ينظر البعض منا بحسرة إلى الإنجازات التي يحققها الغرب وبعض الدول الآسيوية واللاتينية في مختلف المنافسات الرياضية في الوقت الذي يضطر فيه العرب للانتظار لوقت طويل ربما لا يأتي لرؤية أحد رياضييهم يرفع راية النصر بالبطولات العالمية، فما هو السبب وراء هذا الأمر؟
الحقيقة أن الرياضة مثل أي مشروع استثماري تحتاج لعدة عناصر ومقومات يجب توافرها على كل الأصعدة من أجل نجاحها مثل التخطيط والهيكلة والإعداد والتمويل والموهبة والمتابعة المستمرة والبحث العلمي، وهي العناصر التي لا تتوافر بصورة كاملة الأركان في أي مشروع رياضي عربي.
التجربة الإسبانية:
قدمت إسبانيا تجربة مميزة تمثلت في تدشين ما يُعرف بخطة (أدو) عام 1988 التي بدأت مؤسسة اتحاد الرياضات الأوليمبية في تطبيقها منذ هذا الحين حيث كان أمامها هدف واحد يتمثل في تطوير ودعم الرياضيين بهدف حصولهم على ميداليات أوليمبية.
وتتجدد الخطة كل أربع سنوات، وهي الفترة الزمنية بين كل أوليمبياد وآخر، حيث أتمت حتى الآن ست دورات كان أولها في 1988 بالتزامن مع أوليمبياد سيول، فيما تسير الآن في دورتها السابعة التي ستنتهي في أوليمبياد ريو دي جانيرو العام المقبل.
وتتحدث الأرقام عن نفسها حيث أن إسبانيا قبل تطبيق الخطة وحتى دورة سيول 1988 كانت فازت بـ27 ميدالية أوليمبية منها ست ذهبيات فقط، ولكن بداية من هذا التاريخ وحتى دورة بكين على سبيل المثال بعد إقامة عشر دوارت (خمس صيفية ومثلها شتوية) فإن هذا الرقم تضاعف ثلاث مرات تقريباً ليصل إلى 88 ميدالية منها 29 ذهبية.
ويرتكز البرنامج الإسباني على ثلاثة عناصر أولها المنح المقدمة للرياضيين المنتظر منهم تحقيق نتائج جيدة لكي يحصلوا على المصادر المالية اللازمة لإعدادهم بشكل ملائم وصحيح للمنافسات الأوليمبية.
ويتمثل ثاني العناصر في حوافز يحصل عليها المسؤولون عن إعداد اللاعبين وتكون على شكل منح مالية للمدربين الشخصيين وكل من يرتبط بعملية التأهيل بطريقة مباشرة، فيما أن العنصر الثالث يتعلق بإعداد خطط تأهيلية خاصة للاعبين بالتنسيق مع اتحادات الألعاب المختلفة تضمن المشاركة في بطولات استعدادية وإقامة معسكرات ومتابعة مستمرة لأقوى الخصوم.
التجربة المصرية والإماراتية:
وبدأت مصر تجربة مشابهة، ولكنها مختلفة في نفس الوقت، عام 2000 تحت مسمى "مشروع البطل الأوليمبي" وذلك في ظل السعي للعودة لمنصات التتويج مرة أخرى بعد الغياب عنها منذ دورة لوس أنجليس 1984.
وكانت بداية المشروع مبشرة في دورة أثينا 2004 حينما فازت مصر بذهبية وفضية وثلاث برونزيات، ولكن فرس الرهان الرباعة نهلة رمضان لم تتوج بشيء، ثم جاءت دورة بكين 2008 مخيبة للآمال بصورة كبيرة بميدالية برونزية وحيدة في الجودو ثم ارتفع العدد لميداليتين فضيتين بأوليمبياد لندن 2012.
يمكن القول بمعنى آخر إن حصيلة مشروع البطل الأوليمبي في 12 عاماً وبعد ثلاث دورات كان ثماني ميداليات من ضمنها واحدة ذهبية فقط حققها كرم جابر في المصارعة بأوليمبياد أثينا.
