خُلِقت لتَكون حُلُماً

10 نوفمبر 2014
ها هو يحلم من جديد (Getty)
+ الخط -

يُحبّ ترتيب الملاءات البيضاء على سريره العتيق. يرفض أن يفعل ذلك أحد غيره. لا يعرف السبب أو ربما يتجاهله. تجمعهما خصوصيّة ما. أحلامه تظهر هنا فقط. هي أيضاً، المرأة التي يخاف أن يراها في واقعه أمام الجميع، يأخذها معه، ومن دون أن تدري، إلى حلمه.

حفر على سريره الأحرف الأولى لحبيباته الكثيرات. يرغب دائماً في قياس تأثيرهن عليه. قبل أن يخلد إلى النوم، يتذكرهن جميعاً من دون أن يعني ذلك له شيئاً. يعدّ الأسماء. يسترجع بعض اللحظات، ثم يضع رأسه على مخدة الريش التي صنعتها له والدته. يغفو ويحلم كثيراً. أحلامه تصنع نهاره. هكذا يؤمن. حياتنا الحقيقية تعكسها الأحلام.

تبقى هي. كعادتها لا تتأخر. في الحلم فقط لا يخشى النظر إليها. يتأمّلها على راحته. هنا لن يعاتبه أحد أو يتجسّس على نظراته. حتى هنا يحلم بها كثيراً. لا يفهم تأثيرها. تفاصيلها على حالها ناعمة ورقيقة. يكتفي بهاتين العبارتين. وهل ما هو أهم من النعومة والرقة؟ سرّ المرأة؟ يحبّها عند الفجر، بين عالمين. يليق بها هذا التوقيت الذي يحملُ بعضاً من عتمة وبعضاً من نور. يُمسك بيديها الصغيرتين. لا يراهما إلا كذلك. يقولُ إن يديكِ خُلقتا لتُقدّسا. ويصمت.

يُمرّر أصابعه على كفيها المستسلمتين. يرغب في الالتصاق بهما طويلاً. يسمع نبضهما. لن يصدقه أحد ربما. لا يهمه ذلك أصلاً. لكنه يسمع الكثير. وإن كان كل ذلك وهماً، فهو سعيد به. بات العالم يستخدمُ عطرها. يشمّه في كل مكان. السيارة، البيت، المقهى، المتجر، حتى الوسادة التي ينام عليها وحده. يتلفّت حوله كل لحظة. ليست هنا. لكن عطرها يلاحقه.

مرّت ستّ ساعات. هو مضطر للاستيقاظ الآن والذهاب إلى العمل. لكنه لن يتأخر. سيعود إليها باكراً. هذا اليوم، رآها قبل أن يحين موعد الحلم، تسيرُ على مقربة منه ولا تراه. ها هو يحلم من جديد. يتقوقع في مكانه كأنه يحمي نفسه منها. يسترق النظر إليها، فيشعر بدوار خفيف وخفقان في القلب. يندم. ماذا لو رأته؟ هذا سرّه الذي يشبه مداعبة نسمات الخريف. يسترق النظر إليها مجدداً ويندم حتى يألف خطيئته ويعشقها. يكرر الأمر حتى تختفي. هي لا تراه. هكذا يقول لنفسه. لا تراه. ليتها فعلت.

لن يصف شعوره. لا يريدُ الخوض في تعريفات لا أهمية لها. التعريفات تُلغي بعضها في النهاية، ليبقى شعوره وحده، وابتسامة يستكين إليها بين عالمين. يكفيه أنه حين يشمّ أي زهرة، ستتسلّل رائحتها إلى عروقه حتى ليخشى أن يشمّ أحدهم هذا العطر على جسده. يرفض أن يُحضرها إلى أي واقع. فقد خُلِقت لتكون حلماً فقط.
دلالات
المساهمون