في صباح كلّ يوم، تحتسي أم ربيع قهوتها وحيدة في منزل العائلة في مدينة إدلب في سورية، بينما تدوّن ملاحظاتها وقد اطّلعت على عشرات الرسائل القصيرة التي تصلها في كلّ يوم. كثيرون يستعينون بالمرأة الستينية للعثور على شريك أو شريكة حياة، فهي "الخطابة أم ربيع".
لا تستحسن أم ربيع اللقب الذي يطلقه عليها معارفها، مشددة على أنّ "كل ما تفعله هو بهدف التوفيق بين شخصَين بالحلال". وتوضح لـ"العربي الجديد"، أنّها لا تتقاضى مبالغ محدّدة كبدل للقاءات أو عمليات التواصل التي تؤمّنها بين الطرفَين. تقول: "لا أشترط أيّ مبلغ من المال مسبقاً، ولكنّني أقبل الهدية المالية، أي الحلوان الذي يرسله العريس لي بعد أن يوفّقه الله وييسّر له زواجه، كلّ بحسب إمكانيته". تضيف أنّ "الهدية تكون غالباً مبادرة من قبل العريس لإثبات حسن نيته أمام أهل العروس. أمّا من تكون أوضاعهم المادية سيئة، فيكفيني منهم الدعاء".
خلال السنوات الثلاث الماضية، توسّطت المدرّسة المتقاعدة في إتمام 11 زيجة و12 خطبة، وتخبر أنّ "الأمر بدأ صدفة، بعدما سافر جميع أولادي إلى خارج البلاد وتقاعدت وبقيت أنا وزوجي وحيدَين هنا. فكثيرون من نازحي إدلب بسبب الحرب، راحوا يسألونني عن عروس أدلّهم عليها، إذ إنّني معروفة بعلاقاتي. وبعدما تمّت ثلاث زيجات على يدي، بدأت أتلقى اتصالات من أناس لا أعرفهم لأدلهم على عروس. كذلك راحت عائلات عدّة تعلمني برغبتها في تزويج بناتها". وتشير أم ربيع إلى أنّها تزوّجت بطريقة مشابهة، "وأعرف أنّه في إمكان كثيرات مثلي ممّن لديهنّ علاقات ومعارف أن يساعدنَ الشبان والشابات على إيجاد شريك حياتهم".
و"الخطّابة" التي غاب دورها ظاهرياً عن المجتمع السوري خلال السنوات العشرين الماضية، قبل الأزمة الأخيرة في البلاد، عادت بصورة جديدة. اليوم، في إمكانك أن تجد نساء يؤدّينَ دور أم ربيع نفسه في بلدات ومدن سورية عدّة، وكذلك في تجمّعات السوريين خارج البلاد، مثل جنوبي تركيا ولبنان والأردن وألمانيا. بالنسبة إلى أم ربيع، فإنّ "الناس باتوا في حاجة إليّ أكثر من قبل. الكلّ مشرّد في البلاد، وأهالي المدينة الواحدة لا يلتقون بعضهم بعضاً إلا نادراً وقد انقطع الاتصال بينهم، في حين أنّ كثيرين ما زالوا يفضّلون الزواج من أبناء مدينتهم أو قريتهم".
واليوم، تختلف الخطّابة السوريّة عن خطّابة أيام زمان التي تجمعها علاقات مع كل أسر المنطقة وتحضر في كل المناسبات الخاصة والعامة لمراقبة الشابات والتعرّف إلى أكبر عدد منهنّ. تلفت جهينة، وهي امرأة خمسينية تمتهن ذلك، إلى أنّ "المشترك بين خطّابة اليوم وخطّابة الأمس هو قدرة الواحدة على الإقناع". تقول: "لم تعد ظروف الناس كما كانت في السابق، لذا أحاول إقناع الطرفَين بتسهيل الأمور والشروط، خصوصاً المادية منها. وأنجح في أحيان كثيرة، لا سيّما أنّ الأهالي يتخوّفون من ألا تجد بناتهم أزواجاً بعد هجرة شباب البلاد إلى الخارج".
وجهينة، كما أم ربيع، تستخدم هاتفها ووسائل التواصل الاجتماعي بدلاً من الزيارات للقيام بمهامها. فهي تتحرّى عن كل من الطرفَين وتساعدهما على التواصل، إذ غالباً ما يكون كل منهما يعيش في منطقة مختلفة. تقول: "أنا من مدينة دير الزور لكنّني أعيش في دمشق. وشباب الدير يرغبون في الزواج من فتاة ديرية كذلك، لكنّنا مشرّدون. بالتالي، فإنّ دوري يقتضي تأمين تواصل بين من أجدهما متناسبَين بعضهما مع بعض، ثم أترك لهما المجال إمّا ليكملا معاً وإمّا أن يقطعا العلاقة. لا أتدخّل أكثر من ذلك حتى لا أتورّط في المشاكل".
