داعش ومسلمو فرنسا

07 ديسمبر 2014
+ الخط -
من الصعوبة تحديد هؤلاء المنضوين تحت التيارات المتطرفة، والذين يقاتلون فرنسا والغرب في أفريقيا وفي الشرق الأوسط، لأنهم لا يشكلون جسماً واحداً. فهناك أجانب أو مهاجرون ومتحدرون من الهجرة وآخرون فرنسيون، من أصول عربية وإسلامية، وآخرون فرنسيون أو أوروبيون اعتنقوا الإسلام. 

كان من السهل على أجهزة الأمن أن تَعتقل مواطناً أجنبيّاً أو مهاجراً مقيماً على الأراضي الفرنسية بصفة قانونية لدى عودته من الشرق الأوسط أو من مالي وتشتبه بمشاركته في عمليات قتالية، أو في استعداده للسفر إلى مناطق ساخنة، أو في تعبئته مقاتلين وإرسالهم، وتطرده إلى بلده الأصلي. وقد فعلت، وأحياناً تسرّعت في الأمر فارتكبت أخطاء اضطر القضاءُ الفرنسي إلى تصحيح بعضها والسماح للمُبعَدين بالعودة. 

ولكن الأمر يأخذ أبعاداً أصعب حين يتعلق الأمر بفرنسيين من أصول مهاجرة (من الجيل الثالث للهجرة، ولا يعرفون بلداً آخر غير فرنسا)، أو بفرنسيين "غاليين" gaulois. فما هو الحل مع هؤلاء؟ 

الحكومة الاشتراكية الحالية ترى أن لا حل سوى إعادة تأهيلهم، دينيّاً واجتماعيّاً، وهو رأي أكّده لـ"العربي الجديد" يوسف بوسوماح، القيادي في "حزب أهالي الجمهورية"، حين قال مستذكراً ما يقوله المفكر، طارق رمضان، عن الموضوع: "ماذا يقول طارق رمضان غير أن "الشباب في فرنسا يمكن أن يكونوا مسلمين ومواطنين في الآن نفسه".

وهذا ما لا يُسمَح لهم به. وفي الوقت الذي كان فيه كثير من هؤلاء الشباب يتساءلون عن الاختيار بين المُواطَنة والدين، جاء طارق رمضان ليقول لهم: "يمكنكم أن تفعلوا هذه الأشياء مجتمعة، أي المواطنة وممارسة العقيدة، وأيضاً الانخراط في العمل السياسي". 

وأكّد بوسوماح في حديثه لـ"العربي الجديد" أنه لا يمكن لأي عاقل يؤمن بالعيش المشترك والمواطنة الحقيقية إلا أن يحارب داعش وتفريعاتها، مضيفاً، أن مشكل تنظيم داعش في فرنسا مشكل فرنسي، في المقام الأول، لأن من يتتبع كيف تتعامل السلطات والنُّخَب الحاكمة في فرنسا، خصوصاً جناحها العلمانوي المتطرف، مع الدين الإسلامي، في شقه الأغلبي، من خلال الوصم والتضييق وإنتاج القرارات البرلمانية المجحفة، من حين لآخر، في حقّ الحجاب في المدارس وحرمان التلميذات المحجبات من الدراسة ومنع أمهاتهن المحجبات من مرافقة أبنائهن خارج المدرسة والتضييق على تشييد المسلمين المساجد "ظاهرة شفافة ومفتوحة على مصراعيها" تعوّض الأقبية المغلقة، لا يمكنه سوى أن يستنتج أن الظروف، مجتمعةً، تساعد على الإقصاء، وعلى إنتاج الأزمات وردود الأفعال المتهورة، أي خلق البيئة الحاضنة لكلّ الأفكار الهدّامة والمتطرفة والعنفية". 

من جهتها أكدت حليمة بومدين النائبة في البرلمان الأوربي والعضو السابق في مجلس الشيوخ لـ"العربي الجديد" إنها تعايش قضايا الهجرة منذ السبعينيات من القرن الماضي وكتبت عنها الكثير، كما شاركت في "المسيرة الطويلة" لأبناء الجيل الثاني من الهجرة من أجل حقوق المواطنة والاندماج الحقيقي، وكان يتملكها أملٌ ما إثر صعود فرانسوا ميتران إلى السلطة سنة 1981، واكتشفت فشل كل السياسات الحكومية، يسارية ويمينية. 

"لا أحد يمكنه أن يَقبَل بهذه الظاهرة، ظاهرة داعش، في فرنسا وفي غيرها من أقطار العالَم"، هذا ما صرح به لـ"العربي الجديد" السوسيولوجي، علي بوكبّوس، وهو يضع اللمسات الأخيرة على كتابه الذي يُقارِن فيه بين النزوع الإصلاحي عند المفكر الجزائري الفرنكوفوني الراحل، مالك بن نبي، وبين المفكر، طارق رمضان، الذي ينادي بإسلام أوروبي متحرر من كل التأثيرات. 

ولكن تأثير داعش على مسلمي فرنسا لم يأت من فراغ، كما يقول السوسيولوجي، بوكبّوس، الذي يُكرّس فصولاً طويلة من كتابه لإظهار أن على الجالية العربية الإسلامية أن تتوقع، مع كل مظاهر نجاح واستقرار، عقباتٍ في وجهها، "أَلَمْ يتهم وزير الداخلية الفرنسي، السابق، نيكولا ساركوزي، صراحة، في انتفاضة الضواحي الشهيرة سنة 2005، متطرفين إسلامويين بإثارة القلاقل، وثبت أن الأمر غير صحيح! كان الأمر يتعلق بشباب ضائع، لا شغل له، ولا تُعيرُهُ الدولة أي انتباه، في أحياء بأكملها، يُسيِّرُها اقتصاد مواز، يستثمر أموال الجريمة والمخدرات". 

