تتزايد عسكرة الاقتصاد المصري بشكل متسارع، وتسيطر مؤسسات القوات المسلحة على القطاعات الاقتصادية الحيوية، وعلى الخدمات الأساسية، ما يؤسس لمرحلة جديدة تقوم على ربط مصالح المواطنين وحاجاتهم بالمنظومة العسكرية.
ويشير الخبراء إلى أن إحكام الجيش المصري سيطرته على الاقتصاد يساهم في تراجع المنافسة داخل السوق المصرية، ما يضرب القطاع الخاص ويخفض حجم الوظائف، إضافة
وبينما قال الرئيس، عبد الفتاح السيسي، في مؤتمر للشباب في شرم الشيخ (شمال شرق) نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي إن "الأنشطة الاقتصادية للقوات المسلحة تعادل ما بين 1% إلى 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي، وإن الجيش لا يتطلع إلى منافسة القطاع الخاص"، فإن صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، ذكرت في تقرير سابق أن الجيش يسيطر على 60% من الاقتصاد.
خلال الفترة الأخيرة، تم تكليف القوات المسلحة بإقامة 350 مشروعاً تقدر تكلفتها الاستثمارية بمليارات الدولارات، بحسب تصريحات صحافية لرئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، عماد الألفي، وتنفذ الهيئة الهندسية 3 مشروعات كبرى، وهي مشروع قناة السويس الجديدة، ومشروع شبكة الطرق العملاقة، ومشروع استزراع مليون فدان.
ويتمتع الجيش بامتيازات كبيرة في العطاءات والمناقصات، ولا تخضع إيراداته للضرائب مثل باقي الشركات سواء العامة المملوكة للدولة أو الخاصة، ولا تمر موارد المؤسسة العسكرية عبر الخزينة العامة للدولة، ولا تخضع لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات.
إلا أن الاستثمارات العسكرية لا تتوقف على المشاريع الضخمة، إنما تمتد إلى كافة القطاعات الاقتصادية الحيوية تقريباً، ويؤكد رصد قامت به "العربي الجديد"، أن العسكرة تسيطر على كافة القطاعات المدرة للأرباح، خصوصاً تلك المرتبطة بحاجات المأكل والمسكن.
فما هي الشركات التي أسستها المؤسسة العسكرية المصرية، وما هي القطاعات التي يسيطر عليها؟
شركة للاستزراع السمكي
يصل حجم الاستزراع السمكي إلى 75% من إنتاج الأسماك في مصر، البالغ 1.4 مليون طن سنوياً، ويساهم بنحو 4% من إجمالي قيمة الإنتاج الزراعي البالغ 14% من حجم الناتج القومي.
وأعلنت القوات المسلحة لأول مرة في تاريخها عن تأسيس شركة للاستزراع السمكي، وليس لتنمية الثروة السمكية، وأسمتها "الشركة الوطنية للاستزراع السمكي والأحياء المائية" في يناير/كانون الثاني 2015، وبرأسمال مبدئي مليار جنيه، وأتبعتها بجهاز مشروعات الخدمة الوطنية، الذراع الاقتصادية للقوات المسلحة.
شركة لصناعة الأدوية
أصدر رئيس الوزراء المصري، شريف إسماعيل، قراراً مؤخراً بالترخيص للهيئة القومية للإنتاج الحربي التابعة للجيش بتأسيس شركة مساهمة لصناعة الأدوية تحمل اسم "الشركة المصرية الوطنية للمستحضرات الدوائية". وستكون شركة مساهمة تخضع لقانون الشركات المساهمة وذات المسؤولية المحدودة والتوصية بالأسهم، ويمكنها طرح أسهمها في البورصة المصرية.
شركة لصناعة الحديد
في نوفمبر/ تشرين القاني 2016، استحوذ جهاز الخدمة الوطنية التابع للجيش المصري على 40% من مجموعة شركات "صلب مصر" مقابل 3.8 مليارات جنيه ترتفع إلى 82% بعد زيادة رأس المال مقابل سداد مديونية الشركة التي تزيد عن 600 مليون دولار لتصل القيمة الإجمالية للصفقة إلى نحو 1.135 مليار دولار.
وتبلغ الطاقة الإنتاجية لشركة صلب مصر نحو 2.2 مليون طن وتعد ثاني أكبر طاقة إنتاجية بالسوق بعد مجموعة شركات عز، التي تملك نحو 5.8 ملايين طن حديد، فيما تأتي مجموعة بشاي للصلب في المركز الثالث بمليونَي طن.
مصنع للحقن الطبية
في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، أعلن المتحدث باسم وزارة الصحة، خالد مجاهد، عن إنشاء مصنع لـ"السرنجات" (الحقن الطبية)، بالتعاون مع وزارة اﻹنتاج الحربي، أحد أذرع المؤسسة العسكرية. وقال مجاهد، في تصريحات تلفزيونية، إن مصنع "السرنجات" سيكلف إنشاؤه 17 مليون دولار، وسيوفر نحو 50 مليون سرنجة سنوياً، تستخدم جميعها لمرة واحدة فقط.
