خسارات شباب "داعش"

31 ديسمبر 2014
فئات وشرائح مأزومة داخل أوطانها الأم أو مهاجرة(فرانس برس)
+ الخط -
من دون أدنى شك فإنّ القسم الأكبر من رجال "داعش" هم من الشباب ما دون الثلاثين. معظم هؤلاء ينتمون إلى الدول العربية والإسلامية. أما القسم الأقل فهو من مهاجري ومواطني دول أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأميركية.

جميع هؤلاء الشباب ينتسبون إلى فئات وشرائح مأزومة سواء أعاشت داخل مجتمعاتها وأوطانها الأم، أو كانت مهاجرة نحو الدول الغربية كما يفعل قطاع واسع من الشباب العربي والأفريقي والآسيوي. أعداد كبرى تغادر بلادها ولغتها الأم وعائلاتها من دون انقطاع، وهي تطمح إلى بلوغ الضفة الشمالية للمتوسط أو الشرقية للمحيط الأطلسي. المئات من هؤلاء يصبحون ضحايا الأمواج العاتية والقوارب البدائية وسماسرة تجارة الموت، والألوف يصلون ليجدوا الحلم الذي يبحثون عنه خارج متناول أياديهم. فلا فرص الانخراط بمؤسسات التعليم العالي الأكاديمية والمهنية متاحة أمامهم لألف سبب وسبب، ولا سوق العمل متوافر.

وفي مثل هذا الوضع تصعب، إن لم تستحل، العودة من حيث أتوا خاليي الوفاض. فإمكانية الاندماج في مجتمعات غربية لها عاداتها وتقاليدها واجتماعها مسدودة الأبواب. والرجوع إلى الأوطان غير وارد، وهم الذين هربوا منها أصلاً. أما أبناء وبنات الدول الغربية فبعضهم يبحث عن الإثارة أو قل الغرائبي في عالم التكنولوجيا الرقمية على أرض بلادنا ومن حساب شعوبنا.

الشبان العرب والمسلمون في غالبيتهم الساحقة يخرجون للالتحاق بدولة "داعش الإسلامية" وهم يتوهمون أن هناك إمكانية لاستعادة عهد ذهبي شق خلاله الإسلام طريقه الحضاري الطويل من خلال خلافة راشدة أو عهود أموية وعباسية أو غيرهما. يحلمون بجذب التاريخ إلى المنابع الأصلية، وكأنّ الأمور تسير في هذه الحياة على هذا النحو. يقذفهم تكاثف الأزمات وتلاطمها في مجتمعاتهم إلى المجازفة بأرواحهم طمعاً بنعيم أبدي. هناك أولاً أزمة هوية وسط أمواج العولمة العاتية. ومعها أزمات سياسية واجتماعية واقتصادية يشترك في دفع أثمانها المتعلمون وغير المتعلمين. وهكذا تقفل الدائرة عليهم من الداخل والخارج في عملية تشابه شبكات صيد الأسماك. يقدمون على اعتماد خياراتهم في عملية تشابه اللجوء لدى البعض إلى خيار الانتحار رفضاً لواقع ومصاعب الحياة السائدة.

ووسط مثل هذه الخيارات تدفع المنطقة من دمها مرات ومرات، كما من مستقبلها الذي لا يمكن أن يتحقق أي شيء منه عبر أساليب تدمر أكثر مما تعمر، وتفقد العمل على بناء النموذج المتناغم لمجتمعات معاصرة تعيش في الحاضر، كما تستلهم الماضي من دون أوهام.

(أستاذ في كلية التربية – الجامعة اللبنانية)
المساهمون