اضطر محسن الشرافي مالك إحدى شركات النقل الخاص في قطاع غزة إلى منح السائقين العاملين على شاحنات نقل البضائع الواردة مع معبر كرم أبو سالم التجاري المنفذ التجاري الوحيد للغزيين، إجازةً بسبب إغلاقه من قبل الاحتلال الإسرائيلي قبل نحو شهر.
وتوقف نحو 21 سائقاً إلى جانب 4 مساعدين لهم عن أداء عملهم في الشركة، جراء إغلاق المعبر ومنع حركة الاستيراد والتصدير والاقتصار على إدخال الأغذية والأدوية شريطة الحصول على موافقة مسبقة من منسق أعمال سلطات الاحتلال.
ولا يقتصر توقف السائقين العاملين في شركات النقل على هذه الشركة، إذ انضم هؤلاء لمجموعة أخرى من زملائهم العاملين في شركات النقل الذي يتجاوز عددهم ألف سائق جميعهم يعملون ويستفيدون من معبر كرم أبو سالم.
وفاقم قرار إغلاق المعبر التجاري معاناة شركات النقل، لا سيما أنه قبل صدوره، انخفض عدد الشاحنات بشكل كبير حيث وصل إلى ما بين 200 إلى 400 شاحنة في أفضل حال، في الوقت الذي وصلت النسبة عامي 2016 و2017 إلى ما يتراوح بين 800 إلى ألف شاحنة.
ومعبر كرم أبو سالم التجاري هو آخر المنافذ التجارية المتبقية للغزيين، والتي تربطهم بالأراضي المحتلة عام 1948 بعد أن أغلق الاحتلال ثلاثة معابر، من أصل ستة تربط غزة مع العالم الخارجي، فدمر، أواخر شهر مارس/ آذار 2011، معبر المنطار (كارني)، وكان يعتبر من أكبر المعابر التجارية، ومعبر الشجاعية، (ناحل عوز)، الذي أغلق في الأول من شهر إبريل/ نيسان 2010، ومعبر صوفا.
ويقول الشرافي لـ "العربي الجديد" إن إغلاق المعبر ألحق ضرراً كبيراً بأصحاب الشركات التي يمثل لها هذا المنفذ مصدراً لكسب الرزق، حيث يعيش من ورائه مئات الأسر الغزية في القطاع المحاصر إسرائيلياً للعام الثاني عشر على التوالي.
ويضيف أنه على صعيد شركته كان يعمل على إدخال ما بين 25 إلى 30 شاحنة في الأيام العادية التي سبقت قرار الاحتلال بإغلاقه، إلا أن الآن وبعد اقتصار القرار على المواد الغذائية توقف العمل كلياً لا سيما أن مورديها إلى القطاع يمتلكون شاحنات خاصة بهم ولا يحتاجون شركات النقل.
ويشير إلى أن شركته تكبدت خلال مدة الإغلاق الأخيرة التي وصلت لنحو شهر نحو 30 ألف شيكل (8100 دولار) بفعل إغلاق المعبر وتوقف العمل، إلى جانب دفع بدل رواتب للسائقين بواقع 50% من أجل مساعدتهم على تدبير احتياج عوائلهم.
ويلفت الشرافي إلى أنهم قرروا منح الموظفين نحو ألف شيكل إسرائيلي فقط من إجمالي رواتبهم التي تقدر بألفي شيكل مراعاة لقرب حلول عيد الأضحى وتزامنها مع اقتراب بدء العام الدراسي الجديد في القطاع، إلا أن هذا الأمر لن يكون ممكناً الشهر المقبل حال استمر الإغلاق.
وأدت الإجراءات التي اتخذتها السلطة الفلسطينية في إبريل/ نيسان 2017 بتقليص رواتب آلاف الموظفين التابعين لها بنسبة تصل لنحو 50%، إلى خفض القدرة الشرائية في القطاع بشكلٍ ملحوظ ما انعكس بصورةٍ واضحة على حركة الواردات لغزة عبر المنفذ التجاري.
وتشير تقديرات المختصين الاقتصاديين إلى أن إجمالي الأموال التي قامت السلطة بحجبها عبر تقليص الرواتب يبلغ حوالي 20 مليون دولار شهريا كانت تشكل محركاً أساسياً للسوق الغزي خلال السنوات الأخيرة.
