخيرة من الضعف اللوجستي، في تأمين الطعام والمحروقات لمقاتليه في الجرد، عكس ما هو حاصل مع مقاتلي النصرة الذين لا تزال إمداداتهم العسكرية قادرة على تأمين حاجياتهم". وتضيف هذه المصادر أنّ انسحاب "داعش" لم يتم بشكل كامل "ولا تزال مجموعات تابعة للتنظيم موجودة في جرد عرسال وهي تحافظ على حاجز لها يبعد أقل من مئتي متر عن نقاط انتشار الجيش اللبناني في منطقة وادي حميد (شمال شرقي عرسال)".
يقود هذا الواقع الميداني إلى القول إن تنظيم الدولة الإسلامية، بالحد الأدنى، يعيد تموضعه في الجرد بين عرسال والقلمون، مع تأكيد أهالي البلدة على أنّ الضربات الصاروخية والمدفعية التي نفذها الجيش في الأيام الماضية أزعجت المسلحين ولو أنّ هذا الانزعاج العسكري غير كافٍ لدفعهم إلى ترك أماكن انتشارهم أو القيام بردود فعل ميدانية.
اقرأ أيضاً: لبنان: أجواء التشاؤم تسيطر على ملف مفاوضات الجنود المخطوفين
وفي هذا الإطار، يقول رجال دين متابعون لأحوال المقاتلين الإسلاميين وأجوائهم، لـ"العربي الجديد"، إنّ "مجموعات داعش تنسحب من جرد القلمون إلى الداخل السوري باتجاه ريف حمص"، مشيرين إلى أنّ هذا القرار قد اتّخذ منذ مدة. ويشير هؤلاء إلى أنّ "القوى الكبرى من التنظيم انسحبت باتجاه حمص تمهيداً لتفعيل تواجده في تلك المنطقة التي له في الأساس تواجداً مقبولاً وجيّداً فيها ضمن المجموعات المعارضة للنظام السوري". ويذكّر أحد رجال الدين الإسلاميين بتجربة انسحاب داعش من ريف اللاذقية (الساحل السوري)، خلال الهجوم الذي شنّته مجموعات إسلامية ومن الجيش على الحرّ على الساحل السوري منتصف مارس/ آذار الماضي. وللتذكير فقط، فإنّ داعش في اللاذقية أوقف القتال بوجه قوات النظام السوري ودخل في معارك مع فصائل المعارضة، الإسلامية والمعتدلة، الأمر الذي أضعف المعركة في معقل نظام البعث وآل الأسد تحديداً. ويتخوّف المصدر نفسه من تكرار داعش لهذا السيناريو اليوم في ريف حمص، الذي يزال يشكل خاصرة مهمة للنظام تربط الساحل بالعاصمة دمشق، وتسيطر المجموعات المعارضة على جزء منه.
في الوقت نفسه، ينفي هؤلاء علمهم بأي معلومة تطال العسكريين المخطوفين لدى داعش، مشيرين إلى أنّ عملية نقل المخطوفين في الجرود خطرة وصعبة، باعتبار أنّ المسافة لا تقلّ عن عشرين كيلومتراً من المناطق الوعرة والمراقبة بحزم من جيش النظام وقوات حزب الله. لذا، لا يستبعد المتحدثون أنّ يكون داعش قد ترك المخطوفين بعهدة مجموعات صغيرة تابعة له لا تزال في عرسال، وربما هي التي تقوم بإعادة التموضع السريع بحثاً عن نقاط انتشار آمن لها وللمخطوفين الثمينين لديها.
وكان كل من تنظيم "داعش" وجبهة النصرة قد اختطفا العسكريين اللبنانيين في أغسطس/ آب الماضي، ودخلت الحكومة على خط المفاوضات منتصف ديسمبر/ كانون الأول الماضي. مضت أربعة أشهر أولى من المراوحة وأربعة أشهر أخرى تقول فيها الحكومة إنها تعمل وتفاوض، لكن من دون أي تقدم ملموس. فأعدم الخاطفون أربعة جنود عاد جثمان آخرهم، علي البزال، قبل أيام إلى أهله وبلدته ومؤسسته العسكرية.
صعّد أهالي المخطوفين قبل أيام تحركهم احتجاجاً على الضياع الذين يعيشون فيه، فتوالت الوعود الرسمية عليهم من جديد، ولو أنّ الأهالي يحتفظون بأوراق الضغط في الشارع وفي قطع الطرقات ويهددون بها إلى اليوم. حصل هذا التصعيد نتيجة وصول معلومات لذوي العسكريين تتحدث عن توقف المفاوضات بين الدولة والخاطفين، فسألوا المعنيين عن سير الملف ولم يحصلوا على أي ردّ. وفي هذا الإطار، تقول مصادر مطلعة على ملف المخطوفين، لـ"العربي الجديد"، إنّ "ما بات مؤكداً أنّ المفاوضات متوقفة مع داعش، وتسير لكن ببطء مع النصرة". وكان آخر نتائج التواصل مع الجبهة إعادة المسلحين جثمان البزال من دون أي معلومات إضافية.
اقرأ أيضاً: لوائح رصد لـ"داعش" في عرسال: استنساخ عمل استخبارات البعث