لم يعد أستاذ اللسانيات في جامعة الملك سعود، حمزة المزيني، متابعاً لما يحدث في مصر بعد أربع سنوات من ثورة 25 يناير، التي أطاحت بحكم الرئيس حسني مبارك بعد ثلاثين عاماً قضاها في السلطة. ويعتقد الأديب والمثقف السعودي أن الوضع في مصر لم يعد مثيراً للاهتمام. حاول المزيني، تجنب الحديث عن الوضع الحالي في مصر، قائلاً في اقتضاب لـ"العربي الجديد": "لم أعد أتابع الأحداث في مصر، في البداية تابعتها باهتمام ولكن فيما بعد فقدت الاهتمام فيها".
بعض الإعلاميين والسياسين السعوديين اعتذروا لـ"العربي الجديد"، عن الحديث عن الشأن المصري، ولكن الغالبية يرون أن مصر بعد أربع سنوات من سقوط مبارك وضعت قدمها على الطريق الصحيح، ولكن تحتاج إلى المزيد من الوقت للوصول إلى هدفها.
رئيس تحرير صحيفة "الرياض" ورئيس "اتحاد الصحافة الخليجية" تركي العبد الله السديري، يؤكد على أن مصر الآن أفضل من أي وقت مضى طوال تاريخها، قائلاً لـ"العربي الجديد": "مصر بعد أربع سنوات من ثورة يناير باتت أفضل من كل تاريخها"، ويتابع: "مصر في وضعها الراهن أفضل بكثير من كل ما سبق، لأن حالة مصر قبل النظام الحالي كانت متعددة المشاكل والتدخلات في قضايا فرعية غير أساسية لمحاولة تجزئة مصر إلى عدة فئات ذات شعارات سياسية مختلفة، وحتى في النواحي الدينية كان هناك محاولة استغلال غير منطقية وغير موضوعية".
ويشدد السديري، الذي يرأس تحرير صحيفة "الرياض" منذ أكثر من أربعين عاماً، أن "النظام المصري الحالي يتجه نحوز الطريق السليم ولكنه يعترف أنه سيواجه صعوبات كثيرة، قبل الوصول لهدفه"، ويضيف أن "مصر تملك أكبر كثافة سكانية عربية وهي مرت بظروف قاسية جداً من الناحية المادية، لم تكن قدرات الدولة المادية معقولة أو حتى ممكنة بل وصلت إلى حالة ضعف شديد"، ويتابع أن "مصر الآن بدأت تتحسن وبدأت تطور من قدراتها المادية وبدأت تحسن علاقاتها مع الدول ذات الأثر في تحسين أوضاعها، ولكنها ستحتاج لبضع سنوات لكي تستعيد مكانتها بشكل أفضل مما كانت عليه".
مصر عرفت الداء وبدأت في العلاج
"هم على الطريق الصحيح"، هكذا يرى رئيس تحرير صحف "الشرق"، "الوطن" و"البلاد" السابق قينان الغامدي، والموجود حالياً في مصر، وضع بلاد النيل بعد أربع سنوات من ثورة يناير. ويؤكد الغامدي أن "المهم هو أن أم الدنيا وضعت قدمها على الطريق الصحيح وعرفت الداء وبدأت في العلاج، ولهذا ستكون أفضل مع مرور الوقت"، ويقول لـ"العربي الجديد": "أعيش حالياً في مصر وأشعر أنها نجت من الفخ الذي كان منصوباً لها على يد جماعة (الإخوان المسلمين) ولكنها ما تزال تحتاج لوقت لكي تنفذ مشاريعها التنموية حتى نستطيع أن نقول أنها (استوت على الجودي) هي ما تزال لم تستوِ عليه منذ أن قامت ثورة 1952 وحتى اليوم".
يضيف قينان بحماس :"قد يطول وقت الإصلاح المنشود لأن مصر تحتاج لأمور كثيرة حتى تكون أفضل، إذ تحتاج إلى دعم اقتصادي وتخفيف حدة الفقر ونشر جودة التعليم، ما زال في مصر أمية تصل بين قرابة الـ20 في المئة من شعبها، أيضاً تحتاج مصر لقدرات أكبر في توليد الطاقة الكهربائية، وهم رصدوا فعلاً ميزانية لذلك ليصبح الوضع أفضل، وكذلك الحال مع الغاز وتحسين البيئة المعيشية للمواطنين وفي نفس الوقت تسهيل حركة المواطنين فالقاهرة ماتزال تعاني من زحام شديد".
