خطة عراقية لحماية المصالح الأميركية: مقرات فصائل تحت المراقبة

08 اغسطس 2020
منح الجيش صلاحية تفتيش السيارات (أحمد الربيعي/ فرانس برس)
+ الخط -

ضمن المساعي التي تبذلها حكومة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي لوقف الهجمات الصاروخية التي تتعرض لها بين حين وآخر المعسكرات التي تستضيف القوات الأميركية شمال وغربي بغداد، فضلاً عن السفارة الأميركية الواقعة على نهر دجلة ضمن المنطقة الخضراء، وسط بغداد، كشف مسؤولان عراقيان، أحدهما جنرال في وزارة الدفاع، لـ"العربي الجديد"، أن القوات الأمنية العراقية اعتمدت خطة جديدة لمواجهة التهديدات التي تتعرض لها المصالح الأميركية في البلاد، تخوّفاً من أن تتسبّب إحدى تلك الهجمات بمقتل رعايا أميركيين، ما يترتب عليه رد فعلي عسكري من واشنطن، على غرار الهجوم الجوي الذي نفذته مقاتلات أميركية منتصف مارس/ آذار الماضي ضد معسكرات "الحشد الشعبي"، إثر الهجوم الذي طاول معسكر التاجي شمالي بغداد، وتسبب بمقتل جنديين أميركيين وآخر بريطاني.


وبحسب مسؤول عراقي في قيادة عمليات بغداد، تحدث لـ"العربي الجديد"، طالباً عدم ذكر اسمه، فإن الخطة تعتمد على إعادة نشر قوات الجيش في محيط القواعد والمعسكرات التي تستضيف الجيش الأميركي، أو قوات التحالف الدولي، باستبدال الوحدات الموجودة بأخرى جديدة، بما فيها القيادات والضباط، مع منح الجيش صلاحية تفتيش وتدقيق السيارات التي تدخل إلى محيط القواعد العسكرية تلك، حتى وإن كانت سيارات شخصيات رسمية أمنية أو حكومية. وأكد البدء فعلاً بالخطة، التي شملت أيضاً فرض رقابة على مقرات مكاتب لفصائل مسلحة مقربة من إيران في بغداد وضواحيها، مع إشراك قوة من "أمن الحشد الشعبي"، المرتبطة بفالح الفياض، في التدقيق بالمعسكرات الرسمية، في ما يتعلق بالسيارات الخارجة منه، وما إذا كانت تحمل أي منصات صواريخ أو ذخيرة، لا سيما أن التقارير الأمنية الأخيرة تؤكد أن عدة هجمات استخدم فيها المهاجمون سيارات ألوية تابعة لـ"الحشد الشعبي".

سيتم استبدال الوحدات الموجودة في محيط القواعد والمعسكرات التي تستضيف الجيش الأميركي، أو قوات التحالف الدولي

وفي السياق، قال مسؤول حكومي آخر في مكتب الكاظمي، يحمل صفة مستشار، لـ"العربي الجديد"، إن الإجراء الأمني لتطويق أو مواجهة تحدي خلايا الكاتيوشا، يأتي بعد فشل كل المساعي السياسية التي بُذلت في الفترة الماضية لوقف تلك الهجمات. وأضاف أن "الحكومة تخشى إصابة أو قتل أميركيين في تلك الهجمات، بشكل يدفع واشنطن لتوجيه ضربات جديدة للحشد، تُعيد المشهد الأمني لنقطة الصفر"، متحدثاً عما وصفه بـ"تعثر في التفاهم" مع قائد "فيلق القدس" الإيراني العميد إسماعيل قاآني في هذا الإطار، بسبب افتقار العراق إلى جهة ضاغطة على تلك الفصائل تستطيع وقف هجماتها، ومواصلة الإيرانيين إنكار مسألة أنهم يوجهون تلك الفصائل للاستمرار بتنفيذ الهجمات. وأقر المسؤول بأن هناك رصداً ومتابعة لتحركات مجموعات ضمن عدة فصائل مسلحة، هي المتهم الرئيس باستهداف المنطقة الخضراء ومعسكرات في بغداد، فضلاً عن مقرات لهذه المجموعات، غالبيتها منازل ومزارع تقيم بها بشكل غير قانوني منذ عام 2016 في بغداد وضواحيها، كاشفاً أن الأميركيين قرروا التخلي عن قاعدة التاجي الواقعة على بُعد 250 كيلومتراً شمالي بغداد، وتم فعلاً وضعها ضمن خريطة إعادة التموضع للقوات الأميركية في المرحلة المقبلة.