وعلى مدار هذه السنوات كانت الشكاوى تأتي دائماً من اللاعبين بخصوص ضعف المبالغ المالية المخصصة للإعداد بل واضطرار بعضهم للانفاق على أنفسهم، هذا بجانب الخلافات الشخصية بين عدد من الرياضيين ورؤساء اتحادات الألعاب مثل المصارع كرم جابر وصراعاته المتكررة مع اتحاد المصارعة المصري.
ومن جانبها بدأت الإمارات متأخرة في تطبيق تجربة أخرى مشابهة تحمل نفس الاسم حيث أطلقت مشروع البطل الأوليمبي الاماراتي في مايو من العام الماضي، الذي يبدو أن الإعداد تم له بصورة أكثر دقة من نظيره المصري.
وكان الأمين العام للهيئة العامة للشباب والرياضة في الإمارات ابراهيم عبد الملك حدد سبعة ملامح يجب دراستها وتقديم مقترحات خططية لتطويرها، هي الموارد المالية والموارد البشرية والموارد المؤسسية والبنية الأساسية الرياضية، والكوادر من لاعبين ورياضيين، والتشريعات المنظمة، والمجتمع لتوفير الدعم المجتمعي لتنفيذ هذه الرؤية.
أين المشكلة؟
والآن وبعد عرض النموذج الإسباني الناجح ونظيريه المصري، الذي لم يحقق النتائج المرجوة، والاماراتي الذي لا يزال في مرحلة مبكرة للغاية ولم يقل الزمن كلمته بخصوصه، فإن التساؤل الذي يفرض نفسه هو: أين تقبع المشكلة؟
الإجابة على هذا الأمر تكمن في التمعن في ما فعله الغرب وآسيا وأميركا اللاتينية ولم يفعله العرب وهو دراسة الموضوع، حيث أن كلاً من أستراليا وبلجيكا والبرازيل وكندا والدنمارك وإسبانيا وإستونيا وفنلندا وفرنسا وهولندا والبرتغال وبريطانيا وسويسرا بدأوا في 2002 مشروعا دوليا مشتركا لمقارنة السياسيات الرياضية وتحديد أهم العوامل الموجودة فيها التي تؤدي لتحقيق الألقاب.
الأمر لا يقتصر فقط هنا على عدم قيام العرب معاً بدراسة مشابهة بل عدم إقدام أي دولة بصورة فردية على المشاركة في هذا المشروع الدولي الذي كان سيساعد بكل تأكيد في اكتساب المزيد من الخبرات والمعارف حول الأمر.
وتوصلت هذه الدراسة إلى أن نجاح المشروع الرياضي لأي دولة لا بد أن يرتكز على تسعة أعمدة رئيسية، هي الدعم المالي وتنظيم وهيكلة السياسات الرياضية ثم اتساع قطاع ممارسة الرياضة والتعرف على المواهب وتنميتها ثم دعمها ووجود منشآت رياضية مناسبة بخلاف تنمية وتأهيل المدربين والمشاركة في مسابقات محلية ودولية وأخيراً البحث العلمي.
بإلقاء نظرة سريعة على هذه العناصر، سيظهر أن أغلب الدول العربية تعاني من قصور في أكثر من ناحية، وإن كان أبرزها عدم اتساع قطاع ممارسة الرياضة وغياب برامج البحث العلمي وعدم جاهزية المنشآت الرياضية، مثلما يحدث في مصر مثلاً، فيما أن خطة (أدو) الإسبانية التي بدأت في 1988 وتطورت بمرور الوقت، تضم الكثير من أسباب النجاح.
ويجب في النهاية الاشارة إلى أن مشروع البطل الأوليمبي الاماراتي لو نفذ بالطريقة التي عرض بها مع العمل على تطوير المحاور السبعة التي ذكرت أثناء تقديمه، فإنه قد يقدر له النجاح بسبب تشابه أغلب الأهداف والعناصر الموجودة مع الأعمدة التي ذكرتها الدراسة الدولية.