ومع إرساء منظمة الصحة العالمية استراتيجية للقضاء على داء الكلب بحلول عام 2030، تبدو احتمالات النجاح خلال العقد المقبل قليلة لأسباب شديدة الوضوح. أهم تلك الأسباب قلة إنتاج اللقاح عالمياً، ما يعني عدم توفره لأغلبية المعرضين لعضات الكلاب، كما أن سعر اللقاح يقارب 40 دولاراً أميركياً، فيستحيل على الفقراء شراؤه.
داء الكلب في الدول العربية
آخر التقارير التي نشرها "العربي الجديد" عن داء الكلب يشير إلى تسجيل 279 إصابة في المحويت اليمنية خلال 2018، وأن أكثر من 66 حالة لم يتوفر لها اللقاح.
ونشرت وزارة الصحة البريطانية عبر موقعها الرسمي في يوليو/تموز 2018 جدولاً بالدول التي صنفتها بين عالية المخاطر بالنسبة للداء، أو ضعيفة المخاطر أو أنها خالية من داء الكلب في العالم.
وتضمنت اللائحة 17 دولة عربية، منها 14 دولة عالية المخاطر (أي تحدث إصابات داء الكلب لدى الحيوانات البرية والحيوانات المرافقة) وهي: الجزائر، مصر، العراق، الأردن، لبنان، ليبيا، موريتانيا، المغرب، سلطنة عمان، فلسطين، السعودية، سورية، تونس، اليمن.
وأدرجت في تصنيفها ثلاث دول عربية ضعيفة المخاطر(تحدث إصابات داء الكلب لدى الحيوانات البرية وليس لدى الحيوانات المرافقة) وهي: البحرين، الكويت، قطر.
الهند الأولى عالمياً بداء الكلب
وفقاً لدراسة أجرتها منظمة PLOS Dislected Tropical Diseases عام 2015، أوضحت فيها أن أغلبية إصابات داء الكلب تتركز في قارتي آسيا وأفريقيا. وأشارت إلى أن الهند تسجل سنوياً ما يقارب 21 ألف وفاة، أي أكثر من ثلث مجموع الوفيات في العالم بهذا الداء البالغة نحو 60 ألف وفاة، ما يعطيها أعلى معدلات الإصابة على مستوى العالم.
وذكرت الدراسة أن واحداً تقريباً من بين كل 143 شخصاً في الهند يتعرض لعضة كلب في مرحلة ما من حياته، أي نحو 693 شخصاً لكل 100 ألف نسمة من السكان، ما يجعل العدد الإجمالي التقريبي 17.4 مليون شخص.
داء الكلب في العالم
يقول التحالف العالمي لمكافحة داء الكلب، إن نحو نصف ضحايا داء الكلب في العالم هم من الأطفال.
وتشير منظمة الصحة العالمية إلى أن داء الكلب متوطن في أكثر من 150 دولة وإقليما حول العالم، وأن 40 في المائة من الأشخاص الذين تعرضوا للعض من قبل حيوانات مصابة بداء الكلب هم من الأطفال دون سن 15 عامًا.
وأشارت المنظمة في تقرير نشرته قبل أيام لمناسبة اليوم العالمي لداء الكلب(السعار)، الذي يصادف يوم 28 سبتمبر/أيلول من كل عام، إلى أن داء الكلب موجود في جميع القارات، باستثناء القارة القطبية الجنوبية، لكن أكثر من 95 في المائة من الوفيات البشرية تحدث في مناطق آسيا وأفريقيا.
وبيّنت أنه على الرغم من إمكانية الوقاية من المرض بطرق عدة، إلا أن داء الكلب يقتل نحو 59 ألف شخص كل عام، معظمهم في أفقر المجتمعات وأكثرها ضعفاً في العالم.
— OIE Animal Health (@OIEAnimalHealth) September 21, 2018 " style="color:#fff;" class="twitter-post-link" target="_blank">Twitter Post
|
ما هو داء الكلب؟
تعرّف منظمة الصحة العالمية داء الكلب بأنه مرض فيروسي، وواحد من الأمراض الاستوائية المهملة التي تؤثر، في الغالب، في السكان الفقراء والضعفاء، وخصوصاً الذين يعيشون في المناطق الريفية النائية. كما أنه من أقدم وأخطر الأمراض التي يعرفها الإنسان، إذ يعود تاريخ السجلات المكتوبة والمصورة لمرض داء الكلب إلى أكثر من 4000 عام.
وينتقل إلى الناس من خلال العضات أو الخدوش، في حالات نادرة، يمكن انتقاله عند دخول لعاب الحيوان المصاب إلى جرح مفتوح أو الأغشية المخاطية، مثل الفم أو العينين. وهو مرض معدٍ ينتقل للحيوانات والبشر وله أعراض دالة عليه. لكن في حال ظهور الأعراض على الإنسان فهذا يعني أن احتمالات الشفاء تصبح قليلة جداً، وخطر الموت يكون مرجحاً.
أما الحيوانات التي يحتمل أن تنقل داء الكلب فهي الكلاب المسعورة على الأغلب في البلدان الفقيرة في جنوب شرقي آسيا وأفريقيا. وفي الولايات المتحدة يمكن للخفافيش، والذئاب، والثعالب، وحيوانات الراكون والظربان أن تكون مصابة بالفيروس وتنقله إلى البشر، أو غيرها من الحيوانات، وفق موقع "مايو كلينيك".