تقارير عربية
التحديثات الحية

وشهدت الأيام الثلاثة الماضية تطوراً واضحاً على مستوى الهجمات الصاروخية، إذ أعلنت السلطات العراقية، الأربعاء الماضي، ضبط 7 صواريخ كاتيوشا كانت موجهة نحو المنطقة الخضراء وسط بغداد، وأدى خلل إلى عدم إطلاقها، وقد وجدت مربوطة على جهاز تحكم عن بعد، بالتزامن مع سقوط صاروخ في اليوم ذاته على المنطقة الخضراء بالقرب من السفارة الأميركية، بعد يوم من هجوم مماثل شمالي بغداد بواسطة صاروخي كاتيوشا أيضاً.


الحكومة تخشى إصابة أو قتل أميركيين في تلك الهجمات بشكل يدفع واشنطن لتوجيه ضربات جديدة للحشد

من جهته، قال النائب عن تحالف "الفتح"، الجناح السياسي لـ"الحشد الشعبي"، عدي الشعلان، إن موقف تحالفه هو مواصلة العمل على إخراج القوات الأميركية من كل الأراضي العراقية، مضيفاً، في إيجاز صحافي نقلته وسائل إعلام محلية عراقية، تعليقاً على قرب انطلاق جولة الحوار الاستراتيجي الأميركية العراقية الثانية، إن "تحالف الفتح لن يتهاون مع بقاء المحتل فترة أطول"، في إشارة للقوات الأميركية، داعياً إلى "توحيد الصف السياسي للوقوف بموجه المؤامرة الصهيوأميركية"، بحسب قوله. في المقابل، قال القيادي في "الحشد الشعبي" علي الحسيني، لـ"العربي الجديد"، إن خروج القوات الأميركية مطلب واستحقاق لا يحتمل نقاشاً أو تفاوضاً، وهناك اتفاق على مواصلة العمل لتحقيق سيادة كاملة بإخراج آخر عنصر أميركي من العراق.


مقرر لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي فالح العيساوي تحدث بدوره عما وصفه بالعجز الحكومي عن مواجهة جماعات الكاتيوشا بسبب الظروف الحالية التي تمر بها البلاد. وأوضح، في إيجاز صحافي نقلته وكالات أخبار عراقية، أن "من واجب لجنة الأمن في البرلمان المتابعة والإشراف على إعداد خطط أمنية تواكب الأحداث التي تشهدها البلاد، لكن جائحة كورونا عطلت عمل مجلس النواب وكذلك لجنة الدفاع النيابية، والحكومة تعلم هوية الجهات المسؤولة عن القصف بصواريخ الكاتيوشا، على اعتبار أنها تُعلن عن نفسها مع كل عملية تنفذها ضد قوات التحالف الدولي، واعتقلت عدداً منهم وفيما بعد أطلقت سراح بعضهم". وأوضح العيساوي أن "البلد يمر بأزمات وتحديات كبيرة ومعقدة، بالتالي الحكومة تخوض مواجهات صعبة على مختلف الأصعدة، لذا من الصعب أن تصارح الشعب بالوقت الحالي بشأن تلك الجهات أو تعتقل المنفذين نتيجة تلك التحديات". وأكد أن "الحكومة ليست عاجزة عن تحديد هوية الجهة أو مواقعها، لكنها عاجزة عن مواجهتها، نظراً للظروف الحالية التي تعيشها البلاد".


الخبير بالشأن الأمني في العراق عدنان البياتي، وهو ضابط برتبة عميد ركن في الجيش السابق، اعتبر خطة الحكومة اعترافاً صريحاً بأنها لا تسيطر على الفصائل المسلحة ضمن "الحشد الشعبي"، وأن هناك قوة منفلتة لا تخضع للدولة العراقية داخل بغداد. وأضاف، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الخطة قد تحجم من تحركات تلك المليشيات، لكن لن توقف الهجمات الصاروخية، ذلك لأن نفوذ تلك المليشيات كبير جداً وأعلى من قدرة القوات النظامية على مواجهتها. كما أنها (المليشيات) تخترق الجيش والشرطة بشكل واضح، وهناك من يعمل لصالحها". ورأى أن "تلك المليشيات تحاول حالياً تجنّب أي صدام مباشر مع الحكومة العراقية، ولا تريد التصعيد معها، وتسعى لمراقبة خطوات الحكومة اللاحقة لتتصرف وفقاً لها، لكنها في الوقت نفسه ماضية في الهجمات التي تستهدف المصالح الأميركية، وإن كانت هجمات منخفضة الخطورة، ورسائلها السياسية أكبر بكثير من تلك المتعلقة بالجانب الأمني فيها".