01 أكتوبر 2022
داعش يخسر المباهلة
حدثت، في مارس/ آذار 2014، واقعة شهيرة في الأوساط الجهادية، إذ دعا أبو محمد العدناني، المتحدث باسم تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، خصمه أبوعبدالله الشامي، عضو اللجنة الشرعية لجبهة النصرة، إلى التحدّي الإسلامي الأكبر: المباهلة.
كان العرب قبل الإسلام يعرفون هذا التحدّي المرعب، ثم جاءت آيات القرآن تأمر الرسول به، حيث يقف الطرفان ليسرد كل منهما حججه، ثم يبتهل كلاهما إلى الله أن يجعل لعنته على الكاذب.
في تسجيله الصوتي "ثم نبتهل، فنجعل لعنة الله على الكاذبين" سرد العدناني عشرات التهم المُوجهة إلى تنظيمه، ثم كرّر: "اللهم من كان كاذباً فاجعل عليه لعنتك، وأرنا فيه آية". وبعدها أصدر كلمة أخرى مخصصة لمهاجمة القاعدة، وأنهاها بتكرار استمطار اللعنات: "اللهمَّ إنْ كانَتْ هذهِ الدولةُ دولةَ خوارِج، فاقصُم ظهرَها، واقتُل قادتَها، وأَسْقِطْ رايتَها".
خلال الفترة التالية التي شهدت صعود "داعش" السريع، وشهدت سقوط معاقل "النُصرة" في دير الزور وغيرها، كان أنصار التنظيم يردّدون شامتين إن أعداءهم "أصابتهم مباهلة العدناني". لكن الحروب دوارة، سُرعان ما دخلت "داعش" دوامة الهزائم، خسرت 22% على الأقل من أراضيها حسب مركز IHS، وقُتل أبرز قادتها، الأنباري والشيشاني والتركماني والقحطاني، وفي الأسبوع الماضي قُتل العدناني، ما دفع منافسي التنظيم إلى أن يقولوا إن المباهلة أصابت العدناني نفسه.
بعيداً عن التفسيرات الغيبية، كانت أفعال تلك الدولة المزعومة نموذجاً عجيباً لاستمطار اللعنات سياسياً، على الرغم من إمكانية تجنبها. داخلياً، كان يمكن للتنظيم أن يستمر بأسلوبه الأول، حيث لا يحارب الفصائل الأخرى بشكل صريح، وحيث يركز على المظالم التي تعرّضت لها طائفته من السنة ضد الأعداء المشتركين من الشيعة، لكنه اختار استعداء الجميع، بما فيهم "اخوة المنهج"، وكذلك اختار أكثر الطرق تشدّداً لقمع السكان المحليين.
خارجياً، كان يمكن للتنظيم أيضاً عدم استعداء العالم، خصوصاً أن الغرب لم يكن يُبدي أي نيةٍ للتدخل في سورية، سواء لانخفاض أهمية منطقة الشرق الأوسط كلها لأسبابٍ عديدة، أو لأسبابٍ أكثر تآمرية، كالاستفادة من تجارة السلاح، أو توفير بيئةٍ للمتطرفين الصينيين والروس، كما حدث في نموذج أفغانستان، لكن التنظيم هو من اختار إعدام رهينة غربي تلو الآخر، واختار سبي الأزيديات، والتوعد بفتح روما والعالم كله.
للمفارقة، كان لهجمات تنظيم داعش على أوروبا دور رئيسي في تصعيد الحرب ضده، والتي لم تبدأ بالجدية الكافية. وقد أظهر تقرير لـ "بي بي سي" في ديسمبر/ كانون الأول 2015 أن التحالف الدولي يقصف "داعش" بمعدل طلعتين فقط في الساعة، وهو معدل أقل من قصف صربيا عام 1999 بمعدل خمس طلعات في الساعة، وتتسع الفجوة بالمقارنة بحرب العراق 2003 حيث المعدل 40 طلعة.
ربما كان بعض الساسة الغربيين يفضل استخدام "داعش" في تخويف شعوبهم لإعادة انتخابهم، لكن ما حدث هو العكس، تم اعتبارهم فاشلين، وصعدت التيارات اليمينة رد فعل. لذلك، أصبحوا في أمس الحاجة لإثبات نجاحهم بسرعة.
كان من أقوى أسلحة التنظيم سابقاً تناقضات أعدائه، فهو العدو رقم 2 لكل منهم، وكانت أقوى أسلحته لجذب الأنصار الجدد هي شرعية الإنجاز، زهو القوة على الأرض وفي الإصدارات، وهو ما يخسره الآن بسرعة.
قبل أن يُقتل العدناني، كانت لهجته قد بدأت تتغير. الرجل الذي كان قبل عام يتوعد كل الفصائل بأن مصيرهم "رصاصة في الرأس فالقة أو سكين في العنق حاذقة"، أصبح يقول مُجهزاً أنصاره لخسارة كل شيء: "هل هزمنا عندما خسرنا المدن في العراق، وأصبحنا في الصحراء من دون مدينة ولا أرض؟ وهل سنهزم وهل ستنتصرون إذا استوليتم على الموصل أو سرت أو الرقة، أو حتى استوليتم على كل المدن؟ كلا بالتأكيد".
