الجهود الدوليّة التي كانت تسعى إلى رفع حصار غزة بشكل كامل، تحلّ مكانها تسهيلات تمنُّ بها إسرائيل على الفلسطينيين. هكذا يتمحور العمل على شرعنة الحصار ومأسسته، بدلاً من إنهائه، ووضع مصير غزة كاملاً بيد "الكرم الإسرائيلي".
صحيح أنّ المنسق الأممي الخاص بـ"عملية السلام" في الشرق الأوسط، روبرت سيري، اقترح مشروعاً حظي بموافقة إسرائيلية وأممية وفلسطينية، لإدخال مواد البناء اللازمة لإعادة الاعمار تحت رقابة دولية، لكنّ خطته لا تقدّم حلاً لمشاكل القطاع المتفاقمة، بفعل الحصار والعدوان الأخير. وهو عملياً يرهن كل شيء بيد إسرائيل.
ويتبيّن، استناداً الى ما أُعلن حتى الآن عن تفاصيل الخطة، ومعلومات خاصة لـ "العربي الجديد"، بأنّه على صاحب كل منزل مدمر، أن يقدّم طلباً إلى الأمم المتحدة، مصحوباً بالكميات التقديرية اللازمة له، وسيتم درسها في مكتب خاص، سينشأ في غزة لهذا الغرض، على أن يحوّل الطلب للطرف الإسرائيلي، الذي ستكون له "الكلمة الفصل والأخيرة" في الموافقة أو عدمها.
ويبدو أنّ المتصدين لهذه الخطة فلسطينياً "قلة"، تتصدّرهم شبكة المنظمات الأهليّة ومؤسّسات حقوق الإنسان واللجنة الشعبيّة لمواجهة الحصار، الذين يرون في الخطة "شرعنة" للحصار وتجميلاً له، ومحاولة لمأسسته برعاية الأمم المتحدة، داعين إلى رفض الخطة وإنهاء كامل للحصار.
ويقول مدير شبكة المنظمات الأهلية في غزة، أمجد الشوا، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الخطة الأمميّة تدخل في إطار إدامة الحصار الإسرائيلي وشرعنته، وفي إطار إبقائه، وأخذت ما يسمّى بالاحتياجات الأمنيّة الإسرائيليّة على حساب القانون الدولي، وعلى حساب الحاجة الماسّة للشعب الفلسيطني، الذي دمّر العدوان الإسرائيلي بناه التحتية ومقوّمات حياته".
ويلفت الشوا إلى أنّ الخطة تعفي إسرائيل كقوة احتلال من مسؤولياتها والتزاماتها، التي أقرها القانون الدولي، وستعمل كذلك على إبطاء عملية إيصال مواد البناء، ما يعني إطالة أمد الاعمار المقدرة بثلاث سنوات، لتصبح أطول بالتأكيد.
ويؤكدّ أن "مبادرة سيري" تشكل فشلاً ذريعاً للمجتمع الدولي، المفترض منه أن يضغط على الاحتلال لرفع وإنهاء الحصار كاملاً، بوصفه يشكل عقاباً جماعياً للسكان. ويعرب عن خشيته من أن تكون الخطة محاولة لامتصاص الغضب الدولي تجاه جرائم الاحتلال الإسرائيلي في القطاع.
ويشدد على أنّ المطلوب هو عدم التعامل مع الحصار الإسرائيلي على أنه أمر أزلي وواقع مفروض، بل يجب إزالته بشكل كامل. ويطالب الحكومة الفلسطينية برفض الخطة والسعي الجاد نحو الضغط على الاحتلال، وبلورة موقف دولي أقوى، لرفع الحصار والمعاناة عن غزةن باعتبار ذلك "حق لا يمكن التراجع عنه".
وفي السياق ذاته، يشير رئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، رامي عبده، لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "الخطة تعني قراراً أممياً بالتواطؤ حتى يكون حصار غزة حصاراً منهجياً". ويحذّر من "أننا أمام مرحلة جديدة تقوم على كون الحصار مؤسّسياً وتشارك فيه مؤسّسات أمميّة".
وتُبقي الخطة، وفق عبده، القطاع والاعمار تحت رحمة القرار الإسرائيلي، الذي أضحى بهذه الخطة قراراً دولياً وليس إسرائيلياً فقط، مؤكداً أن "المشهد غريب في العمل الدولي ويعبر عن عجز فاضح للمنظومة الدوليّة واستكانة فاضحة للمجتمع الدولي نحو الإرادة الإسرائيليّة".
ويوضح عبده أنّ "القطاع في هذه الحالة، سيقبع تحت الوصاية الدوليّة الإسرائيليّة، وستصبح معيشة غزة مرهونة، مع الأسف بموافقة فلسطينية، بالرغبات الإسرائيلية والدولية". ويلفت في الوقت ذاته، إلى أن الآليات الدولية التي وضعت خلال سنوات الحصار الثمانية، كانت تتساوق مع الرغبات الإسرائيلية ولا تصطدم معها.
في غضون ذلك، يعتبر المسؤول الإعلامي للجنة الشعبية لمواجهة الحصار، علي النزلي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ الوضع في غزة قبل العدوان الإسرائيلي، كان "كارثياً ومأساوياً، وبعد العدوان أضحى أكثر كارثيّة وصعوبة وفي غاية الخطورة، وأضحت الأزمات التي يعيشها السكان مركّبة".
ويؤكد النزلي أنّ "الخطة الأمميّة مأسسة للحصار، وطالما حذّرنا من أن يصبح الحصار أمراً واقعاً عبر إضفاء شرعيّة عليه". ويشدّد على أن "المطالب السابقة لم تكن تقديم تسهيلات للفلسطينيين بل إنهاء معاناتهم وحصارهم غير القانوني"، معتبراً أنّ الخطة وما يرافقها "تضليل للرأي العام".
ويحذر النزلي من التعاطي الأممي مع الإرادة الإسرائيليّة، مطالباً الأمم المتحدة بالعمل على إنهاء الحصار، وعدم استغلال معاناة الشعب الفلسطيني وتوظيفها توظيفاً سياسياً، متسائلاً عن أسباب غياب دور واضح وحقيقي لحكومة الوفاق الفلسطينية في إنهاء الحصار، الذي كان أحد أهم محددات عملها منذ التوافق على تشكليها بين حركتي "حماس" و"فتح".