مصنع لمكيفات الهواء
في يونيو/ حزيران 2016، أعلنت وزارة الإنتاج الحربي، عن توفير مكيفات مستوردة، وأخرى من إنتاج المصانع الحربية بأسعار أقل من السوق الحرة.
وفي هذا السياق، قال عضو شعبة المستوردين بالغرفة التجارية بالقاهرة، فتحي الطحاوي، لـ "العربي الجديد"، إن الجيش يدخل في منافسة غير عادلة مع المستوردين والتجار، ويخطط ليكون المستورد الوحيد والصانع الوحيد الفترة المقبلة.
ونشرت صفحة، معا لدعم المنتج المدني للمصانع الحربية، على موقع فيسبوك، أن مصنع 360 الحربي سيقوم بإنتاج مكيفات بقدرات 2.5 و3 أحصنة بداية من شهر يوليو/تموز.
شركة مقاولات
في يونيو/ حزيران 2015، أسس الجيش المصري شركة مقاولات برأسمال 100 مليون جنيه. وقالت جريدة الوقائع الحكومية إن الشركة تتبع الهيئة القومية للإنتاج الحربي وبرأسمال مدفوع 50 مليون جنيه.
وقال مسؤول في اتحاد المقاولات المصري إن الحكومة تعتزم إسناد أكثر من 80% من المشروعات، الخاصة بعمليات إنشاء الطرق التي سبق أن أعلنت عنها، إلى شركات مملوكة للدولة.
وكان الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، قد خصص في فبراير/شباط 2016، جميع اﻷراضي التي سيقام عليها مشروع العاصمة اﻹدارية الجديدة بين مدينتي القاهرة والسويس، ومشروع مدينة محمد بن زايد السكنية، لصالح وزارة الدفاع، ممثلة في جهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة، واستثمارات مشروع العاصمة الجديدة، المتوقعة بقيمة 45 مليار دولار في المرحلة الأولى ترتفع إلى 90 مليار دولار في نهاية المشروع.
امتلاك فندق سياحي
في فبراير/ شباط 2015، قال مسؤول بارز في وزارة السياحة المصرية، إن الجيش المصري اشترى فندقاً في منطقة طابا في جنوب سيناء، القريبة من الأراضي الفلسطينية المحتلة، بقيمة 150 مليون جنيه (19.7 مليون دولار)، فيما قال عضو في الاتحاد العام للغرف السياحية إن هذه الخطوة تثير مخاوف من سيطرة الجيش على الاستثمارات السياحية.
محطة ركاب بحرية
في يناير/ كانون الثاني 2015، وقع جهاز الخدمة الوطنية التابع للجيش اتفاقاً مع هيئة ميناء الإسكندرية، يقضي بتولي الجهاز إدارة وتشغيل محطة الركاب البحرية في الميناء، التي تكلف إنشاؤها حوالى 80 مليون جنيه (11.2 مليون دولار)، وأثارت الخطوة حالة من الاستياء الشديد في أوساط الشركات ورجال الأعمال المتنافسين، بعد استبعاد عروضهم من المزايدة دون إبداء أسباب مقنعة.
وتعود أهمية المحطة، إلى أنها تقع في ميناء الإسكندرية، الذي يساهم بنسبة 60% من حجم التجارة في مصر، ويرتبط مباشرة مع قلب مدينة الإسكندرية التجاري.
السيطرة على قطاع إعلانات الطرق
في أكتوبر/ تشرين الأول 2015، أوقفت الهيئة العامة للطرق والكباري، التابعة لوزارة النقل المصرية، التراخيص الصادرة لشركات الإعلانات العاملة على الطريق الدائري حول القاهرة الكبرى. وأبلغت الهيئة الشركات شفهياً بأنها لم تعد مسؤولة عن أعمال الإعلانات في الطريق الدائري، وأنه على الشركات الراغبة في العمل التقدّم في مزاد جديد يعقده جهاز مشروعات الخدمة الوطنية للقوات المسلحة، التابع لوزارة الدفاع.
مشاريع الطاقة والبنى التحتية
في ديسمبر/ كانون الأول 2016، أصدر الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، عدة قرارات رئاسية، نقل بمقتضاها ملكية أراضٍ كانت مخصصة لصالح مشروعات سياحية ومشروعات طاقة متجددة، لصالح القوات المسلحة. وسبقت تلك القرارات، سلسلة من القرارات الرئاسية
لتخصيص أراضي الدولة للجيش لأغراض تجارية واستثمارية.
