داعش.. للخلف در

04 مايو 2015

العاصفة لم تنته، بينما "الأمل" لم يعد بعد لليمن(Getty)

+ الخط -

بعد أن صال وجال في الأراضي السورية، ومن دون تمهيد أو مقدمات منطقية، نقلت الأنباء أن تنظيم داعش أعاد ما يقرب من عشرة آلاف مقاتل من سورية إلى العراق. وتزامن هذا مع إعلان أحد كبار قادة التنظيم أن العراق هو المعركة الأهم. وبالفعل، بدأ حضور داعش في سورية يتراجع، ليس فقط على مستوى التمركز القتالي ومواقع السيطرة الميدانية وحشد القوات، لكن أيضاً على مستوى الاهتمام بتطور العمليات العسكرية ومآلات القتال الدائر هناك. وعلى الرغم من أن التنظيم لم يعلن، رسمياً، تخليه عن فكرة ضم مزيد من الأراضي السورية، لتصبح تحت ولاية "الدولة الإسلامية"، إلا أن السلوك الفعلي يشير إلى ذلك التوجه.

أسباب كثيرة قد تقف وراء هذا التحول الداعشي، منها ما قد يرتبط بالموازين العسكرية على الأرض بين قوات الأسد وبقية الفصائل التي تنازعه السيطرة على سورية، بما فيها قوات داعش، فقد حققت بعض تلك الفصائل مكاسب ميدانية مهمة في الأسابيع الأخيرة، ما قد يخفف الحاجة إلى استمرار داعش في العمل على انتزاع أراضي ومناطق من بين أيدي الأسد، حيث تنوب الفصائل الأخرى عنه في ذلك.

لكن، في المقابل، هناك علامات استفهام كثيرة تحيط بموقف داعش وتحركاته في سورية، فالهدف العام المعلن، وهو إقامة الدولة الإسلامية، وفقاً للخارطة التي أعلنها التنظيم في مجلة "دابق"، تحول عند محاولة تنفيذه إلى قتال متعدد الاتجاهات، ضد الأسد، وضد الفصائل الأخرى التي تقاتل هي الأخرى الأسد، على الرغم من أن بعضها إسلامي، وفيها المتشدد، حتى يكاد يقترب من داعش فكراً وسلوكاً. فبدا داعش كأنه يحارب الجميع من دون استثناء. وكان تفسير ذلك أنه لا يتبع تكتيكات مرنة، ولا يناور أو يتحالف مع من لا ينضوون تحت لوائه، حتى وإن كانوا يخوضون الحرب نفسها ضد العدو نفسه.

من هنا، تأتي غرابة التحول الأخير في سلوك داعش، فالعودة إلى العراق لا تتسق، بالمرة، مع النمط الداعشي في إدارة المعارك وتحديد الأهداف المرجوة منها، بل ولا حتى مع تصور التنظيم عن "الدولة الإسلامية"، وكيفية توسيعها والمناطق ذات الأولوية فيها، الأمر الذي يجعل الرجوع إلى العراق نوعاً من الانكفاء والتقوقع، بعد عام من الحيوية ومد الأذرع بعيداً.

ثمة تطوران قد يفيدان في فهم ذلك الجديد الداعشي، أولهما ذلك التمدد المفزع للمليشيات المسلحة الشيعية في العراق، والتي استفادت من أجواء الحرب على داعش وملابستها، في محاولة فرض واقع جديد في بعض المناطق العراقية، فقامت بعمليات تطهير مذهبي، سواء بتهجير أعداد من السنة العراقيين أو تصفيتهم، غير أن هذا المستجد العراقي متضافر مع معطيات أخرى، بعضها داخلي بحت، وبعضها مقرون أيضاً بمستجدات موقف واشنطن من بعض القوى العراقية. هذه المعطيات جديرة بالتفكر فيها، كحزمة عراقية متكاملة، ليس داعش سوى أحد متغيراتها، وإن كان مهماً.

التطور الثاني المهم هو ذلك التحول المفاجئ والغامض الذي أصاب العملية العسكرية في اليمن "عاصفة الحزم"، بالتزامن مع أحاديث عن تسوية سياسية، أو تفاهمات محددة، تحول دون انفجار حرب إقليمية شاملة. والحاصل أن العاصفة لم تنته، بينما "الأمل" لم يعد بعد، ولا مؤشرات واضحة إلى أن عملية "الاستعادة" قد بدأت حتى الآن. وفي الوقت نفسه، لا بلورة، حتى الآن، لمبادرة سياسية تحظى بتوافق داخلي وخارجي. لذا، الملف مفتوح والأزمة قائمة، على الرغم من "التجميد" الذي أصابها بشكل مفاجئ، ويصعب على المراقب غض الطرف عن التزامن والتوازي بين تعليق الوضع في اليمن، وإلى حد ما تهدئته، وقرار داعش "خلفاً در"، سواء لتخفيف الضغط على الأسد، أو سعياً إلى تحجيم المليشيات العراقية الشيعية، حيث يبدو تجميد الموقف هنا، المعادل الجيواستراتيجي للدوران خلفاً هناك.

58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.