خصوصية العرب

13 فبراير 2015
يردد البعض أن الطفل المصري أذكى طفل بالعالم (Getty)
+ الخط -
يواصل العرب خداع أنفسهم. في مصر يقول المثل الشعبي "كُتر الحزن يعلم البكا"، وله مرادفات في كل الدول العربية، ولكثرة هموم العرب، تعلم كثيرون أن يخدعوا أنفسهم بتصوير أنهم في أحسن حال، وأنه ليس بالإمكان أبدع مما كان، بينما الواقع مفزع والحقائق مؤلمة.
يعشق العرب التغني بالأمجاد، يواصل كل شعب تحفيظ الصغار الكثير من القصص عن تاريخ ناصع لأجداده، ليس في الأمر عيب، لكن الإشكالية أن معظم تلك القصص أساطير، حتى الحقيقي منها فإنه يتم توظيفه بشكل خاطئ.

يقول صديقي المغربي، إنه ظلّ، حتى وقت قريب، يصدق مقولة إن الطفل المصري "أذكى طفل في العالم"، هو سمعها في أفلام ومسلسلات التلفزيون المصرية. لاحقا شرح له صديق مصري، أن الأمر كذبة رائجة. بعدها عمل في دولة عربية أخرى وتصادف أن سمعهم يقولون عن أطفالهم مثلما يقول المصريون، فهِم متأخراً، أن الأمر كله "طق حنك".

في الدول العربية، توجد مجالس نيابية ومؤسسات رقابية، لكنها جميعاً تابعة للحاكم، يعين أفرادها ويقصيهم، يوجههم ويغريهم، وأحياناً يبعدهم أو يعتقلهم، بينما اخترع العالم تلك المؤسسات لسبب آخر، هو أن تكون رقيباً على الحاكم. لكن للعرب خصوصية وتفسير مختلف.
ينتظم الناس في العالم في "فرق عمل"، وفريق العمل هو النموذج المرادف عادة للنجاح في المهمات الكبرى. لكن للعرب طريقة مختلفة، القرار متخذ مسبقاً، وفريق العمل مهمته فقط تفسيره أو تبرير ما فيه من قصور، وما أكثر اللجان في العالم العربي، كل أمر تنشأ له لجنة، وداخل اللجنة تنبثق لجان.
في العالم الحقيقي مهمة الإعلام هي الرقابة، وانتقاد أخطاء المسؤولين أحد أساسيات العمل الإعلامي، بينما عند العرب مهمة الإعلام هي التطبيل للمسؤولين، أو انتقاد وتشويه من يعارضهم.

في العالم كله مهمة الشرطة هي حماية الأشخاص من الأخطار وتسهيل حياتهم، بينما في معظم الدول العربية تقوم الشرطة بمهمة عكسية، وبدلاً من أن تكون مصدر الأمن فإنها عادة مصدر الخطر.
في العالم الحقيقي عندما تفشل كل جهودك لتحصيل حقوقك، فإنك تلجأ إلى القضاء، بينما عند العرب تقتضي الضرورة استحداث آلية ما لتحصيل حقوق المواطنين التي يسلبها القضاء أو تسلبها الدولة بمساعدة القضاء.

في جلسة جمعت عدداً ممن يوصفون بأنهم مثقفون، كاد ثلاثة منهم أن يشتبكوا بالأيدي، كل منهم يروج أن بلده الأقدم، وأن تاريخها أكثر تفرداً، الأول مصري والثاني عراقي والثالث سوري. في الجلسة ظل صديق يمني يراقب في صمت، في النهاية، وبعد أن تم تهدئة الجميع، قال لهم ضاحكاً: "عرفت، الآن فقط، معنى مقولة كلنا في الهم عرب".
المساهمون