لا يرى الغامدي، أن وجود العسكر في الحكم سيصعب مهمة العودة ويحد من قدرة المعارضة، ويؤكد على أن مصر تحتاج لأكثر من المعارضة النشطة، ويقول: "أعتقد أن مصر لا تحتاج لمعارضة بقدر ماهي تحتاج لجد وجهد في العمل لتنفيذ الخطط على كل المستويات". يصمت قليلاً قبل أن يتابع: "يجب أن تكون المعارضة ناضجة ولكنها للأسف الشديد هي غير موجودة في العالم العربي، عدا في تونس ولكن حتى تونس لا يمكن الحكم عليها حالياً بل هي الأخرى تحتاج لوقت أطول".
ويضيف متحدثاً عن تجربته الشخصية مع الشارع المصري: "ألمس بشكل جدي أن الشارع المصري استعاد عافيته على المستوى الأمني، الحياة الآن طبيعية في مصر ولا يوجد فيها ما يقلق". تتغير لهجته قبل أن يضيف بجدية: "أما على المستويات الأخرى، فأعتقد أنها في الطريق الصحيح للعافية لأنها بدأت تلامس ذلك، وهذه أهم خطوة في الإصلاح"، ويتابع: "لا يمكن أن تكون خطوات الإصلاح جميلة من الخارج فقط، بل أن تكون من الداخل أيضاً، مصر لامست ذلك ووصلت للجذور في السنوات الماضية وبدأت تكون أفضل".
يلتقط الغامدي، الذي يملك تاريخاً صحافياً ممتداً لأكثر من 35 عاماً أنفاسه، قبل أن يواصل الحديث مؤكداً أن مصر اعترفت بالمرض الحقيقي وبدأت في العلاج، يقول: "في تصوري أن أهم خطوة في علاج المرض العضال هي الاعتراف به، ثم حسن تشخيصه وثم يأتي العلاج".
أم الدنيا لم تَثُر بعد
على غير السائد، يعتقد وزير الإعلام الكويتي السابق سعد بن طفلة، أن مصر ما تزال تنتظر ثورتها الكبرى التي ستحقق أهداف الشعب، ويرى أن ما حدث قبل أربع سنوات وما يحدث اليوم في أرض الكنانة أمور تجرُّ البلاد للمجهول، قائلاً لـ"العربي الجديد"، بصوت هادئ وعميق: "أعتقد أن أم الدنيا لم تثر بعد، ما جرى في يناير ثورة اختطفها (الأخوان المسلمون) وبعد ذلك جاءت ثورة يونيو، والآن لا نعرف ماهو مصير مصر"، يصمت قليلاً قبل أن يواصل: "هناك مخاوف من أن ثورة يونيو تسير هي الأخرى نحو الاختطاف على يد العسكر، ولكن هناك مقاومة شديدة لتمكين الشعب المصري من تحقيق أهدافه في الثورة منذ اندلاعها".
يشدد بن طفلة على أن الثورة عرّفت المصريين على الطريق الصحيح، ويضيف: "ثورة يناير كانت ثورة ضد الظلم وفرص الحياة، لم تكن من أجل الحرية فقط".
ويرى وزير الإعلام الكويتي السابق، أن مفهوم الحرية أشمل من الانتخابات والأحزاب والبرلمانات ويقول: "هذا أمر لم يتحقق حتى الآن لا بعد ثورة يناير ولا بعد ثورة يونيو"، ولكنه يشدد على أن "المهم هو أن المصريين يعرفون جيداً ماذا يريدون، ولكن الأكيد أن مصر مازالت تمر بمرحلة انتقالية والأوضاع فيها هشة، الأمل هو أن يتوافق المصريون على ما يمكن استقرار بلادهم وأمنهم وسلامتهم وحريتهم في نفس الوقت".
ويؤكد بن طفلة، الذي زار مصر أخيراً على أن "الأرقام تتحدث عن أن هناك صعوبات اقتصادية تواجها مصر، سببها الرئيسي المرحلة الانتقالية التي تمر بها مصر". يصمت قليلاً قبل أن يتابع مستدركاً: "ولكن أيضاً الأزمة العالمية وانخفاض اسعار البترول ساهمت فيما يحدث في مصر الآن".
