خلاف إنساني لا سياسي

14 ديسمبر 2015
+ الخط -
تلك الصور المتداولة لإحدى جلسات محاكمات قادة في "الإخوان المسلمين"، يظهرون فيها وعليهم آثار السجن، تزعج عبد الفتاح السيسي ونظامه وصناع "30 يونيو" بمختلف توجهاتهم، أكثر مما تثير استعطاف الثوار ورافضي الانقلاب الدموي.
ظهر الصامدون ببسمةٍ تربك جلادا امتهن إهدار الكرامة الإنسانية، وإزهاق الأرواح ظلماً وعدوانا، والأكثر من ذلك، مازالوا يلوّحون بشارة رابعة، في إحالة إلى الجريمة غير المسبوقة في ميدان رابعة العدوية، والتي تهدد دوما أولئك الأشرار.
وبقدر ما أثارت الصور الانزعاج لمكونات 30 يونيو، استفزت طائفة منهم تدعي دوماً الثورية، أو العمل من أجل العدالة، فكان أن نطقت حناجر كثيرة شامتة في هؤلاء القادة، باعتبارهم مسؤولين عما وصلت إليه الأوضاع تارة، أو هم من خانوا الثورة تارة ثانية، أو أن المنطق الذي يدعو إلى التعاطف مع "الإخوان" سيكون أيضا داعياً إلى التعاطف مع مبارك ورجاله تارة ثالثة.
ظهرت تعليقات مثيرة للاشمئزاز، منها: "دول اللي قالوا الشرعية للبرلمان مش للميدان"، وآخر يقول: "بالمنطق نفسه، يبقى نتعاطف مع مبارك"، وثالث يقول إن "الإخوان" ونظام مبارك كلاهما متساويان وفاسدان، لتتضح الصورة، في النهاية، أن الخلاف مع قطاع محدد من مجرمي 30 يونيو ليس خلافاً سياسياً، وإنما إنساني بالأساس.
قبل ثلاثة أعوام، كان هذا القطاع الذي استخدمته الثورة المضادة خنجراً لطعن الثورة المصرية والقيم الإنسانية النبيلة، يقوم بعمليات وحشية في مقرات جماعة الإخوان المسلمين وحزبها الحاكم (الحرية والعدالة) أمام شاشات التلفزة، ومن دون أدنى خجل من امتهان قيم وشعارات رددتها حناجرهم زوراً وبهتاناً في أوقات سابقة.
كانت ما تسمى القوى المدنية تحيط بالمقرات الحزبية، وتقوم بإحراقها، بتأييد من نخبة سياسية وثقافية تمثل عاراً على مصر، وتلقى تأييدا من كل مكونات العنصرية والفاشية المصرية التي بدأت تتحرك، من حينه، للإجهاز على ثورة المصريين.
كان معارضو الرئيس محمد مرسي يسحلون أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، ويضربونهم بالعصي على رؤوسهم، ويرجمونهم بالحجارة، في مشاهد نزعت منها كل المشاعر والقيم والضمير. أحد الناجين بأعجوبة من حجارة ما تسمى القوى المدنية محكوم عليه بالإعدام من قضاء 30 يونيو، لسبب وحيد، هو نجاته من مخالب هذه الشياطين، وفي إحدى جلسات محاكمته، قال له القاضي، بعد أن رأى فيديو يوضح العدوان عليه وقتها: "إنت ازاي عايش بعد ده كله؟!".
تستعر وحشية وفاشية "30 يونيو" في وقت يسقط فيه الانقلاب العسكري على كل الأصعدة، ولا يتقدم خطوة إلى الأمام، إذ بعد عامين ونصف من وأد الثورة المصرية، تبخرت أحلام أجهزة الأمن المدفوعة من الخارج ووعودها، لتؤكد أن نسف النظام مسألة وقت، حيث تسوء الخدمات وينهار الاقتصاد وتختفى السياحة تماماً. الأكثر فداحة من هذا كله، أن الدولة باتت مهترئة ومبتزة من الجميع، من الشرق والغرب والشمال والجنوب، أدخلها عبد الفتاح السيسي، بمعاييره المختلة، لإدارة العلاقات الخارجية في أتون مقاطعة غير معلنة، ومن دون أن يقترف، على سبيل المثال، ما اقترفه صدام حسين بغزو الكويت أو ما فعله القذافي بإسقاط طائرة لوكربي. كل ما هنالك هو الفشل الكافي لإبعاد الجميع عنه، حتى من توهم أنهم حلفاء.
اكتمل هذا الفشل بصناعة برلمان ليس مثيراً للسخرية، بقدر ما هو مثير للأسى، حول الحال الذي وصلت إليه مصر في الإصدار الثاني من الحكم العسكري، حال جعل القاصي والداني يشعر أن الدولة في حالة انحطاط وتردٍّ غير مسبوق بقيادة عسكريين فاشلين، كلّ همهم مص دم الشعب والاتجار بقوته وكرامته لمن يدفع أكثر.

D0014942-4C8E-4480-8BCE-3609F1487805
D0014942-4C8E-4480-8BCE-3609F1487805
أحمد القاعود (مصر)
أحمد القاعود (مصر)