داريا السورية... 5 سنوات صمود بمواجهة الحصار والقتل والتهجير

19 مايو 2016
لم تتوقف الأعمال العدائية في داريا (فادي ديراني/فرانس برس)
+ الخط -
لا تزال داريا (غرب دمشق) عصية على الماكينة العسكرية للنظام السوري ومليشياته، على الرغم من مرور نحو خمس سنوات على الحصار والتجويع الممنهج ومحاولات الاقتحام التي كانت آخرها، قبل أيام عدة، عندما حاولت قوات النظام وحزب الله اللبناني اقتحام المدينة، إلا أنّ فصائل المعارضة كبدتهما خسائر في الأرواح والعتاد.  
يأتي ذلك، في الوقت الذي تزداد فيه الضغوط المعيشية على أكثر من 8 آلاف مدني محاصرين داخل المدينة. وحوصرت داريا عام 2012 عقب اقتحام القوات النظامية للمدينة، ما تسبب بمقتل نحو 700 شخص، فيما يوجد 500 شخص مجهولي المصير، في حين اعتقل النظام أكثر من ألفي شخص من أبناء المدينة، وتم تهجير عشرات الآلاف داخل وخارج البلاد.

في هذا السياق، يقول عضو المجلس المحلي في مدينة داريا حسام عياش لـ"العربي الجديد"، إنّه "عقب المحاولة الفاشلة الأخيرة لاقتحام المدينة، منذ أيام، يبدو الوضع هادئاً يتخلله استهداف متقطع بالرشاشات الخفيفة والمتوسطة، في حين يجوب طيران الاستطلاع سماء المدينة منذ أمس الأول". ووفقاً لعياش، يعتبر هذا التحليق "مؤشراً لتحضيرات مقبلة لا نعلم بها، على الرغم من أنّ تجارب النظام حمّلته الكثير من الخسائر في العناصر والإصابات إضافة إلى تدمير دبابة، في حين لا تزال الحشود التي استقدمها قبل بداية الاقتحام، موجودة".

ويلفت عياش إلى أن "النظام يهاجم المدينة من الجهة الجنوبية بسبب قربها من المنطقة الزراعية، فهي عبارة عن سهل يقلّ فيه البناء، كما يسعى النظام إلى استهداف المحاصيل الزراعية لمزيد من التضييق على الموجودين داخل المدينة، غير مكتفين بمنع المساعدات من الدخول". ويضيف أن "عملية الاقتحام الأخيرة هدفت إلى منع إدخال المساعدات الإنسانية التي وصلت إلى آخر حاجز للنظام، إذ تم إرجاعها على الرغم من أنها كانت تقتصر على المواد الطبية فقط"، على حدّ تعبيره. ويؤكد عياش أن "النظام يعمل على تضييق الحصار على المدنيين عبر حرمانهم من الأراضي الزراعية عبر استهداف المناطق الزراعية في المناطق الجنوبية الغربية".

ويوضح أن "النظام لا يشن هجماته عبر الجبهات الأخرى بسبب وجود الأبنية التي تم تدميرها وتحوّلت إلى كتل إسمنتية مسلحة كبيرة، ما يعيق تقدم مدرعاته. في حين تبدو الجبهة الجنوبية أسهل للنظام من حيث رصدها عبر طيران الاستطلاع". ويضيف عضو المجلس البلدي ذاته أن "فصائل المعارضة تعمل على تجاوز نقاط الضعف هذه عبر حفر الأنفاق والدشم تحت الأرض، ورفع السواتر والخنادق للحدّ من تقدم قوات النظام، في حال عاود النظام اقتحام داريا".

وتنبع أهمية داريا الاستراتيجية بالنسبة للنظام بسبب موقعها الجغرافي بالقرب من العاصمة دمشق، خصوصاً منطقة المزة التي تضم المزة 86 والسومرية اللتين تعتبران خزاناً بشرياً للقوات النظامية ومطار المزة العسكري. كما أنّ داريا هي أقرب مواقع المعارضة إلى العاصمة من الجهة الغربية، وقد تشكل قاعدة لدخول المعارضة إلى العاصمة في حال كان هناك تقدم من القنيطرة أو درعا. يُضاف إلى ذلك رمزية داريا التي استطاعت الصمود طوال السنوات الماضية من دون أي مهادنة للنظام.