اقــرأ أيضاً
وتوضح جهينة أنّ "التوافق بين الطرفَين ليس وحده ما يحدد إتمام الزواج إنمّا ظروف كلّ منهما. فكثيرون يعيشون في مناطق معارضة لا يستطيعون الانتقال إلى المناطق الخاضعة لسيطرة النظام والعكس صحيح".
على الرغم من العائدات المادية الجيّدة، فإنّ جهينة ترفض التوسّط لطلبات كثيرة تتلقاها. تقول: "لا أضع يدي في زواج ثان مهما كان السبب. أرفض طلبات المتزوّجين مسبقاً، فأنا أريد أن أكون سبباً لسعادة الناس وليس تعاستهم. كذلك أرفض مساعدة بعض الأغنياء من غير السوريين الذين يعرضون مبالغ كبيرة للزواج من فتيات صغيرات، إذ إنّ هذه الزيجات غالباً ما تكون مؤقتة، وهي بالنسبة إليّ محرّمة".
وتشير جهينة إلى أنّ طالبي الزواج الذين يلجأون إليها من كل الفئات الاجتماعية، كذلك ثمّة كثيرون يعيشون في بلاد اللجوء. حسام، شاب سوري يعيش في ألمانيا، تعرّف إلى خطيبته منى التي تعيش في دمشق "بواسطة السيدة جهينة. فأنا يئست من شروط الزواج التي يفرضها أهالي الشابات السوريات في أوروبا، لذا قررت البحث عن شريكة حياتي في سورية". يضيف أنّ جهينة، وهي صديقة والدته، "رتّبت لي ثلاث لقاءات مع شابات عبر الإنترنت. من الاتصال الأول، عرفت أنّ منى هي شريكة حياتي التي أريد، ونحن ننتظر تخرّجها من الجامعة لنتزوج". ويلفت حسام إلى أنّه "لو تزوّج صديق لي عن طريق خطابة كنت لأسخر منه قبل خمس سنوات. لم أتخيّل أن ألجأ إلى هذه الطريقة يوماً ما".
اقــرأ أيضاً
لا تستحسن أم ربيع اللقب الذي يطلقه عليها معارفها، مشددة على أنّ "كل ما تفعله هو بهدف التوفيق بين شخصَين بالحلال". وتوضح لـ"العربي الجديد"، أنّها لا تتقاضى مبالغ محدّدة كبدل للقاءات أو عمليات التواصل التي تؤمّنها بين الطرفَين. تقول: "لا أشترط أيّ مبلغ من المال مسبقاً، ولكنّني أقبل الهدية المالية، أي الحلوان الذي يرسله العريس لي بعد أن يوفّقه الله وييسّر له زواجه، كلّ بحسب إمكانيته". تضيف أنّ "الهدية تكون غالباً مبادرة من قبل العريس لإثبات حسن نيته أمام أهل العروس. أمّا من تكون أوضاعهم المادية سيئة، فيكفيني منهم الدعاء".
خلال السنوات الثلاث الماضية، توسّطت المدرّسة المتقاعدة في إتمام 11 زيجة و12 خطبة، وتخبر أنّ "الأمر بدأ صدفة، بعدما سافر جميع أولادي إلى خارج البلاد وتقاعدت وبقيت أنا وزوجي وحيدَين هنا. فكثيرون من نازحي إدلب بسبب الحرب، راحوا يسألونني عن عروس أدلّهم عليها، إذ إنّني معروفة بعلاقاتي. وبعدما تمّت ثلاث زيجات على يدي، بدأت أتلقى اتصالات من أناس لا أعرفهم لأدلهم على عروس. كذلك راحت عائلات عدّة تعلمني برغبتها في تزويج بناتها". وتشير أم ربيع إلى أنّها تزوّجت بطريقة مشابهة، "وأعرف أنّه في إمكان كثيرات مثلي ممّن لديهنّ علاقات ومعارف أن يساعدنَ الشبان والشابات على إيجاد شريك حياتهم".
