خطر مناخي يهدد العالم... جفاف وحرارة وخسائر في القطاع الزراعي

09 يوليو 2018
ارتفاع قياسي للحرارة تسجله دول اسكندينافيا (تويتر)
+ الخط -



الإعلانات الصادرة عن الفلاحين عن زيادة الأغلال الزراعية الصيفية، مقابل انخفاض خطير في أخرى، القمح واحد منها، وغياب شبه كامل لمحصول العسل، ليست في دول حوض البحر المتوسط بل في بلدان اسكندنافيا.

جفاف وحرارة يضربان دول الشمال الأوروبي والأميركي، من علامات التغير المناخي الذي يتحمل الإنسان مسؤوليته بالدرجة الأولى، بسبب نمط عيشه واستهلاكه المدمرَين الطبيعة. 

في الدنمارك لم يمر القطاع الزراعي منذ نحو 150 عاماً بمثل الجفاف الحاصل اليوم مع غياب الأمطار، وارتفاع درجات الحرارة المستمر منذ شهر مايو/أيار الماضي. وفي السويد، التي تبقى مناطقها الشمالية رطبة عادة، تعيش حالة جفاف استدعت نداءات استغاثة رفعها القطاع الزراعي المهدد.

تلك التبدلات المناخية تمكن ملاحظتها بالعين المجردة في مروج تتحول نحو الصفرة داخل المدن، وعلى الطرق السريعة، في دول تكسوها الخضرة صيفاً وشتاءً بفعل مخزونها المائي الضخم، وأمطار صيفية كانت تستدعي شبه هروب جماعي سياحي نحو حوض المتوسط. ويترافق مع موسم الصيف هذا العام إعلان "منع وغرامات مالية لمن يشعل نارا بالفحم والخشب، في حفلات شواء في الحدائق والغابات.

جفاف وارتفاع قياسي للحرارة في أوروبا

يشار إلى تسجيل أعلى درجات الحرارة في الدنمارك في شهر يونيو/حزيران الماضي منذ عام 1874، في حين لم تشهد السويد الجفاف الذي سجلته الشهر الماضي منذ أكثر من 130 عاماً خصوصا في جنوبه. أما في النرويج، وفي منطقة "فينماركن" القريبة من الدائرة القطبية فثمة تغير "مرعب" بوصف الخبراء، إذ سجلت الحرارة نحو 30 درجة، وهي في أقصى حالاتها لم تزد عن 15 درجة صيفا. وفي اسكتلندا ارتفعت درجات الحرارة فوق 33 درجة مئوية. ووصلت في إيرلندا إلى 32 درجة في الأسبوع الماضي.

كذلك ذكر مرصد الأجواء البريطاني في 2 يوليو/تموز الجاري أن "موجة الحر مستمرة"، بعد أن سجل ارتفاعا قياسيا في بعض مناطق المملكة المتحدة. أما في ألمانيا، فاشتعلت الحرائق في أكثر من مكان بفعل الجفاف، وارتفاع الحرارة. وسجلت سويسرا وفرنسا زيادة قياسية للحرارة تخطت الـ35 درجة مئوية.



كندا وأميركا

وعلى الضفة الأخرى للأطلسي، وصلت درجات الحرارة في كندا إلى مستويات قياسية. وعانت أوتاوا من هذه الارتفاعات حتى حدود 34 درجة، وفي مونتريال وصلت إلى 36 درجة، وحصدت الحرارة المرتفعة إصابات ووفيات طاولت عشرات المواطنين.

وفي الولايات المتحدة وصلت درجة الحرارة في نيويورك إلى 41 درجة مئوية. وساهمت إلى جانب انبعاثات السيارات والصناعة في جعل الهواء خطرا على صحة الإنسان.


أضرار زراعية

أكثر القطاعات تضررا من الصيف الجاف والحار هو القطاع الزراعي بحسب الخبراء. ويضيف هؤلاء إلى عامل التغيرات المناخية، وغياب الالتزام باتفاقيات المناخ الموقعة، عوامل أخرى تتعلق بنمط الإنتاج والاستهلاك وطرق العيش حول العالم التي تساهم في كوارث بيئية ستدفع ثمنها الأجيال القادمة.

