خيارات هادي البحرة
بانتخاب هادي البحرة رئيسا للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، يكون التنظيم، الذي قيل يوماً إنه تأسس ليمثل الثورة ومصالحها العليا، قد دخل في طور فاصل، فإما أن يغادر مرحلةً يرثها عن سلفه تهدد وجوده بأفدح الأخطار، تجلت في تهميش الائتلاف مؤسسةً للعمل الوطني، وفي سلسلة هزائم نزلت بالجيش الحر في تل كلخ والقصير وجنوب دمشق والعتيبة والمعضمية، ومرّت بالقلمون ويبرود وجيرود وحمص وقلعة الحصن والرقة وكسب، ووصلت، أخيراً، إلى حلب ودير الزور، حيث يتعاون النظام و"داعش" على سحق الثورة. وقال لي صديق من الداخل إن الجيش الحر سيزول بصورة شبه تامة من شمال سورية، إذا ما سقطت المدينتان، ونجحت "داعش" في استعادة إعزاز، وتقدمت نحو إدلب ومنطقتها.
بالتزامن مع هذه الهزائم وتهميش الائتلاف الذي تفاخر رئيسه السابق، أحمد الجربا، بأنه لم يعد فيه من يستطيع "رفع رأسه"، وتم تسديد ضربة قاتلة إليه باتفاق الجربا/ الصباغ الذي استبعد جميع القوى السياسية والحزبية من مؤسساته التمثيلية، وقع تقويض الأركان، بشهادة العميد عبد الإله البشير أمام الهيئة العامة، حيث قال بالحرف إنه لا توجد أركان، وضباطها "شهود زور" على ما يجري.
أخيرا، ختم الجربا عهده بمحاولة فاشلة لتدمير الحكومة، لو نجحت لكان شطب مؤسسات ثورة الحرية الثلاث، ونجح في استبدالها بسلطةٍ فرديةٍ، أسدية الهوية والآليات، يعني استمرارها إطاحة أي وجود منظم ومستقل لثورة الحرية ومؤسساتها، وربط مصير سورية بـ "قائد"، (هكذا وصف الجربا نفسه في لقاء مع الجالية السورية في واشنطن بحضور البحرة)، يستخدم وسائل مماثلة لوسائل الأسد، ويبرر سياساته وتصرفاته بمسوغاتٍ كمسوغاته، كما تؤكد تجربة العام الماضي، وما تمخض عنها من نتائج كارثية.
هذا خيار يمكن للبحرة اعتماده، يعرف أكثر من أي شخص آخر أنه جيء به إلى الرئاسة، لكي يحافظ عليه. لكن، لدى البحرة خيار آخر، هو القطع الجذري مع خيار الجربا، وإجراء مراجعة نزيهة لتجربة الثورة في العام المنصرم، تفضي إلى انتهاج خط مضاد للنزعة الأسدية، يلزمه بإدارة الائتلاف انطلاقا من خط وطني، سوري صرف، يضع حداً للسياسات التي همشت "الائتلاف"، وحالت بينه وبين لعب دوره المنتظر في الثورة وتجاه الداخل.
هذا الخيار سيبعد البحرة عن أجواء الفساد، وسيعطيه الحق في إدارة المسألة السورية، بما يتفق مع طابعها الأصيل، ورهاناتها الأولى، وسيكفل له قاعدة ائتلافية واسعة، وشعبية وطنية واسعة، وإن أبعده عن سلفه، ووضعه حيال مخاطر حقيقية، سيحميه منها السوريون الذين يجب أن يستمد من تضحياتهم الجرأة والتصميم على خوض معركة كهذه، قد تكون مكلفة شخصياً، لكنها ستجعل منه قامةً وطنيةً، سندين لها جميعا بالحب والولاء، وسننزلها منزلة خاصة من نفوسنا، لأنها اختارتنا، وقررت التضحية من أجلنا، في لحظةٍ، نحتاج فيها إلى إنقاذ!
ماذا سيختار البحرة؟ علينا انتظار أفعاله، قبل تقديم إجابة نهائية عن هذا السؤال: فإما أن يخرج من نهج سلفه، أو أن تحطمه الوطنية السورية!