و"الخطّابة" التي غاب دورها ظاهرياً عن المجتمع السوري خلال السنوات العشرين الماضية، قبل الأزمة الأخيرة في البلاد، عادت بصورة جديدة. اليوم، في إمكانك أن تجد نساء يؤدّينَ دور أم ربيع نفسه في بلدات ومدن سورية عدّة، وكذلك في تجمّعات السوريين خارج البلاد، مثل جنوبي تركيا ولبنان والأردن وألمانيا. بالنسبة إلى أم ربيع، فإنّ "الناس باتوا في حاجة إليّ أكثر من قبل. الكلّ مشرّد في البلاد، وأهالي المدينة الواحدة لا يلتقون بعضهم بعضاً إلا نادراً وقد انقطع الاتصال بينهم، في حين أنّ كثيرين ما زالوا يفضّلون الزواج من أبناء مدينتهم أو قريتهم".
واليوم، تختلف الخطّابة السوريّة عن خطّابة أيام زمان التي تجمعها علاقات مع كل أسر المنطقة وتحضر في كل المناسبات الخاصة والعامة لمراقبة الشابات والتعرّف إلى أكبر عدد منهنّ. تلفت جهينة، وهي امرأة خمسينية تمتهن ذلك، إلى أنّ "المشترك بين خطّابة اليوم وخطّابة الأمس هو قدرة الواحدة على الإقناع". تقول: "لم تعد ظروف الناس كما كانت في السابق، لذا أحاول إقناع الطرفَين بتسهيل الأمور والشروط، خصوصاً المادية منها. وأنجح في أحيان كثيرة، لا سيّما أنّ الأهالي يتخوّفون من ألا تجد بناتهم أزواجاً بعد هجرة شباب البلاد إلى الخارج".
وجهينة، كما أم ربيع، تستخدم هاتفها ووسائل التواصل الاجتماعي بدلاً من الزيارات للقيام بمهامها. فهي تتحرّى عن كل من الطرفَين وتساعدهما على التواصل، إذ غالباً ما يكون كل منهما يعيش في منطقة مختلفة. تقول: "أنا من مدينة دير الزور لكنّني أعيش في دمشق. وشباب الدير يرغبون في الزواج من فتاة ديرية كذلك، لكنّنا مشرّدون. بالتالي، فإنّ دوري يقتضي تأمين تواصل بين من أجدهما متناسبَين بعضهما مع بعض، ثم أترك لهما المجال إمّا ليكملا معاً وإمّا أن يقطعا العلاقة. لا أتدخّل أكثر من ذلك حتى لا أتورّط في المشاكل".
وتوضح جهينة أنّ "التوافق بين الطرفَين ليس وحده ما يحدد إتمام الزواج إنمّا ظروف كلّ منهما. فكثيرون يعيشون في مناطق معارضة لا يستطيعون الانتقال إلى المناطق الخاضعة لسيطرة النظام والعكس صحيح".
على الرغم من العائدات المادية الجيّدة، فإنّ جهينة ترفض التوسّط لطلبات كثيرة تتلقاها. تقول: "لا أضع يدي في زواج ثان مهما كان السبب. أرفض طلبات المتزوّجين مسبقاً، فأنا أريد أن أكون سبباً لسعادة الناس وليس تعاستهم. كذلك أرفض مساعدة بعض الأغنياء من غير السوريين الذين يعرضون مبالغ كبيرة للزواج من فتيات صغيرات، إذ إنّ هذه الزيجات غالباً ما تكون مؤقتة، وهي بالنسبة إليّ محرّمة".
وتشير جهينة إلى أنّ طالبي الزواج الذين يلجأون إليها من كل الفئات الاجتماعية، كذلك ثمّة كثيرون يعيشون في بلاد اللجوء. حسام، شاب سوري يعيش في ألمانيا، تعرّف إلى خطيبته منى التي تعيش في دمشق "بواسطة السيدة جهينة. فأنا يئست من شروط الزواج التي يفرضها أهالي الشابات السوريات في أوروبا، لذا قررت البحث عن شريكة حياتي في سورية". يضيف أنّ جهينة، وهي صديقة والدته، "رتّبت لي ثلاث لقاءات مع شابات عبر الإنترنت. من الاتصال الأول، عرفت أنّ منى هي شريكة حياتي التي أريد، ونحن ننتظر تخرّجها من الجامعة لنتزوج". ويلفت حسام إلى أنّه "لو تزوّج صديق لي عن طريق خطابة كنت لأسخر منه قبل خمس سنوات. لم أتخيّل أن ألجأ إلى هذه الطريقة يوماً ما".