خطف من أجل المال في ليبيا

30 اغسطس 2020
ينظر إلى صور بعض المفقودين (جوزيف عيد/ فرانس برس)
+ الخط -

ما زالت عائلة هند عبد العزيز من مدينة درنة، شرق ليبيا، عاجزة عن الوصول إلى ابنتها التي خطفتها إحدى المليشيات المسلحة. وحتى اليوم، لا تعرف شيئاً عن مصيرها على الرغم من مرور أكثر من شهر على اختطافها. ويقول عضو مركز  مدافعين ليبيين (حقوقي أهلي) معمر الدبوسي إن عدد المغيبين في ليبيا منذ عام 2017 يقارب الألف شخص.

وتنتشر عمليات الخطف والإخفاء القسري في ليبيا في ظل غياب الإرادة السياسية لدى السلطات الرسمية لوقف هذه الممارسات، وعجزها عن الحد من ظاهرة انتشار السلاح خارج سلطتها، بل ومشاركة عدد من المسلحين التابعين لها في هذه الجرائم، التي يصفها الدبوسي، خلال حديثه لـ "العربي الجديد"، بـ "الممنهجة لإحكام سيطرة أحد طرفي الصراع على البلاد ومصادرة حق أي معارض أو ناشط سياسي أو حقوقي".

ويقول أحد أقرباء هند الذي رفض الكشف عن اسمه خوفاً من تعرضه للخطر، إنها اعتقلت مطلع هذا الشهر من قبل مجموعة مسلحة تابعة لما يعرف بـ "الأمن الداخلي" على خلفية نشرها صور وصفت بأنها "معادية للجيش"، في إشارة إلى قوات خليفة حفتر التي تسيطر على المدينة. ويلفت إلى أن عملية الاعتقال لم تكن بالشكل القانوني والمتعارف عليه كما لم يسبقها طلب استدعاء لمركز الأمن الداخلي. يضيف في حديثه لـ "العربي الجديد" أن الأسرة طبقت الإجراءات المعروفة من توكيل محام واللجوء إلى القضاء، لكنها فوجئت بإحالة هند إلى القضاء العسكري في بنغازي، من دون أن يعرف مكان اعتقالها حتى الآن.

ويخشى أن تلقى هند مصير مغيبين آخرين، على غرار النائبة سهام سرقيوة. وعلى الرغم من أن عدداً من المنظمات الحقوقية والناشطين أدانوا مؤخراً عمليات الاعتقال التعسفية خلال السنوات الماضية، وكان آخرها اعتقال هند عبد العزيز، تبقى قضية سرقيوة التي خطفت على يد مليشيا تابعة لحفتر منذ يوليو/ تموز عام 2018، الأبرز.  

ويوضح الدبوسي أن مركزه رصد 330 ضحية إخفاء قسري خلال عام 2017، و253 خلال عام 2018، و283 خلال عام 2019. ويتوقع أن يتجاوز عدد المخفيين قسراً خلال العام الحالي الـ 200، نتيجة الحرب القائمة جنوب طرابلس.

ويشير إلى أن "أكبر التحديات التي تواجهنا خلال العمل على إحصاء عدد المغيبين قسرياً هذا العام هو عدم انتهاء عمل الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين التابعة لحكومة الوفاق الوطني البحث في المقابر الجماعية في جنوب طرابلس ومدينة ترهونة، غربي البلاد"، الأمر الذي يؤكده رئيس الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين كمال السيوي. ويقول الأخير لـ "العربي الجديد": "عدد الذين عثر عليهم في مقابر جنوب طرابلس وترهونة هو 72 جثة بعضها غير معروف الهوية بسبب التشوهات وتحلل الجثث"، مشيراً إلى أن عمليات البحث ما زالت مستمرة. ويؤكد أن عدد المفقودين المبلغ عنهم منذ إبريل/ نيسان الماضي وحتى نهاية يوليو/ تموز الماضي بلغ 206 مفقودين.

وليست الظاهرة محصورة بالمجموعات المسلحة المسيطرة في شرق ليبيا، فقد ألقت العديد من المنظمات الدولية المسؤولية على حكومة الوفاق الوطني في طرابلس، بسبب تزايد ظاهرة الاختفاء القسري في مناطق سيطرتها غرب البلاد. لكن الاعتقال والإخفاء القسري في جنوب ليبيا يرتبط بأسباب أخرى لا تتعلق بالتوجهات السياسية أو الانتماء إلى المناطق، بل من أجل المال. 

سعت أسرة زيدان الشريف من منطقة تويوة في جنوب ليبيا، إلى جمع المال المطلوب من قبل مليشيا مسلحة اختطفته منتصف العام الماضي. لكن لم يعد في إمكانها الوصول إلى المليشيا التي قطعت اتصالها بالأسرة منذ نهاية ديسمبر/ كانون الأول الماضي. يقول شقيق المختطف، المهدي، لـ "العربي الجديد"، إنه على الرغم من البحث المستمر، إلا أن مرور الوقت بات يقنعنا بأنه قد قتل على يد المليشيا المختطفة التي لا نعرف هويتها ولا مكانها، مشيراً إلى أنها كانت تتصل بالأسرة حتى نهاية ديسمبر الماضي، لتسمع الأسرة صوت الابن خلال تعذيبه، علّها تدفع المال.

وعن الجهود الأهلية مع السلطات الرسمية، يقول الدبوسي إن "تقاطع الصلاحيات لدى الجهات المسؤولة واعتماد معظمها على المجموعات المسلحة يجعلنا نقول إن هذه الجهود لن تصل إلى شيء". ويشير إلى أن الانقسام الحكومي واستمرار القتال لن يوقف الظاهرة بل سيكون أحد عوامل زيادتها.

يضيف الدبوسي أن الجهود الأهلية التطوعية لحصر المغيبين ليست دقيقة، بسبب عدم وجود إحصائيات رسمية، مشيراً إلى أن الهلال الأحمر أدلى بمعلومات تقديرية لمنظمة العفو الدولية عام 2015 عن عدد المختفين قسرياً. ويقول إنها "لا تقل عن 626 شخصاً منذ عام 2011". ​

المساهمون