على الرغم مما يحدث داخل "نداء تونس" في الفترة الأخيرة، فلا أحد تقريباً يتحدث عن خلاف بين الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي ونجله حافظ قائد السبسي.
وتبدو حملات التمرد التي يعلنها حافظ قائد السبسي، داخل حزب "نداء تونس" في الأشهر الأخيرة، مؤشراً في الظاهر إلى طريق جديدة يسلكها، قد لا تلتقي مع الطريق التي رسمها والده رئيس الحزب ومؤسسه ورئيس الدولة الحالي. خلاف سياسي قد يتحول إلى خلاف عائلي، غير أن المعطيات المتوفرة تفيد بأن المسألة وإن كانت معقدة، فإنها قد لا تعني بالضرورة خلافاً في العمق بين الوالد والابن، على الرغم من المسافة السياسية.
فبعد خروج السبسي الأب من الحزب إلى قصر قرطاج، فُتحت صراعات الخلافة وطموحات السيطرة على الحزب بين تيارات وشخصيات مختلفة، طرحت كل أوراقها المتاحة من إقصاء الخصوم إلى التلويح بالاستقالة، وصولاً إلى تفخيخ الحزب نفسه والتهديد بتشظيه.
وبلغت ذروة الخلاف في حلقته الأولى مع بداية تشكيل الحكومة وبروز تيار معارض للتحالف مع حركة "النهضة"، وطُرح الخلاف عميقاً حول رؤية الخيارات الأساسية والاستراتيجية للحزب، وأعاد النقاش إلى جوهره بسبب ما فُسّر باختلاف الروافد أو التيارات الفكرية داخل الحزب.
غير أن حرب المواقع لم تكن خافية على أحد، وإن ظهرت إبان تشكيل الحكومة وإعلان أكثر من طرف عن أحقيته في الفوز بحقيبة وزارية، فإنها انطلقت قبل ذلك بكثير خلال تشكيل القوائم للانتخابات التشريعية في المناطق، وإعلان أكثر من تنسيقية مناطقية عن رفضها لاختيارات المركز في تونس.
وأُعلن في دائرة العاصمة عن رفض ترشيح حافظ قائد السبسي لترؤس قائمتها، ما أدى إلى انسحابه، وهو ما اعتُبر بداية لإقصائه من الحزب من قِبل خصومه، وبداية الصراع بينه وبين مناصريه وبقية التيارات التي تُتهم بالسعي إلى السيطرة على الحزب.
وجاءت حلقة الإقصاء الثانية للسبسي الابن عندما اقتُرح للانضمام إلى الهيئة التأسيسية، ما شكّل محاولة جديدة لإقصائه وربما الإجهاز عليه نهائياً وعلى من يقفون وراءه، غير أنها شكّلت أيضاً بداية انتفاضه وإعلانه التمرد بشكل علني، لم يعد يمنعه منه واجب التحفظ بعد خروج الأب إلى قصر الرئاسة.
حافظ قائد السبسي قرر، بعد "فترة الصبر والتحفظ العائلي"، كما يقول أحد القريبين منه في حديث مع "العربي الجديد"، أن يخرج إلى مواجهة من يعتبرهم "إقصائيين" وراغبين في السيطرة على الحزب وبالتالي على الدولة، غير أن السبسي الابن ليس وحده في هذا التوجّه، وهناك جزء كبير من القواعد والقيادات شعرت بأنها أُقصيت من قرارات الحزب ومن إدارة الدولة، وأُبعدت من الدائرة المقربة من الرئيس، ما جعل بعضها يتحدث عن "محاصرة السبسي الأب في قصر قرطاج". غير أن المخاوف زادت مع اقتراب مؤتمر الحزب الأول، وبروز حسابات الربح والخسارة، ما دفع إلى التفكير في كيفية إعداد المؤتمر وخصوصاً من يُعدّ للمؤتمر.
اقرأ أيضاً: تونس: الإرهاب يعمق خلافات "النهضة" و"الجبهة"
هذه الأسئلة والمخاوف دفعت بهذا التيار الجديد الذي يقوده حافظ إلى الإعلان عن نفسه، والتلويح بكل الإمكانيات المتاحة لفرض رأيه، وإن لزم الأمر التلويح بالانشقاق وتأسيس حزب جديد، وهي فرضية موجودة ولكنها مستبعدة، ويبدو هدفها الأول جمع أكثر ما يمكن من الغاضبين ومن الحساسيات القريبة من تيار، يجتمع حول بعض المبادئ والخيارات السياسية التي تقوم على أساس شراكة وطنية واسعة مع بعض الأحزاب، وأولها حركة "النهضة"، وتؤمن بتوفير مناخ استقرار وطني يهدف إلى المصالحة، ويضع حداً لحالة الخلاف السياسي التي عرقلت سير الحياة السياسية والاقتصادية في السنوات الماضية، بحسب رأي المنتمين لهذا التيار.
وتجد هذه الأفكار مساندين لها من خارج "النداء" وأساساً من حركة "النهضة" أيضاً، وهو ما دفع المخالفين إلى الحديث عن "أطراف من خارج الحزب تتدخل في شؤونه".
وبالعودة إلى "السبسيَّيْن"، يبدو الحديث عن التلويح بشق الحزب مخالفاً بشكل مباشر لرؤية السبسي الأب المهووس بالمؤسسات وبالقانون، والتزامه بهياكل الحزب، وهو ما دفعه في أزمة "النداء" قبل الأخيرة، إلى دعوة مدير الحزب بوجمعة الرميلي، وهو منافس لحافظ، في محاولة للحد من الخلافات، ما يعني في الظاهر أنه لا ينتصر لابنه في معركته، على الرغم من اتهامه سابقاً بمحاولة التوريث.
غير أن السبسي الأب في العمق يلتقي مع نجله في الخيارات السياسية الكبرى، وخصوصاً في مسألة التوافق الوطني والالتقاء مع "النهضة"، بعكس التيار المنافس، ويحتفظ في سرِّه ليساريي "النداء" بهجومهم الشرس عليه إبان تشكيل الحكومة، ومعارضتهم لخياراته.
ويذكر بعض المقربين من حافظ السبسي أن الاختلافات السياسية بين الابن وأبيه ليست جديدة، فقد سبق لحافظ أن ترشح في العام 1989 في لائحة منافسة لوالده في تونس في الانتخابات التشريعية (قائمة الحزب التحرري الاجتماعي)، من دون أن يفسد هذا علاقتهما أو أن يعكر صفو العائلة.
وللمتمعن في جوهر ما يحدث اليوم داخل "النداء"، فإن السبسي الأب لا يمكن أن يكون غاضباً من نجله بسبب التباين في الرؤى السياسية، ولكنه بالضرورة مختلف معه في الطريقة، وخصوصاً في كل ما يمكن أن يهدد مشروعه الكبير الذي جدّد حياته السياسية بالكامل، ودفع به إلى لعب الدور الأكبر في هذه المرحلة من حياته السياسية. فتقسيم "النداء" هو في نهاية الأمر تهديد لكل ما بناه الوالد، ونجح فيه في السنوات الأخيرة، وهي مفارقة يعيها منافسوه جيداً وقد تكون ورقة هامة بين أيديهم، ولكن حافظ يبدو أنه أدرك هذا سريعاً وتراجع عن الانسلاخ من دون أن يتنازل عن التمرد.