تفاصيل خطة وقف تدفق المهاجرين
تضمنت الصيغة التي توافق عليها قادة دول الاتحاد لتعزيز التعاون مع ليبيا في سياسة اللجوء عشر نقاط سيصار إلى العمل عليها خلال الفترة المقبلة وقبل بدء تحرك سفن المهاجرين غير الشرعيين الذين سبق أن وصلوا إليها من بلدان عدة لخوض مغامرتهم نحو أوروبا. وتظهر الأرقام الدورية التي تصدرها سلطات خفر السواحل الإيطالية أن جنسيات المهاجرين الذين يتم ضبطهم أثناء توجههم من ليبيا إلى إيطاليا معظمها من دول أفريقيا. وهذه الدول على الترتيب وفق عدد الوافدين: غينيا، ساحل العاج، نيجيريا، السنغال، غامبيا، المغرب، مالي، بنغلاديش، العراق، الكاميرون.
وترتكز الخطة الأوروبية على تشديد المراقبة والتضييق على عصابات مهربي البشر وتعزيز قدرات خفر السواحل الليبية على الحدود. علماً أنه سيتم الانتهاء قريباً من مرحلة التدريب الأولى لـ78 عنصراً ليبياً سيكون دورهم المساعدة في مهمة صوفيا في المتوسط عبر الحدود الليبية.
و"مهمة صوفيا" هي مهمة البحرية التابعة للاتحاد الأوروبي، والمسؤولة عن منع تهريب البشر عبر البحر المتوسط. وكانت العملية صوفيا قد سُميت باسم طفلة وُلدت على متن إحدى السفن التابعة للاتحاد الأوروبي، بعد إنقاذ والدتها قُبالة سواحل ليبيا في أغسطس/آب 2015.
كما تتضمن الخطة بناء مراكز استقبال للاجئين بالتعاون مع المنظمات الدولية، إضافة إلى تقديم الدعم للسكان المحليين في الدول التي تستقبل المهاجرين أو ما بات يتفق على تسميته دولياً بـ"المجتمعات المضيفة". ويضاف إلى ذلك توفير الحماية للمهاجرين ودعم العودة الطوعية ومراقبة الطرق البديلة للهجرة غير الشرعية وتطوير أنظمة المعلوماتية لمنع الهجرة السرية، فضلاً عن تقديم الدعم لمشاريع مراقبة الحدود بين ليبيا والدول المجاورة لها. كذلك سيتم دعم الاتفاقيات الثنائية التي تساهم في تطور ليبيا والتنسيق والتعاون مع الدول المجاورة لها أو ما يعرف بالدول المصدرة للمهاجرين.
مخاوف وعقبات
ويعتبر خبراء أوروبيون متابعون للشؤون المغاربية أن دول الاتحاد قررت، ومن خلال النقاط العشر التي تضمنتها الخطة، تحويل ليبيا من بلد عبور إلى بلد إقامة. وقد أتى القرار مباشرة إثر توقيع رئيس حكومة الوفاق الليبية فائز السراج وثيقة التفاهم في روما، والتي يستنتج منها أن إيطاليا هي الجهة الرسمية المخولة إدارة ملف الهجرة مع ليبيا، على اعتبار أن إيطاليا الوجهة الرئيسية للمهاجرين عبر ليبيا.
يضاف إلى هذا تحملها للأعباء التي تنتج من وصول الآلاف منهم إلى أراضيها مع التأكيد على الالتزام السياسي لتأمين الاستقرار في بلد يعيش حالة حرب نتيجة للخلاف المستحكم بين حكومة الوفاق برئاسة فائز السراج وبين برلمان طبرق وتمدد المليشيات على أراضيها.
في المقابل، يؤكد مراقبون أن ما يهم الجانب الأوروبي ليس التقسيمات التي من الممكن أن تخضع لها ليبيا بين شرق وغرب إنما منطقة غرب ليبيا وعاصمتها طرابلس التي تعد نقطة انطلاق المهاجرين إلى أوروبا. وهذا الأمر كان موضع نقاش في محادثات الأوروبيين الأخيرة مع رئيس الحكومة فائز السراج على الرغم من أنه ليس الوحيد المتمكن من اللعبة على الأراضي الليبية.