لا أهمية عسكرية خاصة لجبال سنجار، لكن سبب غزوها كان معتقدات أيديولوجية تطهرية بلا عقل. سنن الحياة والسياسة لا تجامل أحداً، حتى لو كان بقوة "داعش" وفصاحة العدناني، ومن يستمطر اللعنات فستأتيه.
كان العرب قبل الإسلام يعرفون هذا التحدّي المرعب، ثم جاءت آيات القرآن تأمر الرسول به، حيث يقف الطرفان ليسرد كل منهما حججه، ثم يبتهل كلاهما إلى الله أن يجعل لعنته على الكاذب.
في تسجيله الصوتي "ثم نبتهل، فنجعل لعنة الله على الكاذبين" سرد العدناني عشرات التهم المُوجهة إلى تنظيمه، ثم كرّر: "اللهم من كان كاذباً فاجعل عليه لعنتك، وأرنا فيه آية". وبعدها أصدر كلمة أخرى مخصصة لمهاجمة القاعدة، وأنهاها بتكرار استمطار اللعنات: "اللهمَّ إنْ كانَتْ هذهِ الدولةُ دولةَ خوارِج، فاقصُم ظهرَها، واقتُل قادتَها، وأَسْقِطْ رايتَها".
خلال الفترة التالية التي شهدت صعود "داعش" السريع، وشهدت سقوط معاقل "النُصرة" في دير الزور وغيرها، كان أنصار التنظيم يردّدون شامتين إن أعداءهم "أصابتهم مباهلة العدناني". لكن الحروب دوارة، سُرعان ما دخلت "داعش" دوامة الهزائم، خسرت 22% على الأقل من أراضيها حسب مركز IHS، وقُتل أبرز قادتها، الأنباري والشيشاني والتركماني والقحطاني، وفي الأسبوع الماضي قُتل العدناني، ما دفع منافسي التنظيم إلى أن يقولوا إن المباهلة أصابت العدناني نفسه.
بعيداً عن التفسيرات الغيبية، كانت أفعال تلك الدولة المزعومة نموذجاً عجيباً لاستمطار اللعنات سياسياً، على الرغم من إمكانية تجنبها. داخلياً، كان يمكن للتنظيم أن يستمر بأسلوبه الأول، حيث لا يحارب الفصائل الأخرى بشكل صريح، وحيث يركز على المظالم التي تعرّضت لها طائفته من السنة ضد الأعداء المشتركين من الشيعة، لكنه اختار استعداء الجميع، بما فيهم "اخوة المنهج"، وكذلك اختار أكثر الطرق تشدّداً لقمع السكان المحليين.
خارجياً، كان يمكن للتنظيم أيضاً عدم استعداء العالم، خصوصاً أن الغرب لم يكن يُبدي أي نيةٍ للتدخل في سورية، سواء لانخفاض أهمية منطقة الشرق الأوسط كلها لأسبابٍ عديدة، أو لأسبابٍ أكثر تآمرية، كالاستفادة من تجارة السلاح، أو توفير بيئةٍ للمتطرفين الصينيين والروس، كما حدث في نموذج أفغانستان، لكن التنظيم هو من اختار إعدام رهينة غربي تلو الآخر، واختار سبي الأزيديات، والتوعد بفتح روما والعالم كله.
للمفارقة، كان لهجمات تنظيم داعش على أوروبا دور رئيسي في تصعيد الحرب ضده، والتي لم تبدأ بالجدية الكافية. وقد أظهر تقرير لـ "بي بي سي" في ديسمبر/ كانون الأول 2015 أن التحالف الدولي يقصف "داعش" بمعدل طلعتين فقط في الساعة، وهو معدل أقل من قصف صربيا عام 1999 بمعدل خمس طلعات في الساعة، وتتسع الفجوة بالمقارنة بحرب العراق 2003 حيث المعدل 40 طلعة.
ربما كان بعض الساسة الغربيين يفضل استخدام "داعش" في تخويف شعوبهم لإعادة انتخابهم، لكن ما حدث هو العكس، تم اعتبارهم فاشلين، وصعدت التيارات اليمينة رد فعل. لذلك، أصبحوا في أمس الحاجة لإثبات نجاحهم بسرعة.
كان من أقوى أسلحة التنظيم سابقاً تناقضات أعدائه، فهو العدو رقم 2 لكل منهم، وكانت أقوى أسلحته لجذب الأنصار الجدد هي شرعية الإنجاز، زهو القوة على الأرض وفي الإصدارات، وهو ما يخسره الآن بسرعة.
قبل أن يُقتل العدناني، كانت لهجته قد بدأت تتغير. الرجل الذي كان قبل عام يتوعد كل الفصائل بأن مصيرهم "رصاصة في الرأس فالقة أو سكين في العنق حاذقة"، أصبح يقول مُجهزاً أنصاره لخسارة كل شيء: "هل هزمنا عندما خسرنا المدن في العراق، وأصبحنا في الصحراء من دون مدينة ولا أرض؟ وهل سنهزم وهل ستنتصرون إذا استوليتم على الموصل أو سرت أو الرقة، أو حتى استوليتم على كل المدن؟ كلا بالتأكيد".
لا أهمية عسكرية خاصة لجبال سنجار، لكن سبب غزوها كان معتقدات أيديولوجية تطهرية بلا عقل. سنن الحياة والسياسة لا تجامل أحداً، حتى لو كان بقوة "داعش" وفصاحة العدناني، ومن يستمطر اللعنات فستأتيه.