أعراض داء الكلب
يحدد موقع "مايو كلينيك" أعراض داء الكلب، ويصفه بأنه مرض فيروسي مميت، تكون أعراضه الأولى مشابهة جدًا للأنفلونزا وتستمر لأيام. لكن الأعراض تتطور وهي: الحمى، الصداع، الغثيان، القيء، القلق، الارتباك، فرط النشاط، صعوبة في البلع، الخوف من الماء (hydrophobia)، الهلوسة، الأرق، الشلل الجزئي.
ويفصّل المنتدى الاقتصادي العالمي طريقة انتقال فيروس داء الكلب، ومساره في الجسم حتى وصوله إلى دماغ الشخص المصاب. ويشير إلى وجود نوعين من داء الكلب وهما: داء الكلب السقيم أو الشللي، وداء الكلب الغاضب.
ويوضح أنه في حالات داء الكلب الشللي، ينتقل الفيروس عن طريق الأعصاب الحركية، ويدمرها ويتطور ببطء مسبباً شلل العضلات ومن ثم الغيبوبة. ويمثل هذا النوع 30 في المائة من حالات داء الكلب، مع وجود أقل من 12 شخصاً على مستوى العالم نجوا من هذا المرض.
أما داء الكلب "الغاضب"، وتطلق عليه هذه التسمية بسبب فرط النشاط والإثارة لدى ضحاياه، وهو أكثر شيوعًا. وتظهر أعراضه في وقت مبكر عن أعراض داء الكلب السقيم، إذ ينتقل الفيروس من النهايات العصبية، على طول الحبل الشوكي إلى الدماغ. بداية، يشعر المريض بالحمى والصداع وبالوخز في مكان الجرح. ويمكن للضحايا أن يصبحوا عدوانيين، وتظهر عندهم الهلوسات ويطورون خوفًا ملحوظًا من الماء. وداء الكلب يسبب تشنجات عضلية مؤلمة في الحلق والحنجرة، وقد يكون مميتاً جراء انسداد المسالك التنفسية. كما يصيب بالنوبات والشلل.
الوقاية من داء الكلب
أولى خطوات الوقاية في حال التعرض لعضة كلب يشتبه بأنه حامل فيروس الكلب، تكون بغسل الجرح فوراً وبعناية شديدة بالصابون والماء، لأنها خطوة يمكن أن تنقذ الأرواح.
والخطوة الثانية بإعطاء اللقاح فور حصول العضة. وتشير منظمة الصحة العالمية إلى أن أكثر من 15 مليون شخص حول العالم يحصلون على اللقاح ما بعد العض، ما يمنع وقوع مئات الآلاف من الوفيات سنويا.
وتوضح أنه على الرغم من وجود لقاحات بشرية فعالة وغلوبيولين مناعي لداء الكلب، إلا أنهما غير متاحين للمحتاجين، إذ يمكن أن يبلغ متوسط تكلفة الوقاية من التعرض للداء 40 دولارًا أميركيًا في أفريقيا، و49 دولارًا في آسيا، ما يمثل عبئًا مالياً كارثياً على العائلات المتضررة التي يبلغ متوسط دخلها اليومي نحو دولار واحد للشخص الواحد.
وتجمع الجهات الصحية المعنية بأن إعطاء الحيوانات، لا سيما الكلاب الشاردة، اللقاح المطلوب هو الحل الأفضل وليس قتلهم للقضاء على داء الكلب. واعتبرت أن من واجب الحكومات والسلطات المحلية أن تتابع أحوال الكلاب في الشوارع وتلقحها، وتدمغها بعلامة تشير إلى تلقيها الطعم، إضافة إلى تعقيمها للتخفيف من توالدها وتكاثرها في المناطق السكنية والضواحي المليئة بالنفايات والمواد الملقاة في العراء والتي تجذب تلك الحيوانات إليها.
القضاء على داء الكلب بحلول 2030
أنشأت منظمة الصحة العالمية والمنظمة العالمية لصحة الحيوان (OIE)، منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو) والتحالف العالمي لمكافحة داء الكلب (GARC) هذا العام 2018، تعاوناً عالمياً لمكافحة داء الكلب، لوضع استراتيجية مشتركة هدفها الوصول إلى "صفر وفيات بداء الكلب البشري بحلول عام 2030".
— Thumbi (@ThumbiMwangi) September 25, 2017 " style="color:#fff;" class="twitter-post-link" target="_blank">Twitter Post
|
وأوضحت المنظمة أن أوروبا الغربية وكندا والولايات المتحدة واليابان تمكنت من القضاء على داء الكلب. وأن 28 من بين 35 دولة في أميركا اللاتينية لم تبلغ عن أي وفيات بشرية بالداء منذ 2017، وأن خطوات كبيرة في الحد من وفيات داء الكلب حصلت في بلدان مثل بنغلادش، والفيليبين، وسريلانكا، وتنزانيا، وفيتنام، وجنوب أفريقيا، على سبيل المثال لا الحصر.
وشددت على أن النجاح في محاربة داء الكلب لا يتوقف عند العلاج وحده، وإنما يعززه تطوير برامج تتعلق ببناء القدرات المحلية، وبث المعرفة عن المرض بين أوساط الناس والأطفال منهم، وتطوير آليات المراقبة.
واعتبرت أن القضاء على داء الكلب لن ينقذ حياة 300 ألف شخص فقط، بل سيحسّن الظروف المعيشية لملايين البشر، ويساهم في تحسين الأمن الصحي العالمي. لكنها لفتت إلى أن الاستثمار في القضاء على داء الكلب عالمياً سيؤدي في نهاية المطاف إلى توفير 8.6 مليارات دولار أميركي من الموارد الاقتصادية في كل عام.