خيارات محدودة أمام ماكرون لمواجهة عودة العنف لتظاهرات "السترات الصفراء"

18 مارس 2019
عادت تظاهرات "السترات الصفراء" لتتسم بالتخريب(Getty)
+ الخط -
يجد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نفسه، بعد تظاهرة "السترات الصفراء" أمس الأول السبت، في وضعية لا يحسد عليها، أعادته إلى نقطة الصفر، وهي الوضعية ذاتها التي كانت عليها بلاده، وخاصة العاصمة باريس، بعد عودته من الأرجنتين في الثاني من شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، أي وضعية الخراب التي عرفها "قوس النصر"، رمز فرنسا الكبير، بعد التظاهرة الثانية لـ"السترات الصفراء" في الأول من الشهر ذاته.

وها هو ماكرون يعود مسرعاً من استراحته القصيرة في منتجع شتوي، بعدما احترقت جادة الشانزيليه، حيث تعرض نحو 91 محلاً تجارياً ومصرفاً ومقهى في الجادة الشهيرة ومتفرعاتها، للتخريب والنهب وتحطيم واجهات، 80 في المائة منها، تعتبر خساراتها كبيرة.

وسارع ماكرون، لدى عودته، إلى وصف ما جرى بأنه رغبة من مثيري شغب في تخريب العاصمة الفرنسية، باريس، متوعداً بإجابات متشددة، منها حظر تظاهرات "السترات الصفراء" في جادة الشانزيليزيه. كما أن مسؤولين حكوميين اعترفوا بالمسؤولية والتقصير في ما جرى، منهم وزير الداخلية كريستوف كاستانير، وأيضاً لوران نونيز، الرجل الثاني في وزارة الداخلية، الذي اعترف صراحةً بـ"الفشل"، بعد العنف والنهب الذي وقع يوم السبت الماضي.

واتخذ هذا الفشل شكل تصريحات أكثر تفصيلاً، منها ما صرَّح به دافيد ميشو، الأمين العام لنقابة الشرطة ("أونسا")، من أن "الشرطة كرّست 12 سرّية شرطة لتأمين قصر الإليزيه، وتركت الفوضى تنتشر في الشانزليزيه". ومعلوم أن الشعار المعلن للجولة 18 من الحراك هي "توجيه إنذار نهائي إلى الرئيس ماكرون"، مع التصميم على الاقتراب من القصر الرئاسي.  

هذه الوضعية الجديدة استغلتها المعارضة، بشتى أصنافها، والتي كانت شبه غائبة أثناء الحوار الوطني الكبير، فبدأت تسترجع قدرة الإزعاج وقوة المزايدة. وطالب الأمين العام للحزب الاشتراكي، أوليفيي فور، بوساطة بين الحكومة و"السترات الصفراء"، تقوم بها النقابات والمجتمع المدني، فيما كان حزب "الجمهوريون"، أكثر هجومية، وخاصة من قبل عناصره اليمينية المحافظة، وهو ما تمكن قراءته من تصريحات فريديريك بيشنار، المدير العام السابق للشرطة الوطنية، والقيادي في الحزب اليميني، الذي طالب الحكومة الفرنسية بحظر تظاهرات "السترات الصفراء" في كل فرنسا.   

وسيحاول ماكرون الذي دعا، صباح اليوم، لاجتماع عاجل ضم رئيس الحكومة ووزير الداخلية ومساعده، ووزيرة العدل، الخروج بمواقف صارمة، لمواجهة العنف الذي عاد إلى التظاهرات، وربما تحديد مسؤوليات ما جرى، وسقوط بعض الرؤوس في تراتبية الشرطة الوطنية.    

واستدعى مجلس الشيوخ الذي تتحكم فيه، المعارضة اليمينية، في إطار استغلالها للأحداث، وزيري الداخلية والاقتصاد، للحضور يوم غدٍ الثلاثاء، من أجل تحديد المسؤوليات، وأيضاً معرفة ما الذي تقترحه وزارة الاقتصاد لتعويض التجار المتضرّرين من 18 أسبوعاً من تظاهرات "السترات الصفراء"، إلى حد الآن.

من جهتها، سارعت وزارة الاقتصاد إلى عقد اجتماع في مقرها، من أجل تحديد تأثير حراك "السترات الصفراء"، وخاصة العنف المنبثق من التظاهرات، على الاقتصاد.

وهكذا يجد الرئيس الفرنسي نفسه، بعد الانتهاء من الحوار الوطني الكبير، الذي استنزف منه الوقت والقوة، والذي استعاد فيه بعض العافية على حساب المعارَضة، في وضعية شبيهة بوضعية بدايات الأزمة، حتى لكأنَّ الحوار الوطني الكبير لم يَمُرَّ أبداً.

هذه الوضعية وصفتها صحيفة "ليبراسيون" في صفحتها الأولى، ساخرة: "السترات الصفراء: العودة إلى التخريب الأول"، وهو تخريب كلّف العاصمة باريس، لوحدها، خسارات اقتصادية كبيرة، تتراوح بين 170 و180 مليون يورو، منذ بداية الأزمة، إلى اليوم.

لن يعيد ماكرون حالة الطوارئ، ولن يحظر على الأرجح، تظاهرات "السترات الصفراء" في عموم فرنسا. ولذلك، فإن الحلول تبقى محدودة، في الوقت الذي قررت فيه تيارات من الحراك تنظيم تظاهرة وطنية كبرى، كل أسبوع، في مدينة مختلفة.

الرئيس الفرنسي في وضعٍ لا يحسد عليه، وهو ما يمنح أجنحة وآمالاً للمعارضة، مع اقتراب الانتخابات الأوروبية، التي ستؤثر عليها قضايا الداخل الفرنسي، بشكل كبير.     ​

 

 

المساهمون