وحول فرص فك الحصار عن المدينة، يقول عضو المجلس المحلي، إن "الحصار المطبق على المدينة منذ حوالى الخمس سنوات، أفقدها أبسط الاحتياجات المعيشية، ما يجعل فرصة فك الحصار من داخلها مستبعدة من الخارج، في حين أنّ هناك العديد من الفرص للتقدم العسكري جنوباً (خان الشيخ، أو المعضمية وغيرهن)، إذا تأمن الدعم لها". ويشير إلى أن "هناك فرصة لعقد اتفاق تهدئة مع النظام تحت رعاية دولية، ضمن سياق الحل السياسي وتنفيذ قرارات مجلس الأمن لفك الحصار وإدخال المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة".

من جانبه، يقول الناشط الإعلامي في داريا، عبد الحميد الداراني إن "المعركة اليوم تكمن في الحصار الذي يؤثر مباشرة على المدنيين والمقاتلين، خصوصاً بعد فصل داريا عن جارتها معضمية الشام". ويضيف أن "النظام لم يلتزم باتفاق هدنة وقف الأعمال العدائية السارية من 27 فبراير/شباط الماضي، لغاية اليوم. كنا موعودين، الخميس الماضي، بدخول سيارات مساعدات من الأمم المتحدة وتحوي مواد طبية، وعلى آخر حاجز للنظام تم منع دخولها، واستُهدف موقع انتظار المدنيين بـ8 قذائف هاون، أدى إلى مقتل أب وابنه وجرح آخرين".

ويعتبر أنّ فصل داريا عن معضمية الشام "ضربة قاسية لما كانتا تشكلهما من جبهة قوية عقب استخدام النظام مختلف الأسلحة المحرّمة دولياً، والطيران الحربي والمروحي لفصل المدينتَين عن بعضهما عبر الجبهة الغربية وجبهة الأثرية القريبة لمطار المزة العسكري. فمعضمية الشام تبعد عن مطار المزة العسكري المقتطع من الأراضي التابعة لداريا والمعضمية، مئات الأمتار ومحاذية للحي الشرقي الذي يحوي عائلات الضباط والعسكريين في القوات النظامية"، وفقاً للداراني. ويضيف أن "ساتر المطار يقع في منطقة الخليج التابعة جغرافياً وعقارياً لمدينة داريا، والتي كانت تحوي ما يقارب الـ50 ألف نسمة، تم تهجير أهلها وتدميرها بالكامل، وتمت إحاطة المطار بدل البيوت السكنية بخندق كان يُملأ بالماء، أحياناً، خوفاً من الأنفاق والتسلل لداخله".

ويبيّن الناشط الإعلامي أن "الأهالي صامدون لغاية اليوم معتمدين على ما خزّنوه من مواد غذائية، إضافة إلى استغلال أي بقعة تراب لزراعتها، فضلاً عن تنظيم وجباتهم الغذائية، إذ تتناول العائلة وجبة واحدة في اليوم. علّمتنا الحرب صناعة احتياجاتنا اليومية المعيشية والعسكرية"، على حدّ تعبيره. ويشرح الداراني كيف استطاعوا إنتاج الوقود، "عبر خلطة خاصة نستخرجها من المواد البلاستيكية. كما صنعنا الذخائر وطوّرنا أسلحة كصواريخ محلية يصل مداها إلى 4 كيلومترات لحماية أنفسنا، مثل مدفع جهنم 1، ويصل مداه إلى 3,5 كيلومترات، ووزنه الكامل 50 كيلوغراماً، ووزن المواد المتفجرة فيه 20 كيلوغراماً. أمّا مدفع جهنم 2 يصل مداه إلى 2 كيلومتر، وزنه الكامل 75 كيلوغراماً، ووزن المواد المتفجرة فيه 28 كيلوغراماً، فضلاً عن قذائف لمدفع أبو بكر".

ويرفض النظام إدراج داريا ضمن اتفاق وقف الأعمال العدائية بذريعة وجود جبهة النصرة، على الرغم من تأكيد فصائل المعارضة والناشطين في المدينة عدم تواجد "الجبهة" وتأكيدهم التزامهم باتفاق الهدنة والحل السياسي للحرب السورية. ويقول ناشطون ميدانيون إن النظام والإيرانيين يسعون إلى تهجير أهالي المدينة الأصليين، وهناك عملية استملاك واسعة تتم لأراضي ومنازل المدينة عبر وسطاء، مستغلين حاجة العائلات المقيمين في مناطق النظام ضمن سياسة تهدف إلى تغيير ديمغرافي لريف دمشق.

المساهمون