أطلقت 28 دولة أوروبية أمس عملية بحرية في المتوسط ضدّ المافيا التي تتحكم في تهريب المهاجرين من شواطئ ليبيا نحو القارة العجوز. وتوافق وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي على إطلاق المرحلة الأولى من العملية العسكرية لمكافحة تهريب المهاجرين في البحر المتوسط، والتي تقتصر في الفترة الأولى على عملية رقابة مشددة على شبكات المهربين. وتشارك في هذه المرحلة مجموعة من السفن والغواصات والطائرات الحربية، فضلاً عن الطائرات من دون طيار.
اقرأ أيضاً: أوروبا تعلن حربها على مافيات نقل المهاجرين
ورغم توافق دول الاتحاد الأوروبي في قمة استثنائية في أبريل/نيسان الماضي على وضع خطة متكاملة لمعالجة جذرية للمشكلة، بما في ذلك الخيار العسكري لملاحقة المهربين وخصوصاً في ليبيا، غير أن خلافات حقيقية لا تزال قائمة بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي حول الطريقة الأفضل للتعامل مع آلاف المهاجرين عبر المتوسط.
ورأى وزير الدفاع البريطاني، مايكل فالون، أنّ أي معالجة أوروبية لأزمة المهاجرين لا ينبغي أن تقتصر على عمليات إنقاذ المهاجرين من البحر المتوسط، بل يجب أن تنظر في إيجاد حلول لجذور المشكلة. وشدّد في تصريحات لشبكة "بي بي سي" البريطانية، على الحاجة إلى نهج أكثر شمولاً على مستوى أوروبا للتعامل مع هذه القضية، لا يكتفي بالتعامل السطحي مع أعراض المشكلة، والمساعدة في إنقاذ الناس في البحر المتوسط، بل يعالج الأسباب التي تدفع الناس لترك بلادهم والهجرة، وبالتالي المساعدة في تحقيق الاستقرار لهذه الدول، وصولاً إلى وقف الهجرة الجماعية منها. وشدّد على ضرورة "قطع الصلة بين إنقاذ الناس من البحر المتوسط واستقبالهم في الدول الأوروبية"، لأن من شأن هذه السياسة، بحسبه، أن تشجع على تدفق المهاجرين.
وفي السياق نفسه، دعت وزيرة الداخلية البريطانية، تيريزا ماي، إلى إعادة المهاجرين إلى شمال أفريقيا أو إلى بلدانهم الأصلية، حتى يتأكدوا أنه لا جدوى من هذه الرحلة التي يخوضونوها.
وترفض بريطانيا نظام "الكوتا" أو الحصص، الذي اقترحته المفوضية الأوروبية لتقاسم المهاجرين بين البلدان الأوروبية لتخفيف الضغط على اليونان وإيطاليا ومالطا، التي تستقبل حالياً الجزء الأكبر من اللاجئين. ولا تقف لندن وحيدة في رفضها للاقترح الذي طرحه المفوض الأوروبي للشؤون الداخلية ديمتريس إفراموبولوس، إذ انضمت لها المجر ودول البلطيق والجمهورية التشيكية وبولندا، التي رفضت أي توزيع إلزامي بحسب معايير محددة. أما فرنسا التي ترفض الحديث عن "حصص"، فلا تعترض على تقاسم اللاجئين بموجب معايير محددة.
من جهته، شعر رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو رينزي، بخيبة أمل من "التضامن" الأوروبي، لتخفيف الأعباء التي تتعرض لها بلاده بسبب وصول المهاجرين الكثيف إلى شواطئها عبر البحر المتوسط. ولا تخفي إيطاليا أنه في حال فشل الاتحاد الأوروبي بالتوصل الى اتفاق حول تقاسم الأزمة بـ "الحصص"، فإنها ستعيد العمل بقرار اتخذه رئيس وزرائها السابق سيلفيو بيرلوسكوني، في العام 2011، وقضى بتسوية أوضاع المهاجرين في إيطاليا، وهو ما يمنحهم كامل الحرية في السفر عبر الحدود المفتوحة بين دول اتفاقية شينغن. هذه الخطوة ستُمكن آلاف المهاجرين غير النظاميين من مواصلة رحلتهم في اتجاه شمال أوروبا للالتحاق بعائلاتهم، علماً أن عدداً كبيراً جداً منهم لا يريدون البقاء في إيطاليا، نظراً للأزمة الاقتصادية التي يتخبط فيها البلد من جهة، ونظراً لكون غالبيتهم لا يتقنون اللغة الإيطالية، من جهة ثانية. إذ إن غالبيتهم ينحدرون من دول فرانكوفونية وأنغلوساكسونية، وبالتالي يفضلون الاستقرار في بلدان ذات اقتصاديات قوية كألمانيا وفرنسا وبريطانيا. وإذا كان الأوروبيون لا يراهنون على تطبيق إيطاليا لهذا القرار الأحادي الجانب، إلا أنهم يعرفون أن إيطاليا لن تصبر طويلاً، خصوصاً أن توافد المزيد من المهاجرين يشجع على تنامي العنصرية، ويوفر أرضاً خصبة لأحزاب اليمين المتطرف.
أما الورقة الأخرى التي تلوح بها إيطاليا، فهي عدم السماح للسفن غير الإيطالية التي تقود عمليات إنقاذ المهاجرين في البحر الأبيض المتوسط بالرسو في الموانئ الإيطالية لتفريغ حمولتها، وبالتالي إلزام هذه السفن بالالتحاق بالبلدان التابعة لها، ونقل المهاجرين إليها، وهكذا تتحمل بدورها نصيبها من المعضلة، وربما هذا ما حمل بريطانيا للتلويح بسحب السفينة الحربية "بولوارك"، التي تساعد في عمليات البحث والإنقاذ الجارية في البحر المتوسط منذ شهر أبريل/نيسان الماضي، بحجة أن المهمة المحددة للسفينة تنتهي في الخامس من يوليو/تموز المقبل. وقالت متحدثة باسم وزارة الدفاع "لم يتم تحديد موعد نهائي لانسحاب السفينة، ولكن يجري بحث جميع الخيارات".
اقرأ أيضاً: تدفق المهاجرين غير الشرعيين يزلزل الاتحاد الأوروبي