في الأثناء، يقول جهاد اسليم، أمين سر جمعية النقل الخاص بغزة، إن إجمالي الخسائر التي تحملتها شركات النقل منذ قرار إغلاق معبر كرم أبو سالم تقدر بنحو مليون شيكل إسرائيلي يومياً موزعة على قطاعات عدة والتزامات تتحملها هذه الشركات.
ويوضح اسليم لـ "العربي الجديد" أن الأزمة تفاقمت بشكل كبير في أعقاب قرار إغلاق المعبر إلا أنها كانت حاضرة قبل هذا القرار خصوصاً مع انخفاض عدد الشاحنات الواردة لغزة بفعل الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي وصل إليها القطاع.
ويصف المسؤول في جمعية النقل الخاص الحالة التي وصلت إليها شركات النقل بالخطيرة وغير المسبوقة لا سيما وأنه لا يوجد أي معبر تجاري آخر يمكنهم من تعويض الخسائر الناجمة عن إغلاق المعبر وإيقاف الاستيراد والتصدير.
ويشير إلى أن أكثر من 4 آلاف شاحنة محملة بالبضائع المختلفة لصالح التجاري والمستوردين في قطاع غزة ما تزال محتجزة في الجانب الإسرائيلي من المعبر في الوقت الذي يتحمل فيه أصحاب شركات النقل المسؤولية الكاملة عن هذه البضائع.
ويشير إلى أن مختلف شركات النقل قامت بصرف 50% من رواتب العاملين لديها الشهر الحالي في الوقت الذي لن تستطيع تحمل ذلك الشهر المقبل، ولا سيما في ظل الظروف الصعبة التي تواجهها هذه الشركات والمسؤولية والالتزامات المالية الخاصة بها.
وبحسب المسؤول في جمعية النقل الخاص فإن العام الحالي تعرضت الشركات لضرر مالي مباشر وغير مباشر، لا سيما مع تراجع حركة مرور البضائع لغزة بسبب الظروف الاقتصادية وانخفاضها مقارنة بالأعوام السابقة.
وكانت اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار، ذكرت يوم الثلاثاء الماضي أنّ خطة خنق غزة التي تطبقها سلطات الاحتلال الإسرائيلي بما تشمل من خطوات وإجراءات أبرزها إغلاق معبر كرم أبو سالم بشكل شبه كامل، خلفت خسائر تزيد على 30 مليون دولار خلال نحو شهر.
وقال رئيس اللجنة، جمال الخضري في تصريحات صحافية، إن 3500 شاحنة مُحملة بالبضائع لكل القطاعات مُحتجزة وممنوع دخولها غزة بقرار من الاحتلال الإسرائيلي، فيما قطاع النقل تضرر بشكل كبير جراء احتجاز بضائع التجار وعدم إدخالها.
وأضاف أنّ هذه الخسائر المباشرة وغير المباشرة هي نتيجة أولية لتطبيق الخطة التي بدأت بإغلاق المعبر في العاشر من يوليو/تموز من العام الجاري، مشيراً إلى أن الخسائر في القطاع الصناعي والتجاري والزراعي والمقاولات والنقل والعمال وقطاع الصيد نتجت عن الإغلاق.
وأكد أن تضرر هذه القطاعات يزداد تأثيره يوميا على كل مناحي الحياة، ويدخل القطاع في حالة شبه انهيار اقتصادي شامل، وضعف شديد للقوة الشرائية، وزيادة مخيفة في معدلات الفقر والبطالة وإغلاق للمصانع والمحال التجارية بشكل تصاعدي.
وكان القطاع الخاص قد أطلق في وقت سابق من العام الجاري عدة نداءات استغاثة لإنقاذ اقتصاد غزة من مزيد من التدهور.
وتشير البيانات الرسمية إلى أن نسبة البطالة بلغت خلال الربع الأول من العام الجاري نحو 49.1%، ما يعادل 255 ألف شخص، لافتة إلى أن هذه النسبة تزيد في صفوف الخريجين من الفئة العمرية بين 20 و29 عاماً إلى 64%.