لا أحد يستطيع استعباد المصريين
يعتقد كثيرون أن المصريين اليوم لم يعودوا كما كانوا عليه قبل أربع سنوات، حتى ولو كان الرئيس الحالي قد جاء من رحم العسكر، لا أحد يستطيع فرض نفسه على المصريين من دون رضاهم بعد اليوم، هذا ما يؤكده أستاذ العلوم السياسية الكويتي ابراهيم المليفي، والذي يشدد أيضاً على أن مصر قطعت مشواراً طويلاً منذ 25 يناير 2011 وحتى اليوم، وعلى أن المهم هو أن المصريين باتوا يعرفون كيف يحصلون على ما يريدون.
يقول المليفي، لـ"العربي الجديد"، إن "دولة بحجم مصر لم تصل للمرحلة الحالية إلا بعد أن قطعت مسافة طويلة حققتها الثورة"، ترتفع حدّة الحماسة في صوت المليفي، وهو يضيف: "كثيرون يرون أن الوضع الحالي هو وضع منتكس وغير ديمقراطي وفيه حكم فردي وفيه عودة للنظام والدولة القديمة، المصريون عرفوا الطريق وربما أصابهم الإنهاك قليلاً، فثورتان خلال ثلاث سنوات ليس أمراً سهلاً".
يؤكد المليفي، أن أهم المكاسب التي تحققت بعد أربع سنوات من ثورة يناير هو أن المصريين عرفوا الطريق الذي لم يعرفوه من قبل، ويقول بعد أن استعاد نغمة صوته الهادئة: "تاريخ مصر كان يتمحور حول حكام يعمرون طويلاً وكانوا دائماً ما يتذمرون، ولكن لم يثوروا على حكامهم"، ويتابع بتحدٍّ: "المصريون لن يسكتوا عن أي فساد أو نهب للمال العام أو حتى تجاوز على الحريات العامة، لم يعد الأمر يستحمل أشهراً أو حتى أسابيع".
يصمت قليلاً قبل أن يواصل: "قد يكون الوضع حالياً محبطاً لدى البعض ولكن الأمور لن تستمر طويلاً، لا تستطيع هذه الأوضاع الصمود"، ويتابع: "النظام الحالي أمامه أمر واحد فقط، هو أن يحقق إنجازات للشعب".
يشدد المليفي، على أن الشعب المصري حقق معجزة بكل المقاييس، وهي "أنه لم يعد هناك حاكمٌ يبقى لعشرين أو ثلاثين سنة، لا يمكن أن يصبروا على أوضاع خاطئة"، ويؤكد على أن "المكسب الوحيد لما تحقق أن المصريين عرفوا طريق التغيير". صمت الاستاذ في العلوم السياسية وهو يفكر قبل أن يواصل بلهجة أكثر هدوءاً: "ربما تكون الأمور انتكست بعد دخول العسكر قصر الحكم، ولكن هل يستطيع السيسي أن يحكم نفس فترة حكم مبارك؟ كل أدوات المرحلة تؤكد استحالة ذلك"، ويضيف بتفصيل أكبر: "المرحلة ليست صناعة مصرية أو عربية فقط، ثورة التكنولوجيا أحدثت خلخلة في المعادلات الموجودة في كل أنحاء العالم".
ويرى المليفي، أنه في جميع المجالات بات بإمكان كل شخص أن يبدي رأيه، ويقول: "من كانوا يشتكون صار لهم صوت، الشباب وكل المبدعين الذين كانوا يشتكون من سيطرة السلطات الرسمية عليهم، أصبحوا قادرين على إيصال صوتهم".
يشير المليفي، إلى أن مصر ليست دولة فقيرة لا يوجد فيها كهرباء أو خدمات، بل هي دولة حيوية ومنفتحة وفيها تواصل انساني واجتماعي وتكنولوجي. ويتابع: "ثورة يناير وفرت النموذج الناجح لهذا العصر في كيفيه قيام ثورة سلمية من دون أن يرفع فيها أحدٌ السلاح"، وبدأ أنه يحاول ترتيب أفكاره وهو يتحدث عن الدماء التي سالت في 30 يونيو، قبل أن يسترسل في الحديث: "كمتابع للشأن المصري، الجماهير التي خرجت في 30 يونيو مفادها أنه لا يمكن تحريك كل هذه الحشود، مهما حاول النظام فلن يستطيع"، ويضيف: "قصة أن تعود الصورة لما كانت في 25 يونيو فهو أمر صعب، فلا يمكن تكرار الثورة مرتين بنفس التفاصيل. لا بد من أن تكون هناك خلافات، وربما يكون السبب الرئيسي ردة فعل من السلطات ذاتها، سلطة حسني مبارك لم تستخدم العنف لأن الأمن رفض أن يستخدم العنف، والجيش تدخل في الوقت المناسب".