يحمّل بعض العلماء مسؤولية الضرر اللاحق بالزراعة للاحتباس وانبعاثات الغاز، واستمرار تدمير الغابات وحرق بعضها لتوسيع المساحات الزراعية بنسبة 25 في المائة، في إطار ما يسمونه "الحلقة المفرغة". ويعتبرون أن توسيع الأراضي لزيادة إنتاج المحاصيل والماشية، يسبب كوارث كبيرة للمزارعين في الدول التي يضربها الجفاف هذه الأيام، مع خشية استغلال زيادة الأسعار عالميا رغم انحسار كميات المحاصيل. ويرى خبراء الاقتصاد أن تلك "الحلقة المفرغة ستضرب قطاع الأعمال في المجمل".

مؤتمرات وكلام كثير عن التغير المناخي والفعل قليل (تويتر) 



"الحلقة المفرغة" يربطها الخبراء كذلك بزيادة استخدام الطاقة. ففي رصد لتأثير مكيفات الهواء في أميركا، تبيّن أنها مسؤولة عن 6 في المائة من استخدام الطاقة الكهربائية وانبعاث ثاني أوكسيد الكربون، التي تتجاوز ضعفي تلك الانبعاثات في الدنمارك على سبيل المثل. ولا يختلف الأمر في الصين التي يتجاوز استخدام المكيفات فيها نسبة 50 في المائة عمّا هو لدى الأميركيين. وتقدر وكالة الطاقة الدولية في أحد تقاريرها أن انبعاثات هذه المكيفات مسؤولة عن 1.13 مليار طن في العالم، وتتوقع أن تزيد 3 أضعاف إن استمر هذا التطور السلبي في هذه الدائرة، من الجفاف وارتفاع الحرارة واستخدام الطاقة للتبريد.



أثمان إنسانية باهظة

أعلن أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس الأسبوع الماضي، أن 19 مليون إنسان انضموا إلى مجموعة اللاجئين بسبب أحوال المناخ من فيضانات وعواصف وجفاف وغيرها.

وأشار عدد من الباحثين والخبراء إلى أن معاناة مجتمعات العالم النامي مع التغيرات المناخية "تدفع كثيرين شمالا نحو أوروبا"، أي أنهم يربطون الهجرة واللجوء بتلك الظواهر، إذ إن تبرير جزء من "6 ملايين إنسان يسعون من جنوب المتوسط إلى أوروبا"، هو انعدام شروط الحياة بما فيها الشروط المناخية وتأثيراتها في الحياة.

ويذكر أن عالم المناخ الأميركي جايمس هانسن، وهو مدير سابق في وكالة "ناسا" الأميركية حذر الكونغرس الأميركي قبل 30 عاماً من تسبب الإنسان بخلق "ظاهرة الدفيئة العالمية". وفي عام 1992، اعتمدت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة "معاهدة المناخ" لأجل تجنب كارثة يصنعها الإنسان بحق البيئة وشروط الحياة.


اليوم، بعد انفراط عقد اتفاقية باريس بانسحاب أميركا منها، يتحدث الخبراء عن النتائج الكارثية على حياة الناس. ويُدق ناقوس الخطر الذي دقته قبل 160 عاماً العالمة الأميركية يونيس فوت، التي أثبتت العلاقة بين تأثير انبعاث غاز ثاني أوكسيد الكربون وارتفاع درجات الحرارة في كتلة الهواء. قالت في عام 1856 أمام الرابطة الأميركية للنهوض العلمي، إن "انبعاث الغاز إلى الفضاء سيؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة فوق الأرض". واليوم يقول الخبراء: "كفى مؤتمرات وأحاديث... على البشرية أن تغير نمط حياتها قبل أن يصبح الوقت متأخرا".

المساهمون