بعيداً عن الحرب اتجه الحوثيون بخياراتهم التي وصفوها بـ"الاستراتيجية" إلى قرارات اقتصادية وخطوات سياسية يسعون لإكمالها في الفترة المقبلة بعد سلسلة من التهديدات، إذ تفيد مصادر مطلعة أن الجماعة تجري مشاورات مكثفة لتشكيل حكومة، غير أن الخلافات في صفوف قيادييها ومع حلفائها بشأن جدوى هذه الخطوة، تقف من دون إخراجها إلى النور.
وأوضحت مصادر مطلعة في صنعاء لـ"العربي الجديد" أن تشكيل حكومة انقلابية كان قراراً شبه محسوم الأسبوع الماضي وكانت الجماعة قد قطعت أشواطاً لإعلانها، إلا أن التباينات في آراء قيادييها وعدم التوافق حولها مع حليفها حزب المؤتمر الشعبي العام برئاسة الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، حالا دون الوصول إلى تشكيل حكومة في إطار "الخيارات الإستراتيجية" التي لوحت بها الجماعة وأخرجت تظاهرات لتأييدها، تحت عنوان "التفويض" بتنفيذ تلك الخيارات.
اقرأ أيضاً: الحوثيون يضعون محافظ البنك المركزي تحت الإقامة الجبرية
مصدر مقرب من سياسي عرض عليه الحوثيون تولي حقيبة وزارية لكنه اعتذر، كشف لـ"العربي الجديد" أن جهود الجماعة لتشكيل الحكومة مستمرة وتسعى لإعلانها في الفترة المقبلة، مشيراً إلى أن من أبرز العوائق حتى الآن رفض العديد من الأسماء والشخصيات الموافقة على تولي مناصب في حكومة انقلابية في ظل وضع محكوم بالحرب والمليشيا. وفي مقدمة المناصب المتعذر التوافق حولها، منصب رئيس الوزراء، الذي رفض حزب المؤتمر، حسب المصدر، أن يكون من المنتمين إليه.
وكان الحوثيون قد فاجأوا الشارع اليمني، ضمن "الخيارات الاستراتيجية" بإصدار اللجنة الثورية الانقلابية التي تديرها الجماعة قراراً بـ"تعويم" أسعار المشتقات النفطية، وهو المصطلح الذي أثار جدلاً، وبدا احتيالاً على التوصيف المتعارف عليه للقرار وهو "تحرير أسعار الوقود". وكان من أبرز ما أثار الجدل، أن الجماعة اجتاحت صنعاء العام الماضي بمبرر إسقاط "الجرعة" السعرية التي أقرتها الحكومة، برفع سعر الوقود، لكن بعد أقل من عام، لجأ الحوثيون الذين أصبحوا مسيطرين على الدولة إلى اتخاذ قرار يعتبر منتقدوه أنه أشد وطأة من "الجرعة".
وفي انعكاس للخلافات وواقع التخبط الذي باتت تعيشه الجماعة، نفى عضو اللجنة محمد أحمد مفتاح، في تصريح له أن يكون له أي علم مسبق بصدوره أو بالنقاشات في اللجنة حوله قائلاً "لا علم لي على الإطلاق بخلفية هذه القرارات ولا من صنعها ولا كيف صنعت؟! ولا لماذا لم تعرض علينا في اجتماع رسمي؟".
من جهته انتقد عضو اللجنة، محمد المقالح، الذي كان قد أعلن سابقاً تعليقه عضويته فيها، القرارات واصفاً إياها بـ"الغرائبية" معتبراً أنها تتخلى عن أهم هدفين لما سماها "ثورة 21سبتمبر/أيلول" وهما "دعم المشتقات النفطية ومحاربة الفساد". ودعا المقالح في منشورات على صفحته بموقع "فيسبوك" إلى التراجع عن القرار، معتبراً أنّ "القرار الذي تضطر إلى شرحه للناس ومحاولة إقناعهم به ولا تستطيع، هو قرار غبي وعليك أن تتراجع عنه فوراً".
وتثير هذه الردود تساؤلات حول الصلاحيات الفعلية للجنة الثورية العليا المؤلفة من 15 عضواً والتي يرأسها محمد علي الحوثي، وتعتبر، شكلاً، بمثابة السلطة الانقلابية العليا في البلاد. غير أن الكشف عن قرارات كبيرة بحجم تحرير أسعار المشتقات بعيداً عن اللجنة يكشف هشاشتها، وبأن القرار، على ما يبدو، يعود لزعيم الجماعة، عبدالملك الحوثي، أو قيادات أخرى تحركها عن بعد.
ويعكس الرفض الذي بدأ من داخل اللجنة الثورية نفسها، أن الأمر ليس أفضل حالاً في الشارع اليمني، وعلى مستوى الجماعة نفسها، إذ إن العديد من الإعلاميين والناشطين المحسوبين على الجماعة هاجموا القرار أو تحفظوا على الدفاع عنه. وذهب بعض المعلقين إلى حد القول إنّ القرار قد تكون نتيجته تسهيل سقوط الجماعة، وخصوصاً أنها صعدت صعوداً مفاجئاً على ظهر "أسعار المشتقات" ويمكن أن تسقط بقرار "تعويمها".
اقرأ أيضاً: مخلّفات الحرب تهدّد اليمن