ووافق مجلس الوزراء المصري، في أكتوبر/ تشرين الأول 2016، على قيام الشركات والوحدات والجهات التابعة لوزارتي الدولة للإنتاج الحربي والكهرباء والطاقة المتجددة بالتعاقد في ما بينها بالأمر المباشر، لتنفيذ مشروعات في مجالات مختلفة مثل، تصنيع وتوريد الموصلات الكهربائية ولوازم خطوط نقل الكهرباء من الأبراج والكابلات، وتوريد عدادات الكهرباء اللازمة لشركات توزيع الكهرباء. ومستلزمات محطات توليد الطاقة الكهربائية من قطع غيار، وإنشاء محطات إنتاج طاقة شمسية وتوليد طاقة من الرياح، وأعمال رفع الكفاءة والصيانة للمنشآت والمعدات، وتوريد النظم الموفرة للطاقة والإنارة ولمبات الليد، إضافة إلى مشروعات تطوير وتحسين وصيانة محطات السكك الحديدية، وأعمال خاصة بازدواج وتوسيع بالعديد من الطرق، وإنشاء شبكات مياه ومشاريع صرف صحي.
استيراد السلع الأساسية
في أكتوبر/ نشرين الأول 2016، تم تكليف شركة الوادي، إحدى الأذرع الاقتصادية للمؤسسة العسكرية، باستيراد السكر بالإسناد المباشر، بالتزامن مع رفع سعر السكر ليحقق الجيش مزيداً من الأرباح.
وفي الشهر ذاته، قال وزير الصحة المصري، أحمد عماد الدين، إن وزارته تعاقدت على شراء أجهزة ومستلزمات طبية من الخارج بقيمة 300 مليون دولار من خلال مناقصة موحدة مع القوات المسلحة، دفعت منها 159 مليوناً، لتوريدها إلى المستشفيات التي تواجه نقصا، على أن تصل 10% منها خلال أسبوع.
وفي سبتمبر/ أيلول 2016، قال الجيش المصري في بيان له إنه يقوم باستيراد حليب الأطفال الرضع لطرحه في السوق المصرية بسعر 30 جنيهاُ للعبوة الواحدة.
السيطرة على أغذية الجامعات والمدارس
بدأت، في مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، تعاقدات وزارة التربية والتعليم مع جهاز
الخدمة الوطنية التابع للقوات المسلحة لتوريد التغذية المدرسية للطلاب.
وفي 30 أغسطس/ آب الماضي، أسندت جامعة القاهرة مهمة توريد الأغذية والإشراف على مطابخ المدن الجامعية، التي تضم نحو 59 ألف طالب، إلى الجيش المصري.
في نهاية يوليو/تموز الماضي، أرسل "المجلس الأعلى للجامعات" خطاباً بالأمر المباشر إلى نحو 15 جامعة مصرية، يطالبها بوقف جميع المناقصات العامة والممارسات الجديدة والمزايدات على الأدوية والمستلزمات الطبية، تمهيداً للشراء من إدارة الخدمات الطبية التابعة للقوات المسلحة.
تشغيل الطرق الصحراوية
في مارس/ آذار 2016، أصدر رئيس الوزراء المصري، شريف إسماعيل، قراراً يمنح مزيداً من المزايا المالية والمرفقية على طريق مصر السويس الصحراوي لشركة تابعة للجيش.
وينص القرار الجديد على منح الشركة الوطنية لإنشاء وتنمية وإدارة الطرق التابعة لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية، التابع مباشرة لوزير الدفاع، امتياز إدارة وتشغيل محطات تحصيل رسوم موازين وطرق الخدمة في طريق مصر السويس الصحراوي، وذلك لمدة 30 عاماً.
وتعتبر محطات رسوم الموازين أكبر مصدر للدخل بين عناصر الخدمات بالطرق الصحراوية، حيث تسدد الرسوم جميع المقطورات وسيارات نقل البضائع، إضافة إلى تسديدها رسوم عبور الطرق.
وكانت الحكومة المصرية قد منحت الشركة العسكرية نفسها امتياز إدارة وتشغيل محطات رسوم العبور بالطرق الصحراوية الرئيسية، لمدد تتراوح بين 25 و50 عاماً.
متاجر غذائية
في ديسمبر/ كانون الأول 2015، دخلت وزارة الداخلية في مصر سباق المنافسة التجارية مع الجيش، عبر تدشين منافذ لبيع السلع الغذائية في المحافظات، وهو ما اعتبره مراقبون تأسيساً لقوة اقتصادية جديدة تزاحم المدنيين.
وتقوم قوات الجيش والشرطة ببيع السلع للمواطنين بأسعار تقل عن السوق بنسب تقترب من 10%، رغم أنها لا تتحمّل أيّاً من الأعباء المفروضة على القطاع الخاص، مثل الضرائب والعمالة وإيجارات منافذ البيع، وتلك تكاليف يقول مراقبون إنها تعادل 50% من قيمة المُنتج.
السيطرة على منظومة التموين
في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، قالت الحكومة المصرية، إن الجيش تولى إدارة منظومة البطاقات الذكية الخاصة بوزارة التموين، في علامة جديدة على تزايد مشاركة القوات المسلحة في الأنشطة الاقتصادية.
وقالت الحكومة إن إدارة منظومة البطاقات الذكية انتقلت من وزارة التخطيط إلى وزارة الإنتاج الحربي.