من هنا يرى هؤلاء أن الكثير من الاسئلة تبقى مفتوحة في هذا المجال، بينها هل بإمكان السراج الوفاء بالتزامه أمام الجانب الأوروبي مع الوعود بإقامة مراكز استقبال على الأراضي الليبية التي ترفضها مؤسسات الإغاثة وحقوق الإنسان، ووصفتها بأنها ستكون أشبه بمراكز اعتقال، فيما شببها مسؤولون أوروبيون بمعسكرات النازية. ويأتي ذلك في وقت تحاول الدول المؤثرة في الاتحاد اللعب على عامل الوقت قبل فترة الانتخابات المقررة هذا العام والخوف من انعكاس أزمة اللاجئين على النتائج والتسبب بخسارة عدد من الأحزاب التقليدية لصالح اليمينيين الشعبويين الذين يستثمرون في ورقة اللاجئين لكسب المزيد من الأصوات لصالحهم.
ويرى خبراء في الشؤون الاستراتيجية الأوروبية أن ما تم بين ليبيا وإيطاليا هو عملية تفعيل للاتفاقات التي كانت قائمة منذ عام 2008 بين رئيس الوزراء الإيطالي في ذلك الحين سيلفيو برلسكوني وبين الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، والتي من دونها لا يمكن للاتحاد الأوروبي خلق أي فرصة أو ركيزة للتحرك. وبالتالي لم يجد القادة الأوروبيون سوى في حكومة السراج، الغطاء العملي والقانوني، لإحداث بعض التغييرات والخطوات العملية على أرض الواقع، بعد أن بلغت الأزمة مراحل تنذر بانفجار قريب إذا لم يتم تدراكها قبل الربيع المقبل، وبعدما بات عمل عصابات تجار البشر يدر عليها أموالاً طائلة واعتبرها الكثيرون انها باتت أهم من تجارة المخدرات والدعارة، وبالتالي هناك صعوبة في ردعهم. وتشير بعض التقديرات إلى أن كل مهاجر يدفع 1700 يورو من أجل العبور باتجاه إيطاليا. كما سجلت حوادث إطلاق النار من المهربين باتجاه القوات البحرية المشاركة في عمليات المراقبة والإنقاذ. هذه المخاطر كانت موضع اهتمام المستشارة أنجيلا ميركل عندما أعلنت من مالطا عن ضرورة التوصل إلى اتفاق مع طرابلس شبيه بالاتفاق الموقع مع أنقرة في مارس/آذار الماضي، لكنها أقرت في الوقت نفسه قبل قمة مالطا بأيام، أن الأمر صعب ويتطلب استقراراً سياسياً في ليبيا. كما شددت على ضرورة بناء شراكات مع الدول المجاورة كتلك الموقعة مع النيجر التي تعتبر بلد عبور على الحدود مع ليبيا.
ويرى مراقبون أنه من الخطأ التنسيق مع السراج بخصوص الجزء الغربي من ليبيا مع ساحلها فقط واعتبارها نقطة وحيدة لانطلاق المهاجرين، في حين أن المنطقة الشرقية من ليبيا تشهد أيضاً عمليات ابحار للسفن غير الشرعية إلى الإسكندرية فاليونان في ظل غياب سلطة الدولة. وبالتالي فإن العديد من الدول الواقعة جنوب المتوسط ستبقى عرضة لموجات الهجرة غير الشرعية لحين استتباب الأمن وسيطرة سلطة ليبية موحدة على الموانئ والحدود البرية للبلاد، وأن الوضع الحالي سيبقي الأوروبيين مكبلين لكونهم لا يملكون الأوراق الكاملة التي تتحكم بالمعادلة الليبية.