حلول ممكنة 
وماذا عن الحلول المقترحة في هذا الباب؟ 

فإذا كان عدد الفرنسيين المنضوين في الشبكات الجهادية، كما ترى مصادر الأمن الفرنسية، يقترب من 1150 شخصاً، فإن الحلّ كما يرى بوكبّوس هو الوقاية والتربية وتدخُّل أجهزة الدولة الحقيقي لمساعدة مواطنيها قبل فوات الأوان.

وهو رأي تذهب إليه السيدة سونيا إملول، مسؤولة "بيت الوقاية والعائلة"، التي تعترف أن ظاهرة التطرف الحالية ليست جديدة عليها، إذ تتبعت، في بداية التسعينيات من القرن الماضي، حالات أشخاص قلقين من معارفها ومن الحي الشعبي الذي تقيم فيه تحولت حيواتُهُم إلى جحيم. 

وإذا كان وزير الداخلية الفرنسي، برنارد كازينوف، الذي استشعر خطر هذه الظاهرة، ليس فقط على عائلات هؤلاء المُغرَّر بهم، بل حتى على السلم الأهلي في فرنسا، قد طلب من مختلف أجهزة وأقسام وزارته تخيّل وابتكار إجراءات تساعد على "نزع وتفكيك النزوع الراديكالي ومرافقة العائلات" لكل الأشخاص المعنيين، ودرس كل حالة على حدة، وهو ما يستلزم طلب المساعدة من أطباء نفسانيين ومن متخصصين في محاربة الطوائف الدينية المشبوهة، فإن السيدة سونيا إملول تشدّد على "ضرورة إرساء الحوار والإنصات، لأنهما أفضل سلاح لتحسيس الشخص الغارق في راديكاليته وللخروج من التعصب والانفتاح على العالَم الذي يحيط به" 

مقترحات اليمين الفرنسي 
ماذا يقترح سياسيو اليمين لمعالجة الظاهرة؟ 

يتفرد النائب البرلماني، إيريك سيوتي، من حزب "الاتحاد من أجل حركة شعبية" (الذي يترأسه نيكولا ساركوزي) بمواقفه المتطرفة. فهذا النائب الذي يرى مخاطر وسلبيات الهجرة في كل شيء وفي كل مكان، لا يتردد في المطالبة بـ"تصفية هؤلاء الجهاديين الفرنسيين، من أصحاب الجنسية المزدوجة، وحتى من الفرنسيين "الأصيلين" هناك، في الشرق الأوسط، في ساحة الحرب"، أي من دون السماح لهم بالعودة إلى فرنسا. ويقترح "فتح مراكز اعتقال احتياطي لمن يفكر في السفر للقتال هناك". 

وأمام استحالة تنفيذ هذا الحلم الذي يسكن عقل إيريك سْيُوتي، فهو يُصرّ، مثل مارين لوبين، رئيسة حزب الجبهة الوطنية المتطرف، وسياسيين يمينيين آخرين، على إصدار قانون التجريد من الجنسية الفرنسية لكل من ثبت ضلوعه في القتال مع الجماعات المتطرفة. وإذا كان يستحيل، في الوقت الراهن، على الأقل، إصدار هذا القرار، فإن سيوتي "المتفائل" يقرأ في الترسانة القانونية الفرنسية الموجودة ما يسمح بالبدء في طرد الحاصلين على الجنسية الفرنسية من هؤلاء المقاتلين. 
يصرح سيوتي: "القانون واضح، الأمر ممكن. البند رقم 25 من القانون المدني يسمح صراحة بتنفيذه حينما يتعلق الأمر بأعمال إرهابية". 

ولكن النائب يتناسى ما يستتبع الفقرة: "... بشرط ألا يساهم الطرد في خلق حالات أناس لا وطن لهم"، وإذن يتوجب على المتهم أن يتوفر على الأقل على جنسية إضافية مغربية أو جزائرية أو غيرهما. 

والحصيلة هي أنه يمكن اللجوء إلى التجريد من الجنسية، كما يقول وزير الداخلية، ولكن تحت شروط معينة، ويعترف أنه منذ سنة 2012 تم اللجوء إلى حالة واحدة، ولكن ليس لأسباب متعلقة بالإرهاب. 

ولا تريد الحكومة الفرنسية الحالية إلا الوصول إلى إقرار هذا الحل "الراديكالي"، الذي يلعب على وتره اليمين واليمين المتطرف، في لعبة مزايدات انتخابية قبل الأوان، لأنه سيكون، حينها، اعترافٌ بفشل كل الحلول الأخرى.

وقد أكد لـ "العربي الجديد" ، النائب الاشتراكي، من أصول عربية، غازي حمادي، رفض حزبه وحكومته لأي ابتزاز سياسوي ذي أهداف انتخابية مكشوفة. مشيراً إلى أن "الحكومة تعمل على مقاربة شاملة للظاهرة، وأنها تمد اليد لكل الفاعلين القادرين على المساعدة". 


المساهمون