بوتيرة متسارعة، تتعاظم مظاهر الشراكة الاستراتيجية، وتتوثق عرى التحالف بين إسرائيل والكثير من الدول التي تشكل أوروبا الوسطى، لا سيما بولندا، والمجر، والتشيك، وسلوفاكيا، ورومانيا، وصربيا، وكرواتيا، وليتوانيا.
ففي تقرير أعده، ونشرته اليوم صحيفة "جيروساليم بوست"، يشير عاموس عوسئيل، الباحث البارز في معهد "هارتمان" في القدس المحتلة، إلى أن عوامل عدة أسهمت في دفع إسرائيل وهذه الدول إلى تعزيز أواصر التحالف بينها، وتتمثل خصوصاً في رفض موجات الهجرة، والعداء لتركيا، على اعتبار أن بعض هذه الدول وقعت تحت الحكم العثماني، لا سيما المجر، ورومانيا وصربيا.
وأشار عوسئيل إلى أن اعتماد هذه الدول على مشتريات السلاح من إسرائيل والتعاون الأمني وتبادل المعلومات الاستخبارية معها في مواجهة "الإرهاب" تعد من المسوغات الرئيسية التي دفعت الجانبين إلى تكريس الشراكة الاستراتيجية بينهما.
وبحسب التقرير، فإن حكومة اليمين المتطرف في تل أبيب معنية بتوظيف التباين في المواقف بين دول أوروبا الوسطى والاتحاد الأوروبي، في إضعاف الاتحاد، على اعتبار أن هذا التطور يخدم مصالحها بسبب مواقف بروكسل من القضية الفلسطينية، غير المريحة لتل أبيب.
كذلك لفت إلى أن "استشراء رهاب الأجانب وتعاظم التوجهات المعادية للديمقراطية" في دول أوروبا الوسطى تعدّ من العوامل التي أفضت إلى إيجاد بيئةٍ للتقارب مع إسرائيل، مضيفاً أن تل أبيب عمدت إلى استغلال هذه التوجهات في التقارب مع حكوماتها.
وأشار التقرير إلى أن إسرائيل طورت علاقاتها بشكل خاص مع دول "مجموعة فيسغراد"، التي تضم بولندا، والتشيك، والمجر وسلوفاكيا، مذكّراً بأن قادة هذه الدول حرصوا على استضافة رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في اجتماع عقدوه في العاصمة المجرية بودابست في يونيو/ حزيران 2017.
وبحسب تقرير عوسئيل، فإن نتنياهو، الذي يدرك حجم تأثير "رهاب الأجانب" الذي تغذيه المخاوف من موجات الهجرة من الشرق الأوسط، استغل هذه المخاوف وخاطب قادة هذه الدول، مطالباً باتخاذ موقف من "التطرف الإسلامي" وموجات الهجرة، إذ قال إنه ينبغي "على أوروبا أن تقرر ما إذا كانت معنية بأن تزدهر وتنمو، أو أن تذبل وتموت".
كما أن توجه دول أوروبا الوسطى لتحدي الاتحاد الأوروبي، لا سيما في كل ما يتعلق بالسياسات المتعلقة بتنظيم الهجرة، مثّل فرصة كبيرة لإسرائيل، على اعتبار أن العلاقة المتوترة بين الجانبين تضعف الاتحاد، وتقلص من تأثيره، وهو ما ينسجم مع مصالح تل أبيب، التي ترى في تدخله في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي سلوكاً سلبياً.
وأشار عوسئيل إلى أن من أهم مظاهر التقارب بين تل أبيب وهذه الدول تبني حكومات الأخيرة الرواية الإسرائيلية من الصراع مع الفلسطينيين، وتقبل موقف نتنياهو الذي يرى أن المشكلة تكمن في تطرف الفلسطينيين وتوجههم لتبني مواقف أصولية متشددة.
وأشار التقرير إلى أن شركات الأسلحة الإسرائيلية تعد من أهم مصادر السلاح لدول أوروبا الوسطى، وأن مشتريات السلاح والعلاقات العسكرية والأمنية تعد من أهم مسوغات التقارب والتحالف بين إسرائيل وهذه الدول.
وسلط عوسئيل الضوء على المعطيات التي أصدرها "معهد أبحاث الأمن القومي" الإسرائيلي، والتي قدرت قيمة السلاح والعتاد والتقنيات التي اشترتها بولندا في العقد الأخير من شركتي "إلبيت" و"رفائيل، الدفاعات الجوية" الإسرائيليتين بمليار دولار، في حين وقعت كرواتيا على عقد لشراء طائرات "إف 16" من إسرائيل بقيمة 500 مليون دولار، في حين اشترت ليتوانيا منظومات دفاع جوية بقيمة 100 مليون دولار من شركة "رفائيل".
ويوضح أن دول أوروبا الوسطى معنية بالاستفادة من الخبرات التي راكمتها إسرائيل على مدى عقود في مجال مواجهة الإرهاب وتأمين الحدود، وتحصين الفضاء الإلكتروني، وكل ما يتعلق بالتقنيات ذات الاستخدام الأمني والاستخباري، فيما إسرائيل معنية باستنفاد الطاقة الكامنة في التحالف مع "أوروبا الوسطى" على الرغم من التوجهات المعادية للسامية التي تعاظمت في أوساط جماهيرية في بعض دولها، لا سيما في التشيك، حيث رددت مجموعات تشيكية شعارات معادية لليهود بسبب تزعم الملياردير اليهودي التشيكي جورج سورس حملة ضد تشريعات تحدّ من الهجرة وتمسّ بحقوق الإنسان عمد رئيس الحكومة فيكتور أوربان إلى سنها.
وقد حرص أوربان على تأكيد، خلال زيارته الشهر الماضي إلى إسرائيل، التشديد على التزام حكومته بالدفاع عن اليهود في التشيك.
وبسبب العوائد الاستراتيجية للعلاقة مع بولندا، فإن حكومة نتنياهو عمدت إلى تسوية الخلاف مع وارسو في أعقاب إصدار البرلمان البولندي قانوناً يجرم من يتهم الشعب البولندي بالمشاركة في إبادة اليهود إبان وعشية الحرب العالمية الثانية.
ويشير مُعدّ التقرير إلى أن إسرائيل معنية بإغلاق ملف الخلاف مع بولندا، لأنها ترى أن وارسو من خلال هذا القانون لا تتعمد الإساءة لليهود، بل تهدف إلى تحدي الاتحاد الأوروبي.
ولكي يوضح حجم التحول الذي طرأ على مواقف هذه الدول من إسرائيل، يذكّر التقرير بأنه عندما شهدت وارسو احتجاجات طلابية في شتاء 1968، سارعت الحكومة البولندية حينها إلى اعتبار هذا التطور مظهراً من مظاهر "تداخل الصهيونية العالمية".
ويشير إلى مفارقة أخرى تتمثل في حقيقة أن دول أوروبا الوسطى حرصت على تسليح "أعداء" إسرائيل خلال الحرب الباردة، في حين أن إسرائيل تعمد إلى تسليح هذه الدول حالياً.