وفي السياق، يلفت خبراء في الشؤون الأمنية إلى أن تمدد المليشيات وبعض التنظيمات الارهابية على الأراضي الليبية جعل الدول الأوروبية تتخوف من تسلل أعداد منهم إلى أراضيها بين صفوف المهاجرين. ولذلك لجأت إلى التعامل بجدية مع الملف من خلال وضع ضوابط أمنية وإجرائية للقضاء على أسس تجارة شبكات التهريب. وكان كلام رئيس الكتلة البرلمانية للحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني، توماس أوبرمان، واضحاً في هذا الإطار. واعتبر في مقال له في صحيفة "فرانكفورتر الغماينه تسايتونغ"، يوم الأحد الماضي، "أن أفضل وسيلة للقضاء على أساس تجارة مهربي البشر هي عبر إعادة المهاجرين الذين تم إنقاذهم من المتوسط الى شمال افريقيا وتأمين الرعاية لهم كما وبالتعاون الوثيق مع ليبيا وباقي الدول المجاورة لها والتي تشكل محطات عبور لهؤلاء المهاجرين، وهو ما اعتبر بمثابة موافقة لحزبه على اتفاق مالطا".
في المقابل يقول خبراء في الشؤون الأوروبية إن الحل المقترح ظرفي ولا يمكن تطبيقه بالكامل لأسباب عدة على الرغم من تأكيدهم على أهمية تأمين مراكز استقبال مناسبة. ومن بين هذه الأسباب حالة التشرذم والانقسام التي تعيشها ليبيا وتوزع سلطة القرار بين شرقها وغربها. ويعتبر هؤلاء أن المشكلة تكمن في أن الاتحاد الأوروبي بأكمله بات يرى في ليبيا تحدياً استراتيجياً.
ولا يخفي هؤلاء الإشارة إلى الشق المالي، لا سيما أن التقارير تتحدث عن دعم ليبيا والدول المجاورة لها بمبلغ 200 مليون يورو فقط. ويعد المبلغ زهيدا جداً بالمقارنة مع ما تم التوصل إليه مع تركيا وبلغ 6 مليارات يورو. يضاف إلى ذلك الخشية من تعرض المهاجرين لانتهاكات في ليبيا رغم تعهد الاتحاد الأوروبي بتأمين كافة المستلزمات الضرورية لمراكز استقبال اللاجئين. وتطرح منظمات إغاثية ومؤسسات حقوق الإنسان تساؤلات عن الضمانات القانونية لكي يسمح لهؤلاء بتقديم طلبات اللجوء، إضافة إلى عمليات التضييق التي يتعرضون لها في دول معروفة في مجال انتهاكات حقوق الإنسان بينها العنف والتعذيب والاغتصاب. وتشكك المنظمات في إمكانية دولة مربكة ووضعها صعب للغاية مثل ليبيا ضمان مخيمات للاجئين بأدنى معايير حقوق الإنسان. وهو ما بينه أخيراً تقرير المفوضية العليا لشؤون اللاجئين واصفا ليبيا بـ "البلد غير الآمن لاستقبال المهاجرين". بدورها هاجمت منظمات مثل "برو ازول" التي تهتم بشؤون اللاجئين مقاربة أوروبا لهذا الملف. واعتبرت منظمات أخرى أن هذه الخطوة تشكل تنازلاً عن القيم وغطرسة أخلاقية للاتحاد الأوروبي.
من جهتها تساءلت "منظمة أطباء بلا حدود" كيف يمكن للاتحاد الأوروبي أن ينفذ خطته لدعم المهاجرين مع عدم تواجد وعمل أي منظمة من منظمات الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة في ليبيا نتيجة الخوف من العنف القائم على أراضيها. كما شددت جمعيات مهتمة بعمليات إنقاذ المهاجرين من المتوسط على ضرورة توفير الكادر البشري والمعدات اللوجستية بينها طائرات بدون طيار لمراقبة السواحل الليبية، لأنه في بعض الحالات لا تعلم القوات البحرية الأوروبية العاملة في المتوسط مع من تتعامل من خفر السواحل. كما أنه توجد مجموعات تعمل لصالحها من أجل كسب المال على اللاجئين لإنقاذهم.