على مدار الأشهر السبعة الماضية شهدت المؤشرات الاقتصادية التركية تحسنًا ملحوظًا، وإن كان مؤشر سعر صرف العملة المحلية قد شهد بعض التذبذبات بسبب انتخابات عمدة إسطنبول، وما اكتنفها من مخالفات قانونية أدت لإعادتها، ولكن أداء الصادرات السلعية في صعود متنام، وكذلك ثمة هبوط ملحوظ في مستوى الواردات، وكذلك تراجعت معدلات التضخم والبطالة أخيرًا.
إلا أن قرار البنك المركزي التركي، الخميس، الخاص بتخفيض سعر الفائدة إلى 19.75% بدلًا من 24%، ستكون له آثار إيجابية على مسارات اقتصادية مختلفة. ففي رد فعل سريع في سوق الصرف، تحسن سعر صرف الليرة إلى 5.69 ليرات للدولار، بعد أن كان نحو 5.72 ليرات.
وكانت هناك توقعات عكس ذلك تمامًا إبان اتخاذ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قرارا بإقالة محافظ البنك المركزي التركي، معللًا قراره بعدم استجابة محافظ المركزي السابق لمطالب حزب العدالة والتنمية بتخفيض سعر الفائدة، وبخاصة بعد انخفاض معدلات التضخم.
اقــرأ أيضاً
كما تمت خطوات سياسية مهدت لعدم انهيار سعر صرف العملة المحلية، منها ما يتعلق بالجوانب الخارجية وما شهدته مقابلة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، على هامش اجتماعات مجموعة العشرين، والحديث الهادئ الذي دار حول صفقة منظومة الدفاع "S 400" التي أبرمتها تركيا مع روسيا، واستقدمت بالفعل بعض أجزائها أخيرًا.
وكان للأحداث على الصعيد الداخلي ما يؤدي إلى حالة من الاستقرار السياسي، وبخاصة بعدما هنأ حزب العدالة والتنمية الحاكم مرشح المعارضة الفائز بانتخابات عمدة إسطنبول، وهو ما يعد تأكيدا على المسار الطبيعي للحياة السياسية في تركيا، من حيث التداول السلمي للسلطة، وكان لذلك أثره على استقرار العملة المحلية أيضًا.
ومثلت مؤشرات التجارة السلعية الخارجية أحد مظاهر قوة الاقتصاد التركي، منذ تصاعد الأزمة الاقتصادية في منتصف عام 2018، فعلى الرغم من انخفاض قيمة العملة، وارتفاع معدلات التضخم وسعر الفائدة، ظلت مؤشرات التجارة السلعية الخارجية تحقق معدلات إيجابية.
اقــرأ أيضاً
- ارتفعت الصادرات التركية في مايو/ أيار 2019 بنسبة 12.1% على أساس سنوي لتصل إلى 15.98 مليار دولار، في حين انخفضت الواردات بنسبة 19.3% لتبلغ 17.81 مليار دولار.
وشهد عجز التجارة الخارجية التركي انخفاضًا سنويًا بنسبة 76.5% في مايو 2019. أما خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام 2019، فقد انخفض ميزان التجارة الخارجية بنسبة 67% من 35.3 مليار دولار في عام 2018 إلى 11.6 مليار دولار في عام 2019، وذلك وفق بيانات معهد الإحصاء التركي.
- بنهاية يونيو/ حزيران 2019، انخفض معدل التضخم إلى 15.72%، وهو المعدل الأقل على مدار الفترة من يوليو/ تموز 2018 وحتى الآن، وكان معدل التضخم قد بلغ ذروته في أكتوبر/ تشرين الأول 2018 عند معدل 25.24%، ثم أخذ في الهبوط بمعدلات قليلة، إلا أن وصوله إلى 15.72% في يونيو/ حزيران الماضي كان سببًا في توجه البنك المركزي التركي لتخفيض سعر الفائدة أخيرًا، ليكون هناك تناسب بين سعر الفائدة ومعدل التضخم.
ويتوقع أن تكون لانخفاض سعر الفائدة آثار إيجابية على سعر الصرف من ناحية، ومن ناحية أخرى على كلفة الإنتاج، ما يعني المزيد من فرص العمل، وكذلك زيادة فاعلية التجارة السلعية الخارجية لتركيا.
اقــرأ أيضاً
- انخفض معدل البطالة بتركيا بنهاية إبريل/ نيسان 2019 ليصل إلى 13%، بعد أن كان 14.1% في نهاية مارس/ آذار 2019، ويعكس تراجع معدل البطالة التحسن الموجود في باقي المؤشرات الاقتصادية وعلى رأسها تحسن الأداء في قطاع التجارة السلعية الخارجية.
- وفي إبريل 2019، حقق قطاع السياحة زيادة بنسبة 24% على أساس سنوي، وقد ساعد هذا بدوره في تحسين أداء ميزان المدفوعات لتركيا خلال أشهر 2019. وتستهدف تركيا أن يصل عدد السائحين الوافدين إليها إلى 50 مليون سائح بنهاية 2019، بينما كان عدد السائحين بنهاية 2019 نحو 46.12%.
إذن، المؤشرات الاقتصادية الكلية لتركيا تشهد تحسنًا على مدار الأشهر الستة الأولى من عام 2019، وحتى يستمر هذا التحسن، وتتجاوز تركيا أزمتها الاقتصادية، من حيث معدلات النمو الاقتصادي، وكذلك استكمال مشروعاتها التنموية الكبرى، فلا بد أن تستكمل حزمة الإصلاح من خلال المقترحات الآتية.
- بلا شك أن تراجع معدلات الواردات السلعية، كان عاملًا مهمًا لتخفيض العجز التجاري، ولكن ذلك يتطلب تركيز صانع السياسة الاقتصادية على أن يجتهد في تدبير مستلزمات الإنتاج بشكل كبير من خلال السوق المحلية، لكي تزيد القيمة المضافة من جهة، وكذلك تخفيف العبء عن كاهل ميزان المدفوعات، والطلب على العملات الأجنبية. ولن يتوقف الأمر على هذا فقط، بل إن زيادة الاعتماد على مستلزمات الإنتاج المحلية ستؤدي كذلك إلى زيادة الطلب على العملة.
اقــرأ أيضاً
- العمل على ضبط المضاربات بأسواق الصرف والبورصة داخليًا، لأنه خلال فترة الأزمة في الأشهر الأخيرة من عام 2018، كانت هناك سوق رائجة للمضاربة على العملة المحلية، وكذلك داخل البورصة، وقد تسبب ذلك بالفعل في خسائر غير منطقية للاقتصاد التركي، دفع ثمنها المواطن البسيط، وكذلك تأثرت شعبية الحكومة التركية بشكل سلبي، وظهر ذلك بشكل واضح في انتخابات البلديات في مارس/ آذار 2019، وإن كان حزب العدالة والتنمية الحاكم استحوذ على 52% من البلديات، إلا أنه خسر نحو 5 بلديات كبرى من إجمالي البلديات السبع الكبرى في تركيا.
كما نجحت السياسة الاقتصادية في النهوض بالمؤشرات الاقتصادية الكلية ووجود تحسن ملحوظ، إلا أنها مطالبة كذلك بالعمل على تحقيق حالة من السيطرة على المديونية الخارجية، وبخاصة تلك المتعلقة بالقطاع الخاص، ولا يعني ذلك شل حركة التمويل الخارجي للقطاع الخاص، ولكن مطلوب إدارتها بشكل يساعد على عدم وجود أزمة في الالتزامات الخارجية، وإرباك سعر الصرف.
ومن المؤكد أن الحكومة التركية مطالبة كذلك بالتوسع في اتجاهها نحو التمويل بالمشاركة (التمويل الإسلامي)، كبديل عن التمويل عبر الديون، سواء في ما يتعلق بالتمويل الحكومي أو القطاع الخاص، وأمام الحكومة التركية فرصة كبيرة في الاستفادة من حالة التعاطف الخارجي معها، ويمكنها تدبير تمويل عبر آليات التمويل الإسلامي بشكل أفضل من الأسواق الخارجية.
وبلا شك أن الاقتصاد والسياسة وجهان لعملة واحدة، وتواجه تركيا العديد من التحديات على الصعيد السياسي الخارجي، سواء في ما يتعلق بالقضايا الإقليمية أو الدولية، ولكن على الحكومة أن تدير ملفاتها السياسية الخارجية، بما لا يؤدي إلى آثار سلبية على مقدرات الاقتصاد. فثمة حالة نجاح تحققت في إدارة الحكومة لأزمة منظومة الدفاع الروسية، والتي كان يتوقع لها أن تكون أزمة كبيرة مع الإدارة الأميركية، كالتي حدثت في 2018 بشأن القس الأميركي، ولكن مرت أزمة استيراد تركيا للأجزاء الأولى من منظومة الدفاع الروسية دون أن يكون لها أثر سلبي على سعر الصرف، وبالتالي على باقي المؤشرات الاقتصادية. وينبغي أن تراعى هذه السياسة الناجحة في باقي الملفات.
تبقى الإشارة إلى أمر مهم وهو أن تركيا استطاعت أن تحقق تحسنًا في مؤشراتها الاقتصادية من خلال حزمة من السياسات دون الارتباط بالأفراد، وكذلك جرأة اتخاذ القرار المتعلق بالجوانب الاقتصادية كما حدث في شأن عزل محافظ البنك المركزي التركي.
إلا أن قرار البنك المركزي التركي، الخميس، الخاص بتخفيض سعر الفائدة إلى 19.75% بدلًا من 24%، ستكون له آثار إيجابية على مسارات اقتصادية مختلفة. ففي رد فعل سريع في سوق الصرف، تحسن سعر صرف الليرة إلى 5.69 ليرات للدولار، بعد أن كان نحو 5.72 ليرات.
وكانت هناك توقعات عكس ذلك تمامًا إبان اتخاذ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قرارا بإقالة محافظ البنك المركزي التركي، معللًا قراره بعدم استجابة محافظ المركزي السابق لمطالب حزب العدالة والتنمية بتخفيض سعر الفائدة، وبخاصة بعد انخفاض معدلات التضخم.
كما تمت خطوات سياسية مهدت لعدم انهيار سعر صرف العملة المحلية، منها ما يتعلق بالجوانب الخارجية وما شهدته مقابلة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، على هامش اجتماعات مجموعة العشرين، والحديث الهادئ الذي دار حول صفقة منظومة الدفاع "S 400" التي أبرمتها تركيا مع روسيا، واستقدمت بالفعل بعض أجزائها أخيرًا.
وكان للأحداث على الصعيد الداخلي ما يؤدي إلى حالة من الاستقرار السياسي، وبخاصة بعدما هنأ حزب العدالة والتنمية الحاكم مرشح المعارضة الفائز بانتخابات عمدة إسطنبول، وهو ما يعد تأكيدا على المسار الطبيعي للحياة السياسية في تركيا، من حيث التداول السلمي للسلطة، وكان لذلك أثره على استقرار العملة المحلية أيضًا.
ومثلت مؤشرات التجارة السلعية الخارجية أحد مظاهر قوة الاقتصاد التركي، منذ تصاعد الأزمة الاقتصادية في منتصف عام 2018، فعلى الرغم من انخفاض قيمة العملة، وارتفاع معدلات التضخم وسعر الفائدة، ظلت مؤشرات التجارة السلعية الخارجية تحقق معدلات إيجابية.
- ارتفعت الصادرات التركية في مايو/ أيار 2019 بنسبة 12.1% على أساس سنوي لتصل إلى 15.98 مليار دولار، في حين انخفضت الواردات بنسبة 19.3% لتبلغ 17.81 مليار دولار.
وشهد عجز التجارة الخارجية التركي انخفاضًا سنويًا بنسبة 76.5% في مايو 2019. أما خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام 2019، فقد انخفض ميزان التجارة الخارجية بنسبة 67% من 35.3 مليار دولار في عام 2018 إلى 11.6 مليار دولار في عام 2019، وذلك وفق بيانات معهد الإحصاء التركي.
- بنهاية يونيو/ حزيران 2019، انخفض معدل التضخم إلى 15.72%، وهو المعدل الأقل على مدار الفترة من يوليو/ تموز 2018 وحتى الآن، وكان معدل التضخم قد بلغ ذروته في أكتوبر/ تشرين الأول 2018 عند معدل 25.24%، ثم أخذ في الهبوط بمعدلات قليلة، إلا أن وصوله إلى 15.72% في يونيو/ حزيران الماضي كان سببًا في توجه البنك المركزي التركي لتخفيض سعر الفائدة أخيرًا، ليكون هناك تناسب بين سعر الفائدة ومعدل التضخم.
ويتوقع أن تكون لانخفاض سعر الفائدة آثار إيجابية على سعر الصرف من ناحية، ومن ناحية أخرى على كلفة الإنتاج، ما يعني المزيد من فرص العمل، وكذلك زيادة فاعلية التجارة السلعية الخارجية لتركيا.
- انخفض معدل البطالة بتركيا بنهاية إبريل/ نيسان 2019 ليصل إلى 13%، بعد أن كان 14.1% في نهاية مارس/ آذار 2019، ويعكس تراجع معدل البطالة التحسن الموجود في باقي المؤشرات الاقتصادية وعلى رأسها تحسن الأداء في قطاع التجارة السلعية الخارجية.
- وفي إبريل 2019، حقق قطاع السياحة زيادة بنسبة 24% على أساس سنوي، وقد ساعد هذا بدوره في تحسين أداء ميزان المدفوعات لتركيا خلال أشهر 2019. وتستهدف تركيا أن يصل عدد السائحين الوافدين إليها إلى 50 مليون سائح بنهاية 2019، بينما كان عدد السائحين بنهاية 2019 نحو 46.12%.
إذن، المؤشرات الاقتصادية الكلية لتركيا تشهد تحسنًا على مدار الأشهر الستة الأولى من عام 2019، وحتى يستمر هذا التحسن، وتتجاوز تركيا أزمتها الاقتصادية، من حيث معدلات النمو الاقتصادي، وكذلك استكمال مشروعاتها التنموية الكبرى، فلا بد أن تستكمل حزمة الإصلاح من خلال المقترحات الآتية.
- بلا شك أن تراجع معدلات الواردات السلعية، كان عاملًا مهمًا لتخفيض العجز التجاري، ولكن ذلك يتطلب تركيز صانع السياسة الاقتصادية على أن يجتهد في تدبير مستلزمات الإنتاج بشكل كبير من خلال السوق المحلية، لكي تزيد القيمة المضافة من جهة، وكذلك تخفيف العبء عن كاهل ميزان المدفوعات، والطلب على العملات الأجنبية. ولن يتوقف الأمر على هذا فقط، بل إن زيادة الاعتماد على مستلزمات الإنتاج المحلية ستؤدي كذلك إلى زيادة الطلب على العملة.
- العمل على ضبط المضاربات بأسواق الصرف والبورصة داخليًا، لأنه خلال فترة الأزمة في الأشهر الأخيرة من عام 2018، كانت هناك سوق رائجة للمضاربة على العملة المحلية، وكذلك داخل البورصة، وقد تسبب ذلك بالفعل في خسائر غير منطقية للاقتصاد التركي، دفع ثمنها المواطن البسيط، وكذلك تأثرت شعبية الحكومة التركية بشكل سلبي، وظهر ذلك بشكل واضح في انتخابات البلديات في مارس/ آذار 2019، وإن كان حزب العدالة والتنمية الحاكم استحوذ على 52% من البلديات، إلا أنه خسر نحو 5 بلديات كبرى من إجمالي البلديات السبع الكبرى في تركيا.
كما نجحت السياسة الاقتصادية في النهوض بالمؤشرات الاقتصادية الكلية ووجود تحسن ملحوظ، إلا أنها مطالبة كذلك بالعمل على تحقيق حالة من السيطرة على المديونية الخارجية، وبخاصة تلك المتعلقة بالقطاع الخاص، ولا يعني ذلك شل حركة التمويل الخارجي للقطاع الخاص، ولكن مطلوب إدارتها بشكل يساعد على عدم وجود أزمة في الالتزامات الخارجية، وإرباك سعر الصرف.
ومن المؤكد أن الحكومة التركية مطالبة كذلك بالتوسع في اتجاهها نحو التمويل بالمشاركة (التمويل الإسلامي)، كبديل عن التمويل عبر الديون، سواء في ما يتعلق بالتمويل الحكومي أو القطاع الخاص، وأمام الحكومة التركية فرصة كبيرة في الاستفادة من حالة التعاطف الخارجي معها، ويمكنها تدبير تمويل عبر آليات التمويل الإسلامي بشكل أفضل من الأسواق الخارجية.
وبلا شك أن الاقتصاد والسياسة وجهان لعملة واحدة، وتواجه تركيا العديد من التحديات على الصعيد السياسي الخارجي، سواء في ما يتعلق بالقضايا الإقليمية أو الدولية، ولكن على الحكومة أن تدير ملفاتها السياسية الخارجية، بما لا يؤدي إلى آثار سلبية على مقدرات الاقتصاد. فثمة حالة نجاح تحققت في إدارة الحكومة لأزمة منظومة الدفاع الروسية، والتي كان يتوقع لها أن تكون أزمة كبيرة مع الإدارة الأميركية، كالتي حدثت في 2018 بشأن القس الأميركي، ولكن مرت أزمة استيراد تركيا للأجزاء الأولى من منظومة الدفاع الروسية دون أن يكون لها أثر سلبي على سعر الصرف، وبالتالي على باقي المؤشرات الاقتصادية. وينبغي أن تراعى هذه السياسة الناجحة في باقي الملفات.
تبقى الإشارة إلى أمر مهم وهو أن تركيا استطاعت أن تحقق تحسنًا في مؤشراتها الاقتصادية من خلال حزمة من السياسات دون الارتباط بالأفراد، وكذلك جرأة اتخاذ القرار المتعلق بالجوانب الاقتصادية كما حدث في شأن عزل محافظ